من إمبراطور المحروقات إلى رئاسة الحكومة.. كيف أشعلت سياسات عزيز أخنوش شرارة احتجاجات "جيل زد"؟

تدخل احتجاجات "جيل زد 212" في المغرب يومها الثامن على التوالي، وسط استمرار التعبئة الميدانية والرقمية. وأمام إعلان الحكومة المغربية استعدادها للحوار مع ممثلي الحراك، دفعت الحركة بقائمة مطالبٍ تصدّرها مطلبُ إقالة الحكومة الحالية برئاسة عزيز أخنوش، بسبب فشلها، بحسب بيان للحركة، في "حماية القدرة الشرائية للمغاربة وضمان العدالة الاجتماعية".

وأطلقت حركة "جيل زد 212" حراكها احتجاجًا على تردّي الخدمات الأساسية، ولا سيما في مجالي التعليم والصحة، مستفيدة من تطبيقات مثل "ديسكورد" و"تيك توك" للتعبئة وحشد الدعم وتنسيق التظاهرات.

وجاءت مبادرة حكومة عزيز أخنوش إلى الحوار عقب اندلاع أعمال عنفٍ أدّت إلى مقتل ثلاثة أشخاص الأربعاء الماضي. وفي المقابل، شدّدت حركة "جيل زد 212" على سلمية تحركاتها واستمرارها حتى تحقيق المطالب، داعيةً الشباب المغربي إلى التظاهر في 14 مدينة، ومؤكدةً في بيان على منصة "ديسكورد" ضرورة الالتزام بالأماكن المحددة والتحلي بالانضباط والمسؤولية حفاظًا على سلمية التحركات، كما دعت المشاركين إلى ارتداء ملابس سوداء "حدادًا على المصابين والضحايا" خلال أعمال العنف الأخيرة التي شهدتها عدة مدن جنوب البلاد.

ويبدو أنّ حكومة أخنوش ضاقت ذرعًا بهوية منظمي الحراك المجهولة، إذ طالبت، في بيانها الداعي إلى الحوار، بـ"نقل النقاش من العالم الافتراضي إلى حوار داخل المؤسسات".

ويرى مراقبون أنّ أحد عناصر قوة حركة "جيل زد 212" يكمن في طابعها الأفقي، إذ لا قيادة محددة لها ولا أسماء موقّعة على بياناتها، ما يمنحها مرونة تنظيمية وحماية من الملاحقة، ويعزّز انتشارها في أوساط الشباب.

يعاني نحو 13% من المغاربة من البطالة، فيما ترتفع النسبة بين الشباب إلى حوالي 36%، وبين خريجي الجامعات إلى 19% وفقًا للبيانات الرسمية

عزيز أخنوش: من عالم المال إلى عالم السياسة

قدّم عزيز أخنوش نفسه للمغاربة بوصفه نموذجًا لرجلٍ يجمع بين النجاح الاقتصادي والسياسي. وبالنظر إلى مسيرته اللامعة في عالم الأعمال، توقّع كثيرون أن يحقّق نجاحًا مماثلًا في المجال الحكومي والخدمي. غير أنّ حصيلة أربع سنوات من رئاسته الحكومة المغربية جاءت مخيّبة للآمال، بعدما ظلّت البطالة مرتفعة، والخدمات في قطاعات الصحة والنقل والسكن والتعليم دون تحسّن يُذكر. بل إنّ المحتجّين اليوم يؤكدون أنّ تلك الخدمات تدهورت أكثر بسبب انشغال الحكومة بالتحضيرات لاستضافة كأس العالم، وهو ما أشعل فتيل حركة احتجاجية قد تضع نهاية لمسيرته السياسية.

تمكّن أخنوش، البالغ من العمر 64 عامًا، من الانتقال من قيادة إحدى كبريات المجموعات الاقتصادية إلى رئاسة الحكومة بعد فوز حزبه "التجمع الوطني للأحرار" في انتخابات عام 2021، حيث حصل على 102 مقعدٍ برلماني، موجهًا ضربة قاسية لحزب العدالة والتنمية. وبتصدّر الحزب نتائج الانتخابات، كلّفه الملك محمد السادس بتشكيل الحكومة الجديدة.

ينحدر أخنوش من منطقة سوس جنوب المغرب، المعروفة بتقاليدها التجارية. وبعد حصوله على شهادة في إنشاء وتسيير الشركات من جامعة شيربروك الكندية، دخل عالم المقاولات مؤسسًا عددًا من الشركات في قطاعات اقتصادية متعدّدة، إلى جانب تولّيه إدارة مجموعة “أكوا”العائلية. وتُعدّ المجموعة من أكبر الفاعلين في السوق المغربية، إذ تستحوذ على 40% من سوق المحروقات، و45% من سوق غاز البوتان، و62% من سوق الغاز النفطي المسال، وفقًا لوسائل إعلام مغربية. وقد منحه ذلك لقب "إمبراطور المحروقات".

ويُقدَّر صافي ثروة أخنوش حاليًا بأكثر من 1.5 مليار دولار، ما جعله ضمن قائمة أثرياء العرب لعام 2025 بحسب مجلة "فوربس"، حيث حلّ في المرتبة السابعة والعشرين.

البحث عن النجاح السياسي

لم يكتفِ أخنوش بالنجاح في عالم الأعمال، فقرّر أن يخوض غمار السياسة ليُراكم نجاحًا إضافيًا يعزّز مكانته الاقتصادية في المغرب. وكانت البداية بتولّيه عام 2003 رئاسة مجلس جهة سوس ماسة درعة حتى عام 2007، وهو العام نفسه الذي جرى فيه تعيينه وزيرًا للفلاحة والصيد البحري، وهو منصب احتفظ به في عدة تشكيلات حكومية، وضمّ إليه لاحقًا قطاع التنمية القروية والمياه والغابات. وكان من أبرز المشاريع التي قادها أخنوش مشروع المغرب الأخضر الهادف إلى عصرنة الزراعة المغربية.

وفي نهاية تشرين الأول/أكتوبر 2016، تسنّت لأخنوش فرصة رئاسة مشروع سياسي هو حزب التجمع الوطني للأحرار، الذي نجح في ضخ دماء جديدة فيه وتجديد هياكله. وأعلن عن برنامج طموح حظي بزخم جماهيري واسع بعنوان 100 مدينة، 100 يوم. وقد استطاع الحزب كسب رهان أهم استحقاق انتخابي مغربي، إذ تصدّر الانتخابات البرلمانية بفارق كبير عن أقرب منافسيه، ليشكّل حكومته في أيلول/سبتمبر 2021.

غير أنّ الظروف لم تلعب لصالح أخنوش كثيرًا، إذ واجه تحدّي جائحة كورونا وما خلّفته من أضرار اقتصادية، ثمّ جاءت موجة الجفاف التي أضرّت بقطاع الفلاحة المغربي، فضلًا عن تقلبات الأسواق الدولية. وقد انعكس ذلك على مؤشرات الاقتصاد، حيث حافظت معدلات البطالة على ارتفاعها، لا سيما بين حملة الشهادات. فبحسب بيانات المندوبية السامية للتخطيط، يعاني نحو 13% من المغاربة من البطالة، فيما ترتفع النسبة بين الشباب إلى حوالي 36%، وبين خريجي الجامعات إلى 19%.

وهكذا، تراجعت الثقة الشعبية تدريجيًا في رؤيته للمغرب 2035. ورغم تبنّي حكومته سياسة تعميم التغطية الصحية، فإنّ الاحتجاجات الأخيرة كشفت عن عمق الفجوة بين ما هو مأمول وما هو قائم. فهل يستمرّ أخنوش في منصبه؟ وهل ينجح حزبُه في الاستحقاقات التشريعية المقبلة التي باتت على الأبواب؟