28-أبريل-2025
أزمة أرز في اليابان

صاحب مطعم ياباني يفرغ كيس أرز أميركي في قدر للطهي (رويترز)

تواجه اليابان أزمة حادة في سوق الأرز، مع استمرار ارتفاع الأسعار ونقص الإمدادات المحلية، في ظل تقلص الإنتاج وزيادة الاستهلاك، وسط محاولات حكومية محدودة للسيطرة على الوضع عبر السحب من المخزون الاحتياطي وزيادة الواردات، رغم تسجيل الأرز أرقامًا قياسية عالميًا في عام 2025 على صعيدي الاستهلاك والتجارة.

وفي بلد يشكل فيه الأرز جزءًا أساسيًا من المطبخ والثقافة الشعبية، أدى تزايد الطلب إلى اتساع الفجوة بين العرض والاستهلاك، مما تسبب في موجة ارتفاع حادة بالأسعار. ويُعد الأرز عنصرًا محوريًا في الحياة اليومية إلى درجة أن كلمة "وجبة" في اللغة اليابانية تعني أيضًا "أرز مطبوخ".

أزمة العرض والطلب

وبحسب تقرير لصحيفة "واشنطن بوست" الأميركية، فإنه مع هذا الارتباط العميق، بدأت تداعيات النقص تظهر بوضوح، حيث لجأت الحكومة إلى سحب الأرز من المخزون الطارئ، وازدادت عمليات الاستيراد. وقد انعكس هذا الأمر على المطاعم التي رفعت أسعار وجباتها ، كما انها لم تعد تقدم إعادة تعبئة مجانية. وبينما فرضت المتاجر قيودًا على مبيعات الأرز، فإن السائحين اليابانيين بدأوا بشراء الأرز أثناء رحلاتهم إلى الدول الآسيوية الأخرى.

تواجه اليابان أزمة حادة في سوق الأرز مع استمرار ارتفاع الأسعار ونقص الإمدادات المحلية، حيثُ تفاقمت الضغوط بفعل تقلص الإنتاج وزيادة الاستهلاك، وسط محاولات حكومية محدودة للسيطرة على هذه الأزمة

وتشير التقارير إلى تسجيل متوسط سعر كيس أرز بوزن خمسة كغ حوالي 30 دولارًا في الأسبوع الثاني من نيسان/أبريل الجاري، أي أكثر من ضعف سعره مقارنة بالعام الماضي، وفقًا لوزارة الزراعة اليابانية. كما تم تسجيل ارتفاعًا متسارعًا في واردات الأرز، إذ تجاوزت الكميات المستوردة في شباط/فبراير الماضي فقط 551 طنًا، متخطية إجمالي واردات السنة المالية 2023.

ولمواجهة أزمة العرض والطلب على الأرز، أعلنت التعاونية الزراعية الوطنية الكورية الجنوبية خططها لتصدير ما يصل إلى 24 طنًا من الأرز إلى اليابان بحلول أوائل حزيران/يونيو، وهي أكبر شحنة من نوعها منذ عام 1999، وفقًا لـ"واشنطن بوست". ورغم أن هذه الكمية ضئيلة مقارنة باستهلاك اليابان السنوي البالغ 7.8 ملايين طن، إلا أنها تعكس حجم أزمة الأرز التي تفاقمت بعد موجة الحر في صيف العام الماضي، مما أثّر على زراعة الأرز في البلاد.

وقد أدت مجموعة من العوامل إلى استنفاد مخزون الأرز في اليابان، إذ بالإضافة إلى ارتفاع درجات الحرارة القياسية، زاد الطلب على الأرز بفعل تدفق أعداد كبيرة من السياح بعد انحسار جائحة كوفيد-19، فضلًا عن لجوء اليابانيين إلى تخزين كميات كبيرة من الأرز إثر التحذيرات الحكومية من احتمال وقوع زلزال "مدمر" قبالة السواحل الجنوبية، وسط توقعات بأن تبلغ قوته 7.1 درجة على مقياس ريختر.

ارتفاع أسعار الأرز للأسبوع الـ16 على التوالي

وفقًا لوكالة "رويترز"، أعلنت وزارة الزراعة، اليوم الإثنين، عن ارتفاع أسعار الأرز في المتاجر اليابانية للأسبوع الـ16 على التوالي، حيثُ أظهرت البيانات أن الأسعار ارتفعت في الأسبوع المنتهي في 20 نيسان/أبريل الجاري بمقدار 3 ينات عن الأسبوع السابق، ليصل متوسط ​​سعر كيس أرز بوزن خمسة كغ إلى 4220 ينًا، ما يُعادل 29.38 دولارًا أميركيًا.

وكانت وزارة الزراعة قد اتخذت خطوة استثنائية في آذار/مارس الماضي، وذلك عندما لجأت إلى سحب الأرز من المخزون الطارئ، وهو إجراء يُعتمد عادة فقط في حالات الكوارث الطبيعية، حيث سحبت أكثر من 231 ألف طن لتخفيف الضغط على السوق، فيما يُحتفظ عادة بنحو 1.1 مليون طن ضمن هذا المخزون. كما طرحت الوزارة هذا الشهر 110 آلاف طن إضافية في مزاد، مع خطط للاستمرار بالإفراج التدريجي حتى الصيف، وفقًا لصحيفة "الغارديان" البريطانية.

ومن بين الحلول التي اتخذتها اليابان للحد من ارتفاع أسعار الأرز المحلي، كان اللجوء إلى الاستيراد من كوريا الجنوبية، وذلك على الرغم من الرسوم الجمركية الباهظة المفروضة على الواردات، إلا أنها تبقى أرخص بالنسبة للمستهلك الياباني. ومع ذلك، لم تؤثر هذه الإجراءات بشكل كبير على المستهلكين الذين لا يزالون يواجهون أسعارًا مرتفعة للغاية.

يؤكد أستاذ التجارة الزراعية في جامعة سول الوطنية، هان هو كيم، في حديث لصحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية، أن ارتفاع الأسعار كان العامل الرئيسي الذي دفع اليابانيين لشراء الأرز الكوري، رغم تفضيلهم التقليدي للأرز المحلي. ويُعرض الأرز الكوري في الأسواق بسعر يقل بنحو 25% عن الأرز الياباني، وسط توقعات بانخفاض الأسعار خلال شهرين مع استمرار توزيع احتياطات الأرز الحكومية.

فشل في السياسات الحكومية

يرى بعض الخبراء أن السياسات الحكومية أسهمت في تفاقم نقص الأرز، إذ تضع الحكومة أهدافًا للإنتاج تراعي تراجع الاستهلاك الناتج عن تقلص عدد السكان. وفي إطار هذه السياسة، شجعت السلطات المزارعين منذ سنوات على التحول إلى زراعة محاصيل بديلة عبر تقديم إعانات مالية، مما أدى تدريجيًا إلى تقليص المساحات المزروعة بالأرز، وفقًا لـ"واشنطن بوست".

وضمن هذا السياق، يوضح أستاذ الاقتصاد الزراعي بجامعة طوكيو، نوبوهيرو سوزوكي، أن السبب الرئيسي لأزمة الأزر يتمثّل فيما يطلق عليه "فشل في السياسات"، مشيرًا إلى أن ذلك يرجع إلى "خفض الإنتاج بشكل مفرط وترك المزارعين غير قادرين أو غير راغبين في زراعة الأرز، دون اتخاذ أي إجراء حيال ذلك"، وتابع مضيفًا: "لهذا السبب تفاقمت المشكلة إلى هذا الحد الكبير".

وحتى الآن، لا توجد خطة رسمية لزيادة الإنتاج المحلي مع بداية موسم الزراعة، حيثُ أكد متحدث باسم وزارة الزراعة أن الموقف الرسمي للحكومة اليابانية يقتصر على "إنتاج الكمية التي تفي بالطلب"، وفقًا للصحيفة الأميركية. كما أوضحت الوزارة سابقًا أن الإمدادات كافية، مشيرة إلى أن اختفاء الأرز من الأسواق يعود أساسًا إلى المضاربات وتخزين الموزعين.

مخزون الأرز يسجل أرقامًا قياسية على مستوى العالم

على الرغم من أزمة العرض والطلب التي تواجهها اليابان على مستوى استهلاك الأرز، فإن أرقام منظمة الأغذية والزراعة (الفاو) كانت إيجابية بالنسبة لزراعة الأرز على المستوى العالمي. فقد توقّعت المنظمة أن يتجاوز الإنتاج العالمي للأرز 538.9 مليون طن (على أساس الأرز المطحون) لعام 2024 - 2025، محققًا ارتفاعًا بنسبة 0.8% مقارنةً بموسم 2023 - 2024، رغم التحديات المناخية التي واجهتها بعض دول نصف الكرة الشمالي.

كما توقّعت "الفاو" أن يرتفع إجمالي استهلاك الأرز عالميًا بنسبة 1.8% خلال موسم 2024 - 2025، ليبلغ 535.8 مليون طن، مسجلًا بذلك رقمًا قياسيًا جديدًا، بعدما شهد الاستهلاك العالمي استقرارًا خلال الموسمين السابقين. وأشارت المنظمة إلى أن هذا الارتفاع يأتي مدفوعًا بتحسن الإمدادات وزيادة التوجه نحو استخدام الفائض في مجالات صناعية غير غذائية مثل إنتاج الإيثانول.

وتشير التقديرات إلى أن المخزونات العالمية للأرز قد ترتفع بنسبة 3.0% بنهاية موسم 2024 - 2025، لتصل إلى 205.4 ملايين طن، مما يرفع نسبة الاستهلاك العالمي للأرز إلى 37.9%، مقارنةً بنسبة 37.2% المسجلة في الموسم السابق. وبحسب "الفاو"، فإن هذا المستوى من المخزون يكفي لتغطية حوالي 4.6 أشهر من الاستهلاك العالمي المتوقع.

وقد أظهرت توقّعات "الفاو" أن تجارة الأرز على مستوى التجارة الدولية ستبلغ 54.9 مليون طن خلال عام 2025، بنسبة تزيد 5.9% عن العام الماضي. ووفقًا لـ"الفاو"، فإن نسبة نصيب الفرد من الاستهلاك العالمي للأرز ستصل إلى 53.2 كغ لعام 2025، مقارنة بـ52.8 للعام الماضي، فيما ستبلغ نسبة نصيب الفرد من استهلاك الأرز في الدول منخفضة الدخل، والتي تعتمد على استيراد الغذاء 28.3 لعام 2025، مقارنة بـ27.9 للعام الماضي.