يتزايد الضغط الدبلوماسي الدولي تدريجيًا على دولة الاحتلال الإسرائيلي جراء مواصلتها حرب الإبادة الجماعية في غزة. وفي هذا الصدد يعقد وزراء الخارجية في الاتحاد الأوروبي اليوم الثلاثاء اجتماعًا في بروكسل لمناقشة فرض عقوبات على إسرائيل، وسط مطالبات من عدة دول أوروبية بضرورة إعادة النظر في اتفاقية الشراكة الاستراتيجية بين الاتحاد الأوروبي وتل أبيب.
أُعدّ الإطار القانوني لهذه الاتفاقية عام 1995، ودخلت حيز التنفيذ عام 2000. وتُعدّ هذه الشراكة من أسس العلاقة الاقتصادية والتجارية بين دول الاتحاد وإسرائيل، وبفضلها أصبح الاتحاد الأوروبي أكبر شريك تجاري لدولة الاحتلال.
وكانت دول أوروبية رئيسية، بينها إسبانيا وفرنسا وبريطانيا، بالإضافة إلى كندا، قد أعلنت مؤخرًا أنها لن تبقى مكتوفة الأيدي أمام أفعال إسرائيل في غزة. فقد وصلت هذه الأفعال إلى حد منع إدخال المساعدات لأكثر من ثلاثة أشهر، وتوسيع العمليات العسكرية التي تجاوزت 19 شهرًا من حرب الإبادة والتدمير والتهجير، في تعبيرٍ سافر عن عدم الرغبة في إنهاء الحرب.
اتفاقية الشراكة بين الاتحاد الأوربي وإسرائيل التي دخلت حيز التنفيذ عام 2000 تعدّ أحد أسس العلاقة الاقتصادية والتجارية بين الطرفين
مراجعة اتفاقية الشراكة
أعلنت فرنسا عن موقف متقدّم، حيث أعلن وزير خارجيتها، جان نويل بارو، اليوم الثلاثاء، دعم باريس "مراجعة اتفاقية الشراكة بين الاتحاد الأوروبي وإسرائيل لمعرفة ما إذا كانت إسرائيل تحترم التزاماتها تجاه حقوق الإنسان".
واعتبر بارو أن "تسهيل إسرائيل وصول المساعدات الإنسانية إلى غزة غير كافٍ على الإطلاق؛ فهناك حاجة إلى مساعدات فورية وضخمة”، مؤكدًا أن على إسرائيل أن “تضمن تقديم مساعدات ضخمة وفورية دون أي عوائق".
كما أشار بارو إلى أن فرنسا "عازمة على الاعتراف بدولة فلسطين"، معتبرًا أن ذلك "يصب في مصلحة الفلسطينيين والإسرائيليين على حد سواء". وتابع: "لا يمكننا أن نترك لأطفال غزة إرثًا من العنف والكراهية. لذلك، يجب أن يتوقف كل هذا، ولهذا السبب نحن عازمون على الاعتراف بدولة فلسطين".
وأكد بارو أنه يعمل شخصيًا بفعالية على هذا الأمر، "لأننا نريد المساهمة في التوصل إلى حل سياسي يصبّ في مصلحة الفلسطينيين ولكن أيضًا في صالح أمن إسرائيل"، وفق تعبيره.
وأشارت وكالة "فرانس برس" إلى أنه من المتوقع أن يأتي الاعتراف الفرنسي بدولة فلسطين "خلال المؤتمر الدولي الذي ترأسته فرنسا بالتعاون مع المملكة العربية السعودية لإحياء الحل السلمي للصراع الإسرائيلي–الفلسطيني على أساس حل الدولتين، والمقرر عقده في الفترة من 17 إلى 20 حزيران/يونيو المقبل".
هل تضع الدول الأوروبية تهديداتها لإسرائيل موضع التنفيذ؟
وجه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ورئيسا الوزراء الكندي مارك كارني والبريطاني كير ستارمر، أمس الإثنين، في بيان مشترك، تهديدات جديدة لإسرائيل باتخاذ إجراءات ملموسة ضدها في حال "لم توقف هجومها العسكري الجديد على غزة وترفع القيود التي فرضتها على دخول المساعدات إلى القطاع”. جاء في البيان الثلاثي أن فرنسا وبريطانيا وكندا لن تقف “مكتوفة الأيدي بينما تواصل حكومة نتنياهو هذه الأعمال غير المقبولة".
ويشير هذا الالتزام الثلاثي إلى طبيعة النقاش الدائر في الأروقة الأوروبية حول مراجعة اتفاقية الشراكة مع إسرائيل، بين من يدعم إعادة النظر فيها حتى تنصاع إسرائيل للمطالب بإنهاء "حرب الإبادة الجماعية"، وبين من يعارض استغلال تلك الشراكة لمعاقبة إسرائيل.
ويرى الداعمون لمراجعة الاتفاقية أن المادة الثانية فيها كانت حاسمة، إذ ربطت "التعاون بالالتزام باحترام حقوق الإنسان والمبادئ الديمقراطية". وقد طلبت الحكومة الهولندية من مسؤولة الشؤون الخارجية في الاتحاد الأوروبي، كايا كيلس، الشهر الماضي، التحقيق فيما إذا كان الإسرائيليون لا يزالون ملتزمين بالاتفاق.
وفي هذا الصدد، نقل عن وزير خارجية هولندا، كاسبار فيلدكامب، قوله: "من المهم للغاية في هذا الوقت توجيه إشارة مفادها أننا نشعر بقلق بالغ إزاء استمرار حصار وصول المساعدات الإنسانية وإصرار إسرائيل على تكثيف المجهود الحربي".
وتقف هولندا وفرنسا وإسبانيا وأيرلندا وسلوفينيا والدنمارك مع إعادة النظر في هذه الشراكة، وتسعى هذه الدول إلى انضمام المزيد من الأعضاء إليها، حتى تتمكن من ممارسة الضغط المطلوب على إسرائيل. في المقابل، تعتبر دول مثل ألمانيا والمجر تعليق أو إلغاء الشراكة أمرًا حساسًا، فيما تعارضه بشكل تام دول مثل النمسا والتشيك.
يرى متابعون أنه لو أشُفّع هذا الضغط الداخلي بضغطٍ عربي رسمي على الدول الأوروبية لكانت النتيجة مضمونة
ويحتاج داعمو قرار المراجعة إلى حالة إجماع لتعليق الشراكة مع إسرائيل أو إلغائها. وعلى الرغم من أن هذا الأمر مستبعد، إلا أن مجرد مناقشة فرض عقوبات جدية على إسرائيل يعكس تغيرًا في المزاج الأوروبي تغذيه احتجاجات مستمرة في الشوارع الأوروبية تنديدًا بجرائم إسرائيل ودعمًا لحقوق الفلسطينيين.
ويرى متابعون أنه لو أشُفّع هذا الضغط الداخلي بضغطٍ عربي رسمي على الدول الأوروبية لكانت النتيجة مضمونة، لكن غياب الضغط العربي يبعث برسالة إلى هذه الدول مفادها أن مصالحها في الشرق الأوسط غير مهددة، وبالتالي فهي في حلٍّ نوعًا ما من اتخاذ أي إجراءات عقابية ملموسة ضدّ إسرائيل.
يُشار إلى أن مناقشة فرض عقوبات أوروبية على إسرائيل دفعت رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، إلى اتهام قادة بريطانيا وكندا وفرنسا بأنهم "يقدمون جائزة كبرى لهجوم 7 أكتوبر".
يُذكر أخيرًا أنه بموجب الشراكة الاستراتيجية بين إسرائيل والاتحاد الأوروبي، تُعفى معظم السلع الصناعية التي تصدِّرها إسرائيل إلى السوق الأوروبية من الرسوم الجمركية، كما تُسهل الاتفاقية "تجارة المنتجات الزراعية" من الأراضي المحتلة.