1. سياسة
  2. حقوق وحريات

مستقبل العدالة الدولية بين مطرقة العقوبات وسندان الانسحابات

24 سبتمبر 2025
المحكمة الجنائية الدولية
مقر المحكمة الجنائية الدولية (رويترز)
الترا صوت الترا صوت

يواجه مستقبل العدالة الدولية تحديات جسيمة في ظل ما تتعرض له مؤسساتها من ضغوط سياسية وقرارات انسحاب متتالية، كان آخرها إعلان مالي والنيجر وبوركينا فاسو مغادرة المحكمة الجنائية الدولية. ويأتي ذلك بعد سنوات من الضغوط والعقوبات الأميركية والإسرائيلية التي استهدفت المحكمة، وصولًا إلى فرض عقوبات مباشرة على المدعي العام كريم خان عقب إصدار مذكرات اعتقال بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير أمنه السابق يوآف غالانت، لمسؤوليتهما عن جرائم ضد الإنسانية ارتكبت في قطاع غزة.

الإفلات من العقاب

حذّرت منظمة العفو الدولية من خطورة الانسحابات الأخيرة، ووصفتها بأنها تمثل "تراجعًا مقلقًا في مكافحة الإفلات من العقاب في منطقة الساحل والعالم". وأكد المدير الإقليمي للمنظمة في غرب ووسط إفريقيا أن قرار باماكو وواجادوجو ونيامي الانسحاب من المحكمة يعدّ "إهانة للضحايا والناجين من أبشع الجرائم، ولكل من يكافح ضد الإفلات من العقاب في هذه البلدان وفي العالم بأسره".

أعلنت مالي وبوركينا فاسو والنيجر انسحابها من المحكمة الجنائية الدولية

يشار إلى أن المحكمة الجنائية الدولية تجري حاليًا تحقيقًا في مالي بشأن جرائم حرب ارتكبتها القوات المالية ومليشيات مسلحة خلال النزاع بين الجيش المالي من جهة، والفصائل الأزوادية وقوات حركة ماسينا الجهادية من جهة أخرى. وقد تدخلت قوات فاغنر لدعم الجيش المالي قبل أن تُسند تلك المهمة لاحقًا لما يُعرف بـ"الفيلق الإفريقي" التابع لروسيا. ويتهم الجيش المالي ومليشيات فاغنر بارتكاب مجازر بحق المدنيين في عدة مدن اجتاحتها القوات المالية وحلفاؤها.

وتخشى منظمة العفو الدولية من ضياع فرص الضحايا والناجين من جرائم الحرب في نيل العدالة الدولية بمجرد أن يصبح انسحاب مالي والنيجر وبوركينا فاسو من المحكمة قرارًا نافذًا، مشيرة إلى أن المعلن حتى الآن هو الانسحاب من نظام روما الأساسي المنشئ للمحكمة. ولا يصبح الانسحاب نافذًا إلا بعد مرور عام كامل على تقديم الطلب إلى الأمين العام للأمم المتحدة.

وترى العفو الدولية أن هذه الخطوة تعكس واقعًا سياسيًا داخليًا في الدول الثلاث التي تحكمها أنظمة عسكرية انقلابية منذ عام 2020، وما رافقه من انفلات أمني وتراجع مؤسساتي، خصوصًا في المنظومات القضائية الوطنية التي باتت مشلولة وتتحرك فقط ضمن هوامش تسمح بها السلطات العسكرية.

وكانت بوركينا فاسو ومالي والنيجر قد أعلنت، مطلع هذا الأسبوع، انسحابها من المحكمة الجنائية الدولية، مبررة القرار بالقول إن المحكمة "تحولت إلى أداة قمع استعمارية بيد الإمبريالية". وأكدت الدول الثلاث في بيان مشترك أن الانسحاب "يسري بمفعول فوري"، وأنه يمثل جزءًا من مساعيها "لتكريس السيادة الوطنية بشكل كامل".

وأضاف البيان أن المحكمة الجنائية الدولية "أثبتت عجزها عن التعامل مع جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية وجرائم الإبادة والعدوان، ومقاضاة مرتكبيها". وفي إطار هذا التوجه، تعتزم دول الساحل الثلاث إنشاء "محكمة جنائية لدول الساحل" على غرار آلية "الدفاع المشترك لدول الساحل".

انسحابات سابقة

تأسست المحكمة الجنائية الدولية عام 2002 وتضم في عضويتها حاليًا 125 دولة من أصل 193 دولة عضوًا في الأمم المتحدة. ومن اللافت أن دولًا كبرى مثل الولايات المتحدة وروسيا والصين و"إسرائيل" وميانمار لم تنضم إلى نظام روما الأساسي المنشئ للمحكمة. ويُعزى ذلك إلى انخراط هذه الدول في نزاعات عسكرية ارتُكبت خلالها جرائم ضد الإنسانية (مثل الولايات المتحدة وإسرائيل وروسيا)، أو إلى خشيتها من أن تصبح انتهاكاتها الداخلية موضع مساءلة دولية ملزمة (كما في حالة الصين وميانمار). كما يُفسَّر عدم الانضمام أيضًا برغبة بعض الدول في توفير غطاء دبلوماسي لحلفائها المتهمين بارتكاب جرائم حرب.

ولطالما واجهت المحكمة انتقادات بأنها "أداة في يد القوى الإمبريالية لإدانة الخصوم السياسيين"، وهي اتهامات تصدر أساسًا من دول في إفريقيا وأميركا اللاتينية. وقد دفعت هذه الانتقادات عدة دول إفريقية عام 2016 إلى التلويح بالانسحاب مثل غامبيا وبوروندي وجنوب إفريقيا، قبل أن تتراجع غامبيا وجنوب إفريقيا لاحقًا.

وخلال العام الجاري، أعلنت المجر انسحابها من المحكمة الجنائية الدولية احتجاجًا على إصدارها مذكرتي توقيف بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير أمنه السابق يوآف غالانت، في خطوة اعتُبرت جزءًا من توجّه حكومة فيكتور أوربان اليمينية المتطرفة لمساندة إسرائيل.

وقد مثل أمام المحكمة في السابق عدد من كبار القادة، من بينهم الرئيس الإيفواري السابق لوران غباغبو (الذي بُرئ لاحقًا) ونائب الرئيس الكونغولي السابق جان بيير بيمبا، كما حكمت المحكمة بالسجن 30 عامًا على بوسكو نتاغاندا لدوره في الحرب الكونغولية. كما فتحت المحكمة تحقيقًا بحق الرئيس الفلبيني السابق رودريغو دوتيرتي بتهمة ارتكاب جرائم ضد الإنسانية في إطار "الحرب على المخدرات" التي قادها خلال فترة رئاسته.

أي مستقبل للعدالة الدولية؟

أدرجت الولايات المتحدة الأميركية المحكمة الجنائية الدولية والمدّعي العام كريم خان على قائمة عقوباتها في 21 تشرين الثاني/نوفمبر 2024، وذلك ردًّا على مذكرات الاعتقال التي أصدرتها المحكمة بحق مسؤولين إسرائيليين على خلفية جرائم الحرب المرتكبة في قطاع غزة.

ورأى نشطاء حقوقيون أن هذا الإجراء يمثل رسالة واضحة بأن واشنطن مستعدة لاستخدام أقسى أشكال الضغط ضد المحكمة وقضاتها، من أجل ثنيهم عن ملاحقة مرتكبي الجرائم الذين يحظون بالحصانة في بلدانهم. ونقلت وكالة "الأناضول" حينها عن المدير السابق لمنظمة "هيومن رايتس ووتش" كينيث روث قوله إن الهجمات التي تستهدف المحكمة "بلغت مستويات غير مسبوقة تهدد أسس العدالة الدولية"، مضيفًا أن ما قام به الرئيس الأميركي "قد يرقى إلى مستوى جريمة" وفقًا لنظام روما الأساسي.

وأشارت "هيومن رايتس ووتش" إلى أن العقوبات الأميركية منعت موظفي المحكمة من الوصول إلى النظام المصرفي، الأمر الذي يستدعي، بحسب روث، موقفًا واضحًا من الاتحاد الأوروبي والدول المؤسسة لحماية المحكمة وموظفيها.

وتعتقد أوساط قانونية وأكاديمية أن هذه "الضغوط الممنهجة" قد تُلحق أضرارًا يصعب إصلاحها بالعدالة الدولية، مشيرة إلى أن بعض الشخصيات البارزة اضطرت إلى مغادرة المحكمة تحت وطأة هذه التهديدات. وحذّر الأكاديمي مارك كيرستن من أن استمرار الضغوط يهدد بإفراغ المحكمة من كفاءاتها، الأمر الذي يقوّض قدرتها على أداء مهامها.

ولم تقتصر الضغوط على واشنطن؛ إذ كشف تحقيق لموقع ميدل إيست آي عن ضغوط إسرائيلية وبريطانية متزامنة، شملت تهديد لندن بالانسحاب من نظام روما الأساسي.

وبحسب المادة 70 من نظام روما، تستطيع المحكمة مقاضاة أي جهة تحاول تهديدها أو تعطيل عمل موظفيها، غير أنها لم يسبق أن استخدمت هذه المادة في مواجهة قوى كبرى، ما يطرح تساؤلات حول حدود استقلاليتها وقدرتها على مواجهة الضغوط الدولية.

كلمات مفتاحية
تونس

تونس: نشطاء قابس يواصلون احتجاجاتهم وتضامن واسع مع المعتقلين المضربين عن الطعام

تمسّك النشطاء في مدينة قباس جنوب تونس بمطلبهم المتمثل في تفكيك المجمع الكيميائي بالمدينة

كوليج دو فرانس

"كوليج دو فرانس" يلغى مؤتمرًا مشتركًا مع المركز العربي تحت ضغط لوبيات مؤيدة لإسرائيل

ألغى "كوليج دو فرانس" مؤتمرًا مشتركًا مع المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات تحت ضغوط سياسية وإعلامية يمينية ومؤيدة لإسرائيل

جوهر بن مبارك

إضرابات جوع في السجون التونسية احتجاجًا على الاعتقال التعسفي وانتهاك الحرّيات

التحق رئيس حركة النهضة التونسية راشد الغنوشي بالمضربين عن الطعام في السجن، دعمًا للسجين السياسي جوهر بن مبارك، القيادي في جبهة الخلاص

هومایون إرشادي
أفلام

هومایون إرشادي: فلسفة الصمت في السينما الإيرانية

بدأ حياته المهنية كحكاية غنائية في فيلم. جالسًا خلف مقود سيارة، يلتفت إليه مخرج أفلام شهير، مأخوذ بملامحه ونظرات عينيه التي تشي برجل عاش ألف حياة

متظاهرات سودانيات
سياق متصل

الحرب في السودان: مجلس حقوق الإنسان يبحث إرسال بعثة لتقصّي الحقائق حول الانتهاكات في الفاشر

عقد مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، اليوم الجمعة، جلسة خاصة بشأن الوضع في الفاشر بالسودان

 مؤتمر الأمم المتحدة لتغير المناخ (كوب - 30)
الترا لايت

التضليل المناخي: كيف تعرقل الشركات الكبرى تقدم مفاوضات المناخ؟

استهل المفاوضون أعمال مؤتمر الأمم المتحدة الثلاثين لتغير المناخ (كوب 30) في مدينة بيليم البرازيلية، بتحذير قوي من تصاعد حملات التضليل المناخي

صونيا
فنون

صونيا.. عنقاء المسرح الجزائري

نشأت صونيا مكيو في بيئة طبيعية كبقية أبناء جيلها، ذلك الجيل الذي شهد تحولات تاريخية هامة، من حركات التحرر والاستقلال إلى مرحلة البناء