02-يناير-2025
وزارة التربية

طلاب سوريون يتوجهون إلى مدارسهم (فيسبوك)

موجة جديدة من الانتقادات طالت الحكومة الانتقالية التي تدير شؤون سوريا منذ الإطاحة بنظام الرئيس المخلوع، بشار الأسد. والانتقادات الموجهة حديثًا من قبل الشارع السوري طالت هذه المرة وزارة التربية والتعليم، وسببها التعديلات التي على مناهج التعليم الأساسي من الصف الأول حتى الصف الثالث الثانوي، والتي شملت جزءًا هامًا من تاريخ الحضارة السورية، بالإضافة إلى شخصيات كان لها الأثر في كتابة تاريخ سوريا المعاصر.

وعلى الرغم من تأييد الشارع السوري لحذف الإشارات والمواد المرتبطة بتصريحات الرئيس المخلوع، والنظام السابق بشكل عام، إلا أن الانتقادات طالت حذف مجموعة من الإشارات المرتبطة بتاريخ سوريا منذ آلاف السنين، كما الحال مع ملكة تدمر زنوبيا، أو خولة بنت الأزور، بوصفها شخصيات خيالية. كما أن معظم التعديلات جاءت أيديولوجية أكثر منها تصحيحات تعكس توجهات حكومة تصريف الأعمال التي تقود المرحلة الجديدة في سوريا.

ومن الملاحظ أن هذه التعديلات غير قانونية، وذلك مرتبط بتعطيل العمل بالدستور السوري لعام 2012، ويتجاوز صلاحية حكومة تصريف الأعمال التي كان الهدف منها إدارة المرحلة الانتقالية، وتسيير شؤون الخدمات الأساسية منعًا لتعطيل مصالح المواطنين، وهو ما أكده قائد إدارة العمليات العسكرية، أحمد الشرع، في أكثر من تصريح، وهو السبب الأساسي الذي أثار موجة الانتقادات، نظرًا لأن تعديل المناهج الدراسية ليس من اختصاص وزارة التربية والتعليم التي تقتصر مهمتها على تسيير شؤون الوزارة فقط.

على الرغم من تأييد الشارع السوري لحذف الإشارات والمواد المرتبطة بتصريحات الرئيس المخلوع، والنظام السابق بشكل عام، إلا أن الانتقادات طالت حذف مجموعة من الإشارات المرتبطة بتاريخ سوريا منذ آلاف السنين

وبعد موجة الاننتقادات التي طالت عملية تغيير المناهج، أكد وزير التربية والتعليم، نذير القادري، في تصريحات صحفية، اليوم الخميس، أن "المناهج الدراسية في جميع مدارس سوريا ما زالت على وضعها حتى تُشَكِّل لجان اختصاصية لمراجعة المناهج وتدقيقها"، لافتًا إلى أنه سيتم "حذف ما يتعلق بما يمجد نظام الأسد البائد واعتمدنا صور علم الثورة السورية بدل علم النظام البائد في جميع الكتب المدرسية"، موضحًا أن "ما تم الإعلان عنه هو تعديل لبعض المعلومات المغلوطة التي اعتمدها نظام الأسد البائد في منهاج مادة التربية الإسلامية".

لكن بحسب ما رصد فريق شبكة "الترا صوت"، فإن تصريح القادري يتناقض مع نوعية التعديلات التي تجاوزت مادة التربية الإسلامية، لتشمل اللغة العربية والتاريخ، وغيرها من المناهج التعليمية، كما الحال مع فقرة حذف فقرة إعدام قادة الحركة الوطنية في سوريا في السادس من أيار/مايو 1916، والذين كان لهم دور كبير في التمهيد لبناء الدولة الوطنية السورية التي تشكّلت ملامحها مع انهيار الخلافة العثمانية، وأسست لمرحلة طويلة من النضال ضد الاستعمار الفرنسي.

وعلى هذا الأساس كتبت، مايا الرحبي، عبر صفحتها على منصة "فيسبوك" مؤكدة أن "التعليم هو حجر الأساس لبناء جيل سوريا المستقبل، تغيير المناهج الدراسية يتطلب خبراء في المجالات كافة، ولدينا من المفكرين والعلماء السوريين نساءً ورجالًا ما يكفي ويزيد في مجالات العلوم التطبيقية والإنسانية، لتشكيل لجان متخصصة في كل مجال للإشراف على تغيير المناهج لتكون مناسبة لإنشاء جيل يواكب تطورات العصر وينهض بسوريا المستقبل، هذه مهمة جليلة لا يجوز القيام بها اعتباطيًا".

من جانبه، وصف الإعلامي، عابد ملحم،  اختصار التعديلات على المناهج بإزالة اسم الملكة التدمرية زنوبيا بـ"تدليس يراد به تقزيم المشكلة (المصيبة) الحاصلة في هذا التعديل"، مرفقًا مجموعة من التعديلات المطلوب حدفها، والتي جاءت في سياق "كل ما يتعلق بالاستعمار الفرنسي ومحاربته وخاصة من قبل الثائرات السوريات (نازك العابد مثال)، وأيضًا حذف جول جمال وإبراهيم هنانو وأبو خليل القباني"، لافتًا إيضًا إلى أن عملية الحذف شملت "الفنون بأشكالها أينما وردت (مثال حذف فقرة النحت في كتاب اللغة الإنكليزية)، وحذف نصوص شعرية بكاملها لأنه تتحدث عن الاستبداد (كصفي الدين الحلي وعبد الرحمن الكواكبي) وغيرها الكثير".

كما أكدت الكاتبة، ريم فليحان، على أن "حذف تمجيد النظام البائد وما يرتبط به مفهوم"، لكنها أضافت أن "حذف حقائق ووقائع تاريخية من نضال شعبنا، محطات من تاريخ الحضارات القديمة، عبارات كالقانون وسواها علوم كتطور الدماغ إلخ وتعديلات غير منطقية على كل المواد في المنهاج هي مؤشرات وخطوات وليست صدفه وفي هذا تكمن الخطورة".

في حين كتب الكاتب، راشد عيسى، في تدوينته: "المدافعون عن الإدارة الجديدة في سوريا يطلبون، مع كل انتقاد لها، التمهل وإعطاءها الفرصة والوقت، ولكن لتتمهل الإدارة نفسها، فتعديل المناهج لا يتم بسهرة وجرة قلم. أعطوا حالكم شوية وقت. المنهاج يتحمل الانتظار قليلًا. وفي بعض المسائل (النصوص المتعلقة بالنظام المخلوع وثقافته) كان بإمكان المعلمين التصرف".

أما الإعلامي، بهاء دبوس، فقد رأى أن "الفقرات المتعلقة بنظام الأسد يمكن تخطيها من قبل المدرسين من دون إجراء تعديلات واسعة على المنهاج، وإذا كان يوجد مواضيع أخرى تستحق المراجعة، فذلك حتمًا ليس من مهام حكومة تصريف أعمال"، وتابع مضيفًا أن "مشكلتنا مع نظام الأسد لم تكن بدستور ولا منهاج دراسي ولا قوانين، المشكلة كانت بعدم تطبيق الدستور والقانون، وحتى إن كان هناك ما يستدعي تعديلها ومراجعتها، فلا يكون خلال أيام، فكما الدستور يتطلب إعادة صياغته 3 سنوات، كذلك المناهج الدراسية لا يمكن أن يُبت فيها بأقل من شهر!".