مع اقتراب عيد الأضحى المبارك تٌعلن أسواق الأغنام والماشية المصرية – كغيرها في كل بلدان العالم العربي والإسلامي، حالة الطوارئ من الدرجة القصوى، حيث الإقبال المكثف من المسلمين لشراء الأضاحي، مما يُحدث ازدحامًا استثنائيًا وسط معروض محدود من رؤوس الحيوانات ما ينجم عنه ارتفاعًا كبيرًا في الأسعار.
ويمثل عيد الأضحى موسمًا سنويًا لمربي وتجار المواشي والأغنام لبيع ما لديهم من القطعان بأسعار جيدة تتناسب وحجم ما أنفقوه طيلة العام من أعلاف ومستلزمات تربية بما يدر عليهم الربح المادي المنشود، حيث تتحول الكثير من شوارع المدن الرئيسية والقرى المصرية في مختلف المحافظات إلى شوادر كبيرة لعرض الأضاحي قبيل العيد بحوالي شهر تقريبًا.
ونظرًا لطبيعة الشعب المصري المتدين بطبيعته، والمُلتزم بشعائر الإسلام وطقوسه، عباداته ونوافله، فروضه وسننه، يحرص على النحر في هذا اليوم، إما بشكل فردي أو بالمشاركة مع آخرين، بصرف النظر عن قدراته المادية، وهو ما يجعل الإقبال على شراء الأضاحي في هذا التوقيت من العام حدثًا اجتماعيًا ودينيًا واقتصاديَا له رونقه الخاص ونكهته الفريدة.
مثل عيد الأضحى موسمًا سنويًا لمربي وتجار المواشي والأغنام لبيع ما لديهم من القطعان بأسعار جيدة تتناسب وحجم ما أنفقوه طيلة العام
الأسعار تٌشعل سوق الأضاحي
واصلت أسعار الأضاحي موجة الارتفاعات التي تشهدها خلال العامين الماضيين تحديدًا، حيث وصلت إلى مستويات لم تشهدها منذ أكثر من عشرة سنوات، وهو ما كان له أثره على حركة البيع والشراء، التي وإن لم تتراجع بالشكل اللافت لكنها أقل بكثير مقارنة بالسنوات الماضية.
ورغم عدم وجود تسعيرة ثابتة وموحدة في سوق الأضاحي إذ تختلف حسب صحتها وجودتها وحجمها، وتتباين من مكان لأخر، إلا أن هناك أسعار متوسطة يتعارف عليها السوق بحسب ما ذهب أحمد الشاذلي (تاجر مواشي) والذي أوضح أن أسعار هذا العام تزيد بنسب تقترب ما بين 10 – 25% عن أسعار العام الماضي.
وأوضح تاجر المواشي المصري في حديثه لـ "الترا صوت" أن سعر الأغنام يتراوح بين 10000 – 25000 جنيهًا مصريًا (200 – 500 دولارًا)، فيما وصل سعر البقرة متأرجحًا بين 45000 – 70000 جنيهًا ( 900 – 1400 دولارًا) بينما تراوح سعر العجل (صغير الأبقار والجاموس) بين 35000 – 50000 جنيهًا (700-1000 دولارًا).
وعن أسباب ارتفاع الأسعار هذا العام، يقول الشاذلي أن هناك مسببات عدة أبرزها ارتفاع أسعار الأعلاف عالميًا، بسبب ارتفاع سعر الدولار، وهو ما انعكس بطبيعة الحال على أسعار الأعلاف محليًا، إذ أن معظم المواد الداخلة في صناعة وإنتاج الأعلاف مستوردة من الخارج، حيث وصل سعر طن علف العجول تسمين سوبر 18% نحو 22800 جنيهًا (453 دولارًا) مقارنة بـ 16600 جنيهًا (332 دولارًا) العام الماضي.
هذا بخلاف زيادة تكاليف النقل والخدمات البيطرية، سواء بين المحافظات بعضها البعض أو استيراد بعض الأضاحي من الخارج كالسودان والبرازيل وإثيوبيا، علاوة على الارتفاع التقليدي الناجم عن سياسة العرض والطلب في السوق في هذا الموسم من كل عام، حيث الطلب الكبير على المواشي والأغنام مقارنة بالمعروض والذي في كثير من الأحيان قد لا يغطي الطلب المتزايد.
الحكومة تتدخل
وفي إطار خطة الدولة الاستراتيجية للتخفيف عن كاهل المواطنين في ظل تلك الارتفاعات المبالغ فيها في أسعار الأضاحي، طرحت وزارة الزراعة المصرية 12 ألف رأس من الأضاحي البلدية الحية ضمن استعداداتها لاستقبال عيد الأضحى المبارك 2025، وأن الطرح شمل مختلف أنواع الأضاحي، من أبقار وجاموس وأغنام وماعز، بأسعار مخفضة عن مثيلاتها بالأسواق الخارجية.
الوزارة في بيان لها كشف أن أسعار الأضاحي التابعة لها تبدأ من 155 جنيهًا (3.1 دولارًا) إلى 160 جنيهًا (3.2 دولارًا) للكيلو للجاموس، و170 جنيهًا لكيلو البقري، وتتراوح أسعار الأغنام والماعز وسلالة البرقي من 200 إلى 220 جنيهًا (4 – 4.4 دولارًا) للكيلوجرام.
وأوضح المحدث الرسمي باسم وزارة الزراعة أن الأضاحي بشتى أنواعها ستكون متاحة عبر منافذ الوزارة المنتشرة بكافة ربوع الجمهورية وبمختلف المحافظات، كما يمكن للمواطنين التوجه إليها مباشرةً أو الاستعلام من خلال مديريات الزراعة الموجودة في كل محافظة، مع التأكيد على شرائها بأسعارها المعلنة والإبلاغ عن أي زيادة في الأسعار تختلف عن المدونة في بيان الوزارة.
تراجع في حركة البيع والشراء
انعكست الأسعار المرتفعة على حركة البيع والشراء في سوق الأضاحي هذا العام، وفق ما أكده عدد من شهود العيان تحدثوا إلى "الترا صوت"، مشيرين إلى أن كثيرًا من المواطنين تراجعوا عن الشراء بسبب الأسعار المبالغ فيها، التي أصابت بعضهم بالصدمة وأثارت السخرية أحيانًا، خاصة أسعار بعض الأبقار التي تجاوزت في بعض الحالات 100 ألف جنيه مصري (نحو 2000 دولار).
يقول أشرف العزازي ( تاجر سيارات) إنه اعتاد سنويًا شراء عجل جاموسي للأضحية، كان سعره خلال الأعوام الماضية لا يتعدى ما بين 30 – 35 ألف جنيه (600 – 700 دولارًا) لكنه فوجئ هذا العام بذات العجل يصل سعره نحو 40 – 50 ألف جنيهًا (800 – 1000 دولارًا) بزيادة تقترب من الثلث تقريبًا.
ويضف العزازي في حديثه لـ "الترا صوت" أن هذه الزيادة دفعته للدخول في مشاركة مع صديق له على شراء عجل معًا، أن يتحمل كل منهما نصف الثمن وهو ما تم بالفعل، لافتًا أنها المرة الأولى التي يلجأ فيها للشراكة مع أخرين، مٌعربًا عن عدم رضاه عن هذا الأمر إلا أن الظروف كانت أقوى منه ولم يرغب في التخلي عن تلك الشعيرة وهذا النسك التي اعتاد عليه منذ صغره.
انعكست الأسعار المرتفعة على حركة البيع والشراء في سوق الأضاحي هذا العام، وفق ما أكده عدد من شهود العيان تحدثوا إلى "الترا صوت"
أما عبد الرحمن سالم ( معلم) فأعاد النظر في أضحيته السنوية، فبعدما كان يضحي بعجل أو بقرة، أضطر هذا العام وأمام تلك الأسعار الجنونية أن يستعيض عن البقرة بخروف، مشيرًا في حديثه لـ "الترا صوت" أنه اشترى خروف بـ 20000 جنيهًا (400 دولارَا)، حرصًا منه على عدم قطع تلك العادة، حسب تعبيره.
وأشار المعلم المصري أن كثيرًا من جيرانه اضطروا للبحث عن أرخص أسعار ممكنة للأضحية من خلال التجول في بعض الأسواق الشهيرة التي قد يكون السعر فيها منخفضًا نسبيًا عن المتداول في الأسواق العادية، مضيفًا أن هناك أسواق معروفة في هذا الأمر منها أسواق أبو الريش في أسوان، سوق الجمعة في إمبابة، سوق الجمال في برقاش، سوق البراجيل في الجيزة، والتي برخص أسعارها لأنها تحتوي على كميات كبيرة من المعروض مما يسمح بالتفاوض حول السعر.
وتبقى شعيرة الأضحية التزامًا دينيًا واجتماعيًا لكثير من المصريين، حيث الحرص على الوفاء بها تحت أي ظرف وفي أي حال، حتى لو وصل الأمر إلى حد الاقتراض كما قال أحدهم لـ "الترا صوت"، غير أن الأسعار الجنونية التي باتت عليها الأضاحي، والتي تفوق قدرات شريحة ليست بالقليلة من أبناء المحروسة، ربما تضع الكثير من المٌضحين في مأزق كبير، حتمًا سيكون له أثره على حركة البيع والشراء من جانب، وعلى منظومة التكافل المجتمعي الإنساني خلال أيام العيد من جانب أخر.