22-نوفمبر-2024
جرائم الحرب في السودان

(Getty) شهادات مروعة ترويها النساء عن الانتهاكات الجنسية

سلّط صندوق الأمم المتحدة للسكان الضوء على الانتهاكات الجنسية التي تعرضت لها الفتيات في ولاية الجزيرة وسط السودان، منذ 20 تشرين الأول/أكتوبر المنصرم، واصفًا التقارير الواردة من هناك بـ"المروعة".

ففي أقل من شهر، أدى تصاعد الصراع في الجزيرة إلى مقتل أكثر من 100 شخص، بينهم عاملون صحيون، كما أجبر ما يقدر بنحو 340 ألف شخص على الفرار من منازلهم بحثًا عن ملجأ.

ومع تعرض ستة مرافق صحية على الأقل للهجوم، تعطلت الخدمات الأساسية بشدة، مما اضطر المرضى إلى الانتقال إلى مراكز صحية بديلة، رغم أن واحدًا فقط من كل أربعة مراكز يعمل حاليًا في ولاية الجزيرة.

كثفت قوات الدعم السريع هجماتها على ولاية الجزيرة بعد انشقاق قائدها في الولاية

كثّفت قوات الدعم السريع هجماتها على ولاية الجزيرة، عقب انشقاق قائد قواتها السابق في الولاية، أبو عاقلة كيكل، وانضمامه مع وحداته القتالية إلى الجيش السوداني.

تشير التقارير الصادرة عن وزارة الصحة بولاية الجزيرة إلى ارتكاب انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان أثناء تلك الهجمات، حيث تعرضت النساء والفتيات، من سن 6 إلى 60 عامًا، للاغتصاب والاعتداء الجنسي.

وأورد صندوق الأمم المتحدة للسكان شهادات صادمة عن مستوى العنف الجنسي ورحلات النزوح الطويلة التي استمرت أيّامًا مشيًا على الأقدام.

قالت بعض الفتيات والنساء اللاتي وصلن إلى القضارف إنهن "رأين نساءً يلقين بأنفسهن في النهر لتجنب تعرضهن للإساءة من قبل رجال مسلحين". وأوضحت مستشارة تابعة لصندوق الأمم المتحدة بالقضارف أن الناجيات من العنف الجنسي يهربن ويختبئن لأن أسرهن تدفعهن إلى الانتحار "لغسل العار"، وفق تعبيرها.

وأكدت المستشارة أن "عددًا من الفتيات زودهن إخوتهن وآباؤهن وأعمامهن بالسكاكين، وأمروهن بقتل أنفسهن إذا تعرضن للتهديد بالاغتصاب"، مضيفة أنهن "ينكرن ما حدث لهن أو يخشين الاتهام أو الاستهداف، خوفًا من فقدان حياتهن إذا كشفن عن تجاربهن".

وفي مخيم النازحين بولاية كسلا شرقي البلاد، نقلت ناجيات تحذيرات مؤلمة من عائلاتهن قبل مغادرتهن. إذ قيل لهن: "إذا رأينا مقاتلين مسلحين يأتون إلى القرية ويحاولون اغتصابك، فسوف نقتلك لحمايتك قبل أن يحدث ذلك".

هذا هو مستوى الوصم والضرر الذي يلحق بضحايا الاغتصاب - وأقاربهن - إلى درجة أن العديد منهن يلجأن إلى تدابير مدمّرة للتعامل مع الأمر. وأوضح مستشار في القضارف، لم يرغب في ذكر اسمه لأسباب أمنية، أن "الناجيات من العنف الجنسي يهربن ويختبئن لأن عائلاتهن هددت بإنهاء حياتهن لغسل العار".

بناءً على ذلك، تؤكد المنظمات الإنسانية أنها لا تستطيع الوصول إلى معظم "الناجيات"، لأنهن أولًا ينكرن ما حدث أو يخشين الاتهام أو الاستهداف. ثانيًا، يخشين فقدان حياتهن إذا كشفن عن تجاربهن.

حياة مشتتة ومقلوبة

وثّق صندوق الأمم المتحدة للسكان تقارير مثيرة للقلق عن أعمال نهب وتهديدات وهجمات واسعة النطاق على المنازل، مما أدى إلى نزوح جماعي وفجائي.

وفي هذا الصدد، ينقل الصندوق شهادة علياء، التي تعرضت عائلتها للهجوم في الجزيرة، مما أجبرها على الفرار سيرًا على الأقدام. قالت علياء: "لقد أخذوا منا كل شيء وغادرنا بلا شيء. ضربونا مثل الكلاب".

وأضافت: "لقد مشينا لمدة سبعة أيام تحت الشمس دون أي شيء نأكله. توفيت بعض النساء في الطريق - لم يكن هناك ماء للشرب، متن من العطش".

وعلياء، مثل عدد لا يحصى من النساء الأخريات اللواتي وقعن في دوامة العنف، أصبحت الآن، حسب صندوق الأمم المتحدة للسكان، الراعي الوحيد لأسرتها المشردة. وقالت: "لقد تركوا رجالنا في القرية. لا أعرف أين زوجي، ربما قتلوه. أقسم أنني لا أعرف ماذا حدث له".

وتابعت: "لدي ستة أطفال. نحن بحاجة إلى ملابس وأحذية وطعام وصابون. ليس لدينا أي شيء. لقد جاءوا إلى منزلنا وهددونا وحاولوا أخذ بناتي. أخبرتهم أن بناتي متزوجات، ثم طالبوني بالذهب والمال، لكنني أخبرتهم أنني لا أملك أي شيء. لذلك أخذوني وابنتي الكبرى وضربونا".

وأردفت: "إحدى بناتي تعاني من ضعف المناعة، وأخشى أن تموت من سوء التغذية". وتابعت: "أستخدم ملابسي الخاصة لتغطية طفلي حديث الولادة، الذي يبلغ من العمر أربعة أشهر فقط".

استجابة مرنة ولكن غير ممولة

قال صندوق الأمم المتحدة للسكان إنه قدّم، منذ تصاعد العنف في الجزيرة، أكثر من 1200 استشارة حول الصحة الجنسية والإنجابية من خلال خمسة فرق صحية متنقلة نُشرت في ولاية القضارف، بتمويل من حكومات كندا، وجمهورية كوريا، والسويد، والمملكة المتحدة، والولايات المتحدة.

وأشار الصندوق إلى أنه من المقرر إرسال فريق صحي إضافي إلى البطانة، بالإضافة إلى وحدة متنقلة للدعم الصحي والنفسي والاجتماعي إلى مستشفى الفاو، الذي جهزه الصندوق بإمدادات ما بعد الاغتصاب السريرية. كما تم تزويد مستشفيات حلفا الجديدة وخشم القربة في كسلا بهذه الإمدادات الأساسية.

وأضاف الصندوق أنه "يدعم حاليًا 49 مكانًا آمنًا للنساء والفتيات في جميع أنحاء السودان، ويوفر خدمات أساسية للوقاية من العنف القائم على النوع الاجتماعي والاستجابة له. ومع تصاعد العنف وانعدام الأمن المتزايد، هناك حاجة ماسة إلى المزيد من الموارد لضمان توفير الدعم المنقذ للحياة لجميع النساء والفتيات المحتاجات بشكل عاجل".