50 عامًا على رحيلها.. درية شفيق والاضراب عن الطعام كسلاح مقاومة
20 سبتمبر 2025
لا تحتاج دُرية شفيق (1908 – 1975) إلى بطاقةٍ تعريفية، فهي واحدة من أشهر دُعاة المساواة بين الجنسين. قرضت الشِعر وعملت في الصحافة وأسست واحدة من أبرز المجلات النسوية في مصر والعالم العربي. يُصادف اليوم الذكرى الخمسين لرحيلها.
درست دُرية في مدرسة البعثة الفرنسية بمدينة طنطا، حيث وُلدت. وذلك قبل أن يتم إرسالها ضمن أول فوج طالبات من قِبل وزارة المعارف المصرية للدراسة في جامعة السوربون بباريس. حصلت على درجة الليسانس في الفلسفة، قبل أن تحصل على الدكتوراه من الجامعة ذاتها عن موضوع "المرأة في الإسلام".
عقب عودتها إلى القاهرة عملت كمفتشة للغة الفرنسية للمدارس الثانوية في مصر، قبل أن تعرض عليها الأميرة شويكار منصب رئاسة تحرير مجلة "المرأة الجديدة" لتصدر بعدها مجلة "بنت النيل" والتي كانت أول مجلة مصرية نسوية معنية بتثقيف الفتيات وتعليمهن. وفي نهاية الأربعينيات أطلقت حركة "التحرر الكامل للمرأة المصرية" والتي عُرفت باتحاد بنت النيل، وهي حركة معنية بالقضاء على الجهل والأمية التي تفشت بين الفتيات والنساء في مناطق شعبية عدة من أرجاء القاهرة.
في مطلع الخمسينيات، أعلنت برفقة زميلاتها عن سعيها لإعانة ومساندة نساء الطبقة العاملة عن طريق افتتاح كافتيريا تُقدم وجبات ساخنة مدعومة لهنّ، ومكتب لتشغيل طلبة الجامعة.
في نهاية الأربعينيات أطلقت حركة "التحرر الكامل للمرأة المصرية" والتي عُرفت باتحاد بنت النيل
تقول الكاتبة رندا أبو الدهب: "في عصر يوم من شهر شباط/فبراير سنة1951 تحركت (درية) من قاعة إيوارت بالجامعة الأمريكية في القاهرة ومعها ألف وخمسمائة امرأة واقتحمت بوابة (البرلمان) وقادت مظاهرة صاخبة لمدة أربع ساعات حتى اضطر نائب رئيس النواب إلى استقبالها بعد أن انتزعت من رئيس المجلس وعدًا بأن ينظر البرلمان فورًا في مطالب المرأة". وتردف: "أُمكن لوفدٍ نسائي أن يطالب للمرة الأولي وفي قاعة البرلمان بحقوق محددة: أولًا السماح للنساء بالاشتراك في الكفاح الوطني والسياسي. ثانيًّا: إصلاح قانون الأحوال الشخصية، بوضع حد لتعدد الزوجات، وتقنين الطلاق. ثالثًا: تساوي الأجور في العمل المتساوي".
في عام 1954، أعلنت في نقابة الصحفيين ومعها 8 عضوات أخريات من اتحاد بنت النيل الاضراب عن الطعام، احتاجًا على استبعاد النساء من عضوية اللجنة الدستورية. وذلك قبل أن تعلن في عام 1957 اضرابها عن الطعام واحتجاها على السياسة التي اتبعها الرئيس الراحل جمال عبد الناصر. كانت هذه الخطوة بمثابة المشهد الأخير في رحلتها الدرامية العجيبة، حيث وضعها عبد الناصر بعد ذلك تحت الإقامة الجبرية وتوارى اسمها من الصُحف والمجلات إلى أن قام الرئيس الراحل محمد أنور السادات بإلغاء قرار الإقامة الجبرية في بداية عهده.
كانت دُرية قد أعلنت موقفها بشأن الاضراب عن الطعام واستخدامه كسلاحٍ أخير للحصول على الحقوق ضمن مقابلة نادرة بمجلة الشرق الأدنى (العدد 109، سنة 1954) بقولها: "إن الاضراب عن الطعام هو آخر الأسلحة السياسية لإثارة الرأي العام ودعوته للتفكير في موضوع بالذات. ثم إذا افتكرت فكرة الاضراب عن الطعام في العالم، فقد سبقني فيها في التاريخ الدولي بعض المجاهدين وأنت عارف أسماءهم تمام وأنت عارف كمان إنهم عن طريق الاضراب عن الطعام وصلوا إلى الهدف الأسمى وهو تحرير بلادهم. كما لا يمكنك أن تتهمني بأنني غير ديموقراطية في استخدام هذا السلاح لأنني إنما أطلب المساواة التامة بين المصريين جميعًا دون تمييز جنسي أو آخر، وأعتقد أن طَلبي ده هو أساس الديموقراطية الحقة. ولا يمكنك تقول ولو على سبيل التنكيت إنني لو دخلت البرلمان حاضرب عن الأكل كلّما رُفض لي طلب. فالقياس مع الفارق. واضرابي لم يكن موجهًا ضد أحد بالذات بل كان تنبيهًا لمجموع الشعب إلى الظروف القاسية التي تعيش فيها المرأة المصرية".
كانت دُرية قد أعلنت موقفها بشأن الاضراب عن الطعام واستخدامه كسلاحٍ أخير للحصول على الحقوق
يشير المؤرخ والمستشرق آثر جولد شميت بأنها عانت من الاكتئاب وعاشت ما تبقى من حياتها منعزلة إلى أن فارقت الحياة نتيجة تأثرها بجروح عقب سقوطها من شُرفة منزلها في الطابق السادس.
