1. سياسة
  2. سياق متصل

نافذة ضيّقة تلوح في الأفق: هل تمهّد موافقة حماس على خطة ترامب لوقف الحرب على غزة؟

4 أكتوبر 2025
مخيم للنازحين
امرأة فلسطينية تجلس أمام مخيم للنازحين في خانيونس جنوب قطاع غزة (Getty)
محسن القيشاوي محسن القيشاوي

في خطوة وُصفت بأنها نقطة تحوّل غير مسبوقة في مسار الحرب على قطاع غزة، أعطت حركة حماس موقفًا إيجابيًا من الخطة التي طرحها الرئيس الأميركي دونالد ترامب لوقف إطلاق النار، مؤكدة استعدادها للدخول في مفاوضات عبر وسطاء لمناقشة تفاصيل الخطة وبنودها التنفيذية.

وقد رحّب ترامب بما وصفه بـ"الرد الإيجابي" من جانب الحركة، داعيًا إسرائيل إلى "التوقّف الفوري عن قصف غزة" من أجل الشروع في تطبيق المرحلة الأولى من خطته، التي تتضمن تبادلًا شاملًا للأسرى ووقفًا تدريجيًا للعمليات العسكرية.

قبول مشروط ودعوة للتفاوض

قالت حماس في ردها إنها تقبل بصيغة تبادل الأسرى وفق البند الواردة في الخطة الأميركية، والذي يشمل الإفراج عن جميع المحتجزين الإسرائيليين، سواء كانوا أحياءً أو جثامين. كما جددت الموافقة على تسليم إدارة قطاع غزة لهيئة فلسطينية من المستقلين (تكنوقراط) بناءً على التوافق الوطني الفلسطيني واستنادًا للدعم العربي والإسلامي.  وأحالت الحركة مناقشة البنود المتعلقة بمستقبل قطاع غزة وحقوق الشعب الفلسطيني إلى التوصل لتوافق وإجماع فلسطيني.

فيما لم تتطرق لمسألة نزع السلاح، الذي يُعد أحد أكثر أجزاء المبادرة حساسية، مكتفية بالقول إنّ "كل ما يمسّ الأمن الوطني الفلسطيني يجب أن يُناقش ضمن إطار وطني شامل". وأكدت الحركة استعدادها "لدخول مفاوضات عبر الوسطاء خلال أيام قليلة".

قالت حماس في ردها إنها تقبل بصيغة تبادل الأسرى وفق البند الواردة في الخطة الأميركية، والذي يشمل الإفراج عن جميع المحتجزين الإسرائيليين، سواء كانوا أحياءً أو جثامين

فيما ذكرت مصادر مطلعة للصحافة الأميركية إنّ الرد جاء بعد مشاورات داخلية بين الجناحين السياسي والعسكري للحركة، وأكدت أن الموقف الحالي يمثّل "إجماعًا على اختبار جدّية الإدارة الأميركية في فرض وقف حقيقي لإطلاق النار".

ترامب: "أعتقد أن حماس مستعدة لسلام دائم"

في أول تعليق له على موقف حركة حماس، قال الرئيس الأميركي دونالد ترامب: "أعتقد أن حماس مستعدة لسلام دائم، وعلى إسرائيل أن توقف قصف غزة فورًا لنعطي هذه الفرصة التاريخية فرصة للنجاح".

وأضاف ترامب أن واشنطن ستعمل بالتنسيق مع القاهرة والدوحة والأمم المتحدة لضمان التنفيذ "بشكل سريع ومنضبط"، مشيرًا إلى أن مبادرته تتضمن خطة تبادل أسرى وإعادة إعمار بتمويل دولي واسع.

وبحسب وكالة "أسوشييتد برس"، اعتبر البيت الأبيض أن رد حماس "يفتح الباب أمام إنهاء أكثر الحروب دموية في تاريخ القطاع"، لكنه حذّر في الوقت نفسه من أنّ "الطريق نحو التنفيذ مليء بالتعقيدات الميدانية والسياسية".

إسرائيل: استعداد حذر لتطبيق المرحلة الأولى

في تل أبيب، أعلن مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو فجر السبت أن إسرائيل "تستعد لتنفيذ المرحلة الأولى من خطة ترامب"، التي تقتصر على تبادل الأسرى ووقف العمليات الهجومية.

وجاء في البيان، الذي نقلته إذاعة جيش الاحتلال الإسرائيلي: "في ضوء رد حماس الإيجابي، وجّه رئيس الوزراء نتنياهو الجهات الأمنية للاستعداد لتطبيق فوري لخطة الرئيس ترامب المتعلقة بإطلاق سراح جميع المحتجزين".

من جانبه، أكد الجيش الإسرائيلي أن رئيس الأركان إيال زامير أصدر تعليمات برفع درجة الاستعداد وتنفيذ الإجراءات اللوجستية الخاصة بالمرحلة الأولى، مشيرًا إلى أن "العمليات في غزة ستُقلَّص إلى الحد الأدنى، مع الاقتصار على العمليات الدفاعية منها". فيما أعلن عن تجميد خطة احتلال مدينة غزة.

ونقلت صحيفة "هآرتس" عن مصادر في الجيش قولها إن المؤسسة العسكرية "تتعامل مع المبادرة الأميركية بجدّية"، لكنها لا تستبعد "احتمال انهيار الهدنة في حال وقوع أي خرق أمني أو ميداني من غزة".

استعدادات إسرائيلية أولية لمفاوضات تبادل الأسرى 

أفادت مصادر إعلامية أن إسرائيل بدأت استعدادات ميدانية وسياسية متسارعة تمهيدًا لجولة مفاوضات جديدة. وكشفت وسائل إعلام عبرية عن تحركات داخل الأجهزة الأمنية لوضع قائمة الأسرى الذين قد تشملهم صفقة تبادل وفق خطة ترامب، بالتوازي مع استعدادات لوجستية لانسحاب جزئي من القطاع في حال دخول الاتفاق حيّز التنفيذ.

وفي هذا السياق، قالت القناة 12 الإسرائيلية إن أجهزة الأمن بدأت الاستعداد لمفاوضات متسارعة مع حركة حماس، مشيرةً إلى أن جهات أمنية إسرائيلية تعمل على بلورة قائمة الأسرى الذين سيتم الإفراج عنهم في إطار صفقة تبادل متوقعة وفق خطة الرئيس الأميركي دونالد ترامب.

وذكرت هيئة "البث الرسمية" الإسرائيلية أن فريق التفاوض تلقّى توجيهات بالاستعداد لإرسال بعثة تفاوضية، من دون تحديد موعد أو ساعة محددة حتى الآن، وسط ترجيحات بأن تشمل المحادثات أطرافًا أميركية إلى جانب الوسيطين القطري والمصري. 

وبحسب المصادر ذاتها، يعمل فريق مشترك من جهازي "الشاباك" و"الموساد" والجيش الإسرائيلي على إعداد قائمة أولية بأسماء الأسرى الفلسطينيين الذين يمكن الإفراج عنهم من وجهة النظر الأمنية الإسرائيلية، في حين تنص مبادرة ترامب على إطلاق سراح نحو 250 أسيرًا محكومًا بالمؤبد، وهو ما سيُبقي في السجون "بضع عشرات فقط" من ذوي الأحكام العالية.

في المقابل، تُعِدّ فرق مهنية في الجيش الإسرائيلي خرائط دقيقة لعمليات الانسحاب التدريجي من غزة، استنادًا إلى البنود الأمنية في خطة ترامب، والمتوقع عرضها خلال المفاوضات المرتقبة.

وبحسب قناة "i24News" العبرية، فإن هيئات مختلفة في منظومة الأمن الإسرائيلي بدأت استعدادات أولية لعملية استعادة الأسرى، استنادًا إلى الدروس المستخلصة من صفقات سابقة، بحيث يتم تنفيذ عملية الإفراج "في وقت قصير، لكن ليس فوريًا".

وأشار مسؤولون مطّلعون إلى أن بعثة تفاوضية إسرائيلية ستغادر قريبًا لإغلاق التفاصيل النهائية، فيما تتولى الأجهزة الأمنية نقل التفاصيل المتعلقة بعملية الإفراج والضمانات الميدانية المرافقة لها.

من جانبه، طالب منتدى عائلات المحتجزين الإسرائيليين، نتنياهو بالدخول في مفاوضات فعّآلة وسريعة. وجاء في بيان صادر عن المنتدى: أنه "يدعم تصميم الرئيس ترامب على إعادة جميع المختطفين وإنهاء الحرب. مطلب الرئيس بوقف الحرب فورًا هو أمر ضروري، إذ إنه سيمنع ضررًا جسيمًا ولا رجعة فيه بحق المختطفين. نحن نناشد رئيس الحكومة أن يأمر فورًا ببدء مفاوضات فعّالة وسريعة لإعادة جميع مختطفينا".

ترحيب إقليمي ودولي وتفاؤل حذر

لاقى موقف حركة حماس ترحيبًا واسعًا في الأوساط الإقليمية والدولية. فقد أعلنت قطر دعمها الكامل للمبادرة الأميركية، مؤكدة استعدادها للمشاركة في "رعاية مفاوضات التنفيذ وتقديم ضمانات مالية لإعادة الإعمار".

أما مصر، فقد رحّبت على لسان وزير خارجيتها بالموقف الجديد لحماس، لكنها شدّدت على أنّ "وقف الحرب يجب أن يترافق مع التزامات واضحة بنزع السلاح ومنع تجدد العنف".

وفي أوروبا، دعت الاتحاد الأوروبي إلى تسريع المفاوضات الجارية عبر الوساطة القطرية والمصرية، مشيرًا إلى أن "الفرصة الحالية لا يجب أن تُهدر كما حدث في محاولات سابقة". 

من جهتها، وصفت صحيفة "واشنطن بوست" الموقف بأنه "تحوّل سياسي كبير لدى الحركة"، مشيرة إلى أن قبولها ببنود المبادرة الأميركية "يعكس إدراكًا متزايدًا لحجم الكارثة الإنسانية التي يعيشها القطاع، ورغبة في الخروج من حالة الحصار والعزلة السياسية".

ما بين الهدنة الدائمة والتعثر المحتمل

يرى مراقبون أن الرد الإيجابي من حركة حماس على خطة الرئيس الأميركي دونالد ترامب يشكّل تحولًا تكتيكيًا أكثر منه استراتيجيًا. فالموافقة المشروطة تمنحها، فرصة للظهور كطرف منفتح على الحلول السياسية.

في المقابل، فإنّ الموقف الإسرائيلي وإن بدا منفتحًا على الخطة الأميركية، يظلّ مشروطًا بـ"ضمانات أمنية صارمة" تتعلق بآليات الرقابة على تنفيذ الاتفاق ووقف إطلاق النار. وتُظهر تصريحات مسؤولين إسرائيليين – نقلتها وسائل إعلام عبرية – أن الحكومة الإسرائيلية تتعامل بحذر مع المقترح الأميركي، رغم ترحيبها العلني. فقد كشفت القناة 12 أن إسرائيل كانت تخطط لاستمرار المفاوضات تحت النار لكن حدث عكس ذلك.

رغم الترحاب الحذر الذي قوبلت به المبادرة، إلا أن التحدي الحقيقي يكمن في التنفيذ، لا في التصريحات

وفي السياق ذاته، تشير تقديرات دبلوماسية، إلى أن نجاح خطة ترامب يتوقف على ثلاثة عوامل أساسية مترابطة: أولها، التزام إسرائيل بوقف شامل لإطلاق النار يخلق مناخًا مناسبًا لاستئناف المفاوضات السياسية. 

ثانيها، قدرة حركة حماس على ضبط الفصائل المسلحة الأخرى في القطاع ومنع أي تصعيد ميداني قد يُفشل الجهود الجارية. وفي هذا الإطار، قالت حركة الجهاد الإسلامي إن الرد الذي قدّمته حركة حماس على خطة الرئيس الأميركي دونالد ترامب لوقف الحرب في غزة "يعبّر عن موقف وطني موحّد لقوى المقاومة الفلسطينية". 

وأوضحت الحركة في بيان لها أنها شاركت بمسؤولية في المشاورات الداخلية التي سبقت اتخاذ القرار، مؤكدة أن الموقف الصادر يعكس إجماع فصائل المقاومة على التعاطي الإيجابي مع أي مبادرة تضمن وقف العدوان ورفع الحصار عن القطاع، من دون المساس بـ"ثوابت الشعب الفلسطيني وحقوقه الوطنية".

أما العامل الثالث، فيتمثل في تحرك فاعل من الوسطاء الإقليميين، وعلى رأسهم قطر ومصر، لتقريب وجهات النظر وضمان عدم تكرار إخفاق المحاولات السابقة التي اصطدمت بتعقيدات ميدانية وانعدام الثقة بين الطرفين.

وبينما يتحدث بعض المحللين عن "نافذة سلام ضيقة" قد تشكل فرصة نادرة لوقف الحرب، يحذّر آخرون من أن أي خرق ميداني بسيط أو تصعيد مفاجئ في غزة قد يعيد الأوضاع إلى نقطة الصفر، خصوصًا في غياب آلية دولية فعالة لمراقبة التنفيذ وضمان الالتزام المتبادل بين الطرفين.

اختبار النيات في الميدان

رغم الترحاب الحذر الذي قوبلت به المبادرة، إلا أن التحدي الحقيقي يكمن في التنفيذ، لا في التصريحات. فحماس تحاول التكيّف مع ميزان قوى ضاغط دون أن تخسر موقعها السياسي، وإسرائيل تسعى إلى إنهاء حرب استنزاف طويلة لكن بتنفيذ شروطها لإنهاء الحرب، أما واشنطن فترى في هذه المبادرة فرصة لإعادة تعريف دورها كوسيط سلام في المنطقة.

الأسابيع القادمة ستكون حاسمة، إذ ستكشف ما إذا كانت غزة تتجه نحو هدنة طويلة الأمد تفتح الطريق لإنهاء الحرب وإعادة الإعمار أم إلى جولة جديدة من التصعيد العسكري.

وبين التفاؤل الأميركي والحذر الإسرائيلي وموقف حماس الإيجابي، يبقى المدنيون في غزة الطرف الأكثر انتظارًا لإنهاء الحرب يتجاوز البيانات والوعود المقدمة.

كلمات مفتاحية
قوات الدعم السريع

الحرب في السودان: هل تلوح مؤشرات لوقف التصعيد؟

يبدو الوضع في السودان متأرجحًا بين خيار التصعيد أو الهدنة الإنسانية المقترحة من قبل الآلية الرباعية الدولية

حي الشيخ رضوان

تصعيد إسرائيلي مزدوج: حصار خانق على غزة واعتداءات مستمرة في الضفة الغربية

واصلت قوات الاحتلال الإسرائيلي فجر السبت شنّ غاراتها الجوية على قطاع غزة، في خرق جديد لاتفاق وقف إطلاق النار، بالتزامن مع تصاعد الاعتداءات في الضفة

الدمار في غزة

غزة بعد الهدنة: الفلسطينيون بحاجة إلى مستقبل لا مجرد مساعدات

ما المستقبل الذي ينتظر الفلسطينيين في غزة؟

قوات الدعم السريع
سياق متصل

الحرب في السودان: هل تلوح مؤشرات لوقف التصعيد؟

يبدو الوضع في السودان متأرجحًا بين خيار التصعيد أو الهدنة الإنسانية المقترحة من قبل الآلية الرباعية الدولية

الأفراح في اليمن (شبكات التواصل الاجتماعي)
فنون

الفن في زمن الحرب: الأعراس تعيد رسم خريطة الغناء اليمني

الأفراح والغناء اليمني

مهرجان اندي تشينا - Getty
نشرة ثقافية

الرقابة الصين تتسبب في إلغاء مهرجان سينمائي مستقل في نيويورك

الرقابة في الصين والمهرجانات الفنية

حي الشيخ رضوان
سياق متصل

تصعيد إسرائيلي مزدوج: حصار خانق على غزة واعتداءات مستمرة في الضفة الغربية

واصلت قوات الاحتلال الإسرائيلي فجر السبت شنّ غاراتها الجوية على قطاع غزة، في خرق جديد لاتفاق وقف إطلاق النار، بالتزامن مع تصاعد الاعتداءات في الضفة