03-يونيو-2025
ليبيا

الانقسام الليبي (رويترز)

سلّطت منظمة "هيومن رايتس ووتش" الضوء، في تقرير أصدرته يوم أمس الإثنين، على قطاع العدالة في ليبيا، الذي يعاني بدوره من التشرذم والانقسام، على غرار بقية المؤسسات الليبية. ولفتت المنظمة في تقريرها إلى أنّ قطاع العدالة الليبي "يقمع الحريات الأساسية ويعرقل المساءلة عن الانتهاكات"، ما يحتّم على السلطات الليبية أن تبادر، على وجه السرعة، إلى "إجراء إصلاح قضائي شامل، وتعديل التشريعات القمعية، والوفاء بالتزاماتها الدولية في هذا المجال".

ويأتي التقرير عقب اندلاع مواجهات دامية بين مجموعات مسلحة محسوبة على المجلس الرئاسي، وأخرى تابعة لوزارة الدفاع في حكومة الوحدة الوطنية، واعتبرت "هيومن رايتس ووتش" أن تلك الأحداث تعكس الكيفية التي تدير بها المؤسسات الليبية ظهرها للعدالة، حيث لم تُساءل أي جهة، ولم يُعتقل أو يُحاسب أي طرف على ما جرى.

وفي الأثناء، عاد ملف إعمار ليبيا إلى الواجهة مجددًا، مثيرًا مزيدًا من الانقسام بين المؤسسات السياسية. فبعد أن صادق مجلس النواب، أمس الإثنين، على إعداد "ميزانية صندوق التنمية وإعادة إعمار ليبيا"، أصدرت حكومة الوحدة الوطنية برئاسة عبد الحميد الدبيبة بيانًا أعلنت فيه رفضها لما وصفته بـ"المسارات الموازية للإنفاق خارج الشرعية"، في تشكيكٍ جديد بشرعية مجلس النواب والحكومة المكلّفة من قبله برئاسة أسامة حمّاد في شرق البلاد وبعض مناطق الجنوب.

هيومن رايتس ووتش: الانقسام السياسي الليبي والانتقال المتعثّر هو ما يفسر إلى حد كبير الشروخ البارزة في نظام العدالة الليبي

تقرير هيومن رايتس ووتوش: عوائق العدالة في ليبيا

صدر تقرير "هيومن رايتس ووتش"، الذي جاء في 35 صفحة، بعنوان: "ظلم مُتأصل: ضرورة الإصلاح الشامل للعدالة في ليبيا"، وركّز على إبراز "مدى الحاجة الملحة إلى إصلاح التشريعات البالية والقمعية، وانعدام ضمانات المحاكمة العادلة، وتفشي انتهاكات الإجراءات القانونية الواجبة". كما أشار التقرير إلى أن "الظروف غير الآمنة التي يعمل فيها الموظفون القضائيون، والمحاكمات العسكرية التعسفية بحق المدنيين، والظروف اللاإنسانية في السجون، تُفاقم من حجم الانتهاكات وتُرسّخ ثقافة الإفلات من العقاب".

وفي هذا السياق، علّقت حنان صلاح، المديرة المشاركة لقسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في "هيومن رايتس ووتش"، على مضامين التقرير بالقول إن السلطات الليبية، "بتقاعسها عن معالجة الاحتياجات المزمنة للإصلاح القضائي، تدير ظهرها للعدالة وتسمح للإفلات من العقاب بأن يسود". واعتبرت أن "الاشتباكات الدامية الأخيرة بين الميليشيات في العاصمة طرابلس، وغياب الآليات العدلية الكفيلة بالتصدي للانتهاكات، تمثل إنذارًا بضرورة الشروع في إصلاحات عاجلة".

وأشار التقرير إلى أن الانقسام السياسي والانتقال المتعثر في ليبيا يفسران إلى حد بعيد هشاشة نظام العدالة، إذ خلصت المنظمة إلى أن قطاع العدالة في البلاد "يتسم بالانقسام الحاد والاستقطاب السياسي، فيما تفتقر السلطة القضائية إلى الإرادة والقدرة على التحقيق في الانتهاكات الجسيمة والجرائم الدولية".

ولفت التقرير إلى وجود صراع عميق بين المؤسسات القضائية الرئيسية، بما في ذلك وزارة العدل، والمجلس الأعلى للقضاء، والمحكمة العليا، والنيابة العامة، مشيرًا إلى أن "المحكمة الدستورية العليا" التي أُنشئت مؤخرًا في بنغازي قد تتنافس من حيث الصلاحيات مع المحكمة العليا في طرابلس، مما يُهدد باندلاع أزمة دستورية وإصدار أحكام قضائية متضاربة.

وأكّد التقرير أن قانون العقوبات الليبي والتشريعات المرتبطة به "بالية ولا ترقى إلى مستوى الجرائم الدولية، وتتطلب إصلاحًا شاملًا لتتماشى مع الالتزامات الحقوقية الدولية لليبيا"، كما أنها لا تزال تتضمن نصوصًا قمعية وتعسفية تعود إلى عهد الزعيم الراحل معمر القذافي.

كما سلّط التقرير الضوء على عدم احترام حقوق المحاكمة العادلة في ليبيا، واستمرار المحاكم العسكرية في كل من الشرق والغرب في محاكمة المدنيين تحت عنوان "الجرائم المرتبطة بالإرهاب".

واستعرض التقرير عددًا من الجرائم التي تجاهلتها العدالة الليبية، من بينها اكتشاف عدة مقابر جماعية، كان آخرها في شباط/فبراير الماضي، حيث أعلنت حكومة الوحدة الوطنية العثور على 53 جثة مجهولة الهوية داخل مشرحة مستشفى، إضافة إلى مقبرة عشوائية تضم ما لا يقل عن تسع جثث تعود لرجال ونساء. كما أشار إلى أحداث العنف التي شهدتها طرابلس في منتصف أيار/مايو المنصرم، والتي أسفرت عن "سقوط ضحايا مدنيين وتدمير منازل وممتلكات خاصة".

وتوقف التقرير أيضًا عند أوضاع مراكز الاحتجاز التي تُديرها جماعات مسلحة وقوات شبه حكومية، والتي تضم ليبيين وغير ليبيين على حد سواء، وقال إن هذه المواقع "معروفة بظروفها اللاإنسانية للمهاجرين وطالبي اللجوء والمواطنين الليبيين، ولا تلتزم دائمًا بأوامر الإفراج أو المثول أمام القضاء، حيث تتفشى فيها ممارسات التعذيب وسوء المعاملة والاكتظاظ، وهي حالات موثقة".

واختتم التقرير بالتنبيه إلى أن العاملين في مجال القضاء، إلى جانب المتهمين والشهود، يتعرضون بشكل متكرر للاعتداءات والترهيب والمضايقات، دون أن تُوفر لهم السلطات الحماية الكافية".

ملف إعادة إعمار ليبيا: تعزيز الانقسام

وافق مجلس النواب الليبي أمس الإثنين على إعداد ميزانية صندوق التنمية وإعادة إعمار ليبيا، ووجه المجلس أوامره بـ"تشكيل لجنة تضم عضوًا عن كل دائرة للاجتماع مع إدارة الصندوق لإعداد الميزانية لتوضيح كيفية صرفها على جميع المناطق"، وفق بيان صادر عنه.

عبد الحميد الدبيبة طالب رئيس مجلس النواب الليبي عقيلة صالح بالإفصاح عن مصير أكثر من 100 مليار دينار تم إنفاقها خارج الميزانية العامة خلال العامين الماضيين"،

كان مجلس النواب، الذي يتخذ من بنغازي مقرًا له، قد أنشأ صندوق إعمار ليبيا قبل عامين، وعيّن بلقاسم خليفة حفتر رئيسًا له.

ولم تمضِ سوى ساعات قليلة على موافقة مجلس النواب على إعداد ميزانية للصندوق، حتى أعلن رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة رفضه لما وصفه بـ"أي مسارات موازية للإنفاق العام". جاء هذا التصريح خلال اجتماع عقده مع أعضاء من المجلس الأعلى للدولة، الغرفة الثانية في البرلمان الليبي.

وأكد الدبيبة على ضرورة "حماية الاقتصاد الوطني من العبث المالي الموازي"، معبرًا عن "رفض حكومته القاطع لأي مسارات خارج الأطر الشرعية للإنفاق العام". وأضاف أن "هذه الممارسات تُحمّل الدولة أعباءً مالية ضخمة تُصرف في أبواب غير حقيقية، ثم يُعاد تعويضها من خلال الدين العام، ما يعني عمليًا خصمًا من دخل المواطن وخفضًا فعليًا لقيمته الشرائية"، على حد تعبيره.

كما طالب الدبيبة رئيس مجلس النواب عقيلة صالح بـ"الإفصاح عن مصير أكثر من 100 مليار دينار تم إنفاقها خارج الميزانية العامة خلال العامين الماضيين"، مؤكدًا أن هذه المطالبة "لا تنبع فقط من مبدأ الشفافية، بل تأتي نتيجة مباشرة لما تسبب فيه هذا الإنفاق من تدهور في قيمة الدينار الليبي، وانعكاسات خطيرة على دخل المواطن وثقة السوق".