بعد سيطرتها على العاصمة السورية دمشق، تفرض إدارة العمليات لفصائل المعارضة السورية، بقيادة أحمد الشرع، سلطتها على الدولة السورية بنفس الوتيرة السريعة التي أدت إلى سقوط نظام بشار الأسد، وفق ما تقول وكالة "رويترز" للأنباء.
فبعد أيام قليلة من سقوط الأسد، تسلّمت حكومة الإنقاذ الوطني، التي كانت تدير مناطق شمال غرب سوريا، مهام الحكومة السورية المؤقتة، وانتقل موظفوها إلى مقر الحكومة في دمشق، حيث نشرت أفراد الشرطة في العاصمة السورية وعقدت اجتماعات مع مبعوثين أجانب.
وبحسب الوكالة، يثير ذلك مخاوف بشأن ما إذا كان حكام دمشق الجدد سيلتزمون بعدم إقصاء أحد. وكان تعيين رئيس حكومة الإنقاذ الوطني، محمد البشير، رئيسًا للحكومة الانتقالية السورية، مؤشرًا على المكانة التي تحظى بها هيئة تحرير الشام باعتبارها الأقوى بين فصائل المعارضة السورية المسلحة التي قاتلت نظام الأسد لأكثر من 13 عامًا وأنهت حكمه.
عبّر معارضون عن قلقهم من الطريقة التي اتبعتها هيئة تحرير الشام في تشكيل الحكومة السورية المؤقتة، من خلال استقدام كبار الإداريين من إدلب
وتشير "رويترز" إلى أن هيئة تحرير الشام نجحت في طمأنة زعماء العشائر والمسؤولين المحليين والمواطنين السوريين العاديين، خلال زحفها نحو دمشق، بأنها ستحمي معتقدات الأقليات. وقد حظيت بدعم واسع النطاق، وساعدت هذه الرسالة في تسهيل تقدم مقاتلي إدارة العمليات لفصائل المعارضة السورية. ويكرر الشرع الرسالة نفسها منذ الإطاحة بالأسد.
وفي مكتب محافظ دمشق، حيث الجدران المزينة بشكل رائع بالخشب والزجاج الملون، قلّل مسؤول قادم من محافظة إدلب لتولي المسؤولية في دمشق من شأن المخاوف من أن سوريا تتجه نحو حكم إسلامي. ويتحدث محمد غزال، وهو مهندس مدني يبلغ من العمر 36 عامًا، لوكالة "رويترز" قائلًا: "لا يوجد شيء اسمه الحكم الإسلامي. في النهاية، نحن مسلمون ومؤسساتنا أو وزاراتنا مدنية"، ويضيف: "ليس لدينا أي مشكلة مع أي عرق أو دين. ومن صنع المشكلة هو النظام".
الحياة السياسية السورية تدخل في مرحلة جديدة بعد فرار بشار الأسد إلى روسيا، وانتشار مقاتلي فصائل المعارضة السورية في كافة المدن السورية.
اقرأ أكثر: https://t.co/FgEy5NmBhF pic.twitter.com/E5x9nOy4sA
— Ultra Sawt ألترا صوت (@UltraSawt) December 11, 2024
ومع ذلك، عبّر معارضون عن قلقهم من الطريقة التي اتبعتها هيئة تحرير الشام في تشكيل الحكومة السورية المؤقتة، من خلال استقدام كبار الإداريين من إدلب. وقالت أربعة مصادر من المعارضة وثلاثة دبلوماسيين إنهم "يشعرون بالقلق إزاء شمولية العملية حتى الآن".
ورغم أن رئيس الحكومة الانتقالية أكد أنه باقٍ في السلطة حتى آذار/مارس فقط، إلا أن هيئة تحرير الشام لم تفصح بعد عن التفاصيل الرئيسية للعملية الانتقالية، بما في ذلك تفكيرها في دستور جديد، وفق "رويترز".
وخلال لقائه مع صحيفة "كورييري ديلا سيرا" الإيطالية، أوضح محمد البشير أن أولويات حكومته هي استعادة الأمن وسلطة الدولة، وإعادة ملايين اللاجئين السوريين إلى ديارهم، وتوفير الخدمات الأساسية. وعندما سئل عما إذا كان الدستور السوري الجديد سيكون إسلاميًا، قال إن "هذه التفاصيل سيتم توضيحها خلال عملية صياغة الدستور".
من جهته، قال الأمين العام للحركة الوطنية السورية، زكريا ملاحفجي، الذي عمل في الماضي مستشارًا سياسيًا للمعارضين في حلب: "أنت تستقدم من لون واحد، ومن المفروض أن يكون هناك تشارك مع الآخرين… هذه الطريقة ليست صحيحة. من المفروض أن تأتي كل القوى العسكرية والسياسية إلى الطاولة وترتب وتضع حكومة انتقالية بالتشاور مع الآخرين. هذا يعطي دعمًا للحكومة"، وأضاف: "المجتمع السوري مجتمع متعدد الثقافات، وبصراحة هذا مقلق".
شأنه شأن آخرين من مسؤولي حكومة الإنقاذ السورية، التي كانت تدير إدلب وجرى نقلهم إلى دمشق لإدارة هيئات حكومية، كشف غزال أنهم قدّموا تطمينات للموظفين وحثوهم على العودة للعمل. وقال: "إنها دولة منهارة. خراب، خراب، خراب".
وبحسبه، تتركز أولويات الحكومة الانتقالية في الأشهر الثلاثة المقبلة على تشغيل الخدمات الأساسية وتبسيط البيروقراطية. كما ستتم زيادة الرواتب، التي يقدر متوسطها بنحو 25 دولارًا في الشهر، لتتماشى مع أجور حكومة الإنقاذ، الذي يبلغ الحد الأدنى لأجور موظفيها 100 دولار في الشهر. وردًا على سؤال حول كيفية تمويل هذه الخطط، قال غزال: "سوريا دولة غنية للغاية، لكن النظام اعتاد على سرقة الأموال".
وفي دمشق، يتولى رجال شرطة قدموا من إدلب تنظيم حركة المرور في محاولة لاستعادة جانب من الوضع الطبيعي، بعد أن أمرت هيئة تحرير الشام الفصائل المسلحة بالخروج من المدينة. وقال أحد المسؤولين الأمنيين، الذي لم يُذكر اسمه، لـ"رويترز": "إن العبء أصبح كبيرًا للغاية"، مشيرًا إلى أنهم كانوا في السابق يقومون بمهامهم في إدلب فقط.
📷تاريخ من القتل والتهجير.. 12 يوماً أنهت حكم عائلة الأسد في #سوريا⏬ pic.twitter.com/s2opX7QC2P
— Ultra Sawt ألترا صوت (@UltraSawt) December 9, 2024
تلفت "رويترز" إلى أنه، على الرغم من أن هيئة تحرير الشام هي أبرز الفصائل التي حاربت الأسد، فإن فصائل أخرى لا تزال مسلحة، خاصة في المناطق الواقعة على الحدود مع الأردن وتركيا. وخلال سنوات، كانت تقع صدامات كثيرة بين فصائل المعارضة، مما يترك تخوفًا من التنافسية والعداء ويُنظر إليه على أنه أحد المخاطر العديدة التي تهدد الاستقرار في سوريا ما بعد الأسد.
من جهة أخرى، أوضح الزميل الأول بمركز "كارنيغي" للشرق الأوسط، يزيد صايغ، أن "هيئة تحرير الشام تسعى إلى الحفاظ على الزخم على جميع المستويات"، لافتًا إلى أن أي "مجموعة في موقعها، وتتولى السلطة من نظام منهار في بلد منهك، ستتصرف بشكل عام بنفس الطريقة".
وحذّر من أن "هناك مخاطر متعددة تكمن في تحديد هيئة تحرير الشام للأولويات ووتيرة ما سيأتي بعد ذلك". وأحد هذه المخاطر هو "إنشاء شكل جديد من الحكم الاستبدادي، هذه المرة في ثوب إسلامي".
لكن، بالمقابل، يذكر صايغ أن تقديراته تشير إلى أن "تنوع المعارضة والمجتمع في سوريا من شأنه أن يجعل من الصعب على مجموعة واحدة احتكار النفوذ". مشيرًا إلى أن تركيا، الداعم المؤثر لدى المعارضة، حريصة أيضًا على أن تكون هناك حكومة قادرة على الفوز بالدعم الدولي.
هذا، وتحدث مصدر في المعارضة، مطلع على مشاورات مع هيئة تحرير الشام، لـ"رويترز"، عن أن جميع الطوائف السورية سيكون لها تمثيل في الحكومة الانتقالية. وأوضح المصدر أن من الأمور التي سيتم تحديدها خلال الأشهر الثلاثة المقبلة ما إذا كان ينبغي أن يكون نظام الحكم في سوريا رئاسيًا أم برلمانيًا.
من جهته، شدد الناشط السوري المقيم في واشنطن، محمد علاء غانم، على أن "هيئة تحرير الشام مطالبة بأن تتحلى بالذكاء وأن تنفذ الانتقال بشكل صحيح، لا أن يتملكها الغرور وتهيمن بشكل كامل على الحكومة الجديدة".
هذا، وكشف دبلوماسي في دمشق، أن "هيئة تحرير الشام هي الفصيل الوحيد الذي يجتمع مع البعثات الأجنبية". وأضاف: "نحن قلقون، أين كل قادة المعارضة السياسية؟ سيكون وجودهم هنا بمثابة إشارة رئيسية، لكنهم ليسوا هنا".
أوضح الزميل الأول بمركز "كارنيغي" للشرق الأوسط، يزيد صايغ، أن "هيئة تحرير الشام تسعى إلى الحفاظ على الزخم على جميع المستويات"
وذكر دبلوماسي ثانٍ أن "هيئة تحرير الشام نقلت رسائل جيدة إلى الجمهور، لكن النطاق الذي كشفته الأيام الماضية لمدى تضمين الجميع في هذه المرحلة جاء مثيرًا للانزعاج. ويجب أن يكون تعديل الدستور، على وجه الخصوص، عملية شاملة وسيكون اختبارًا كبيرًا حقًا".
ولفت الدبلوماسي إلى أن "وجود العديد من الفصائل الأخرى التي لم تتخلَّ عن سلاحها أو تسرّح عناصرها يمثل عاملًا مزعزعًا للاستقرار إذا لم تكن العملية شاملة".
وقال الخبير في الشؤون السورية، ورئيس مركز دراسات الشرق الأوسط في جامعة أوكلاهوما، جوشوا لانديس: "إن الشرع يجب أن يرسخ سلطته بسرعة لمنع الانزلاق إلى فوضى… لكن عليه أيضًا أن يسعى لتدعيم قدرته الإدارية من خلال إشراك تكنوقراط وممثلين من مختلف الأطياف".