تواجه أستراليا موجةً غير مسبوقة من الحرائق المستعرة في الغابات الجنوبية الشرقية للبلاد، في ظل ارتفاع قياسي لدرجات الحرارة لأول مرة في تاريخها، ما أدى إلى نزوح آلاف المدنيين من منازلهم باتجاه الشواطئ البحرية، فيما بدأت دول أخرى بإرسال الحوامات ورجال الإطفاء للمساعدة في إطفاء الحرائق الذي من المتوقع استمرارها لأسابيع قادمة.
تواجه أستراليا موجةً غير مسبوقة من الحرائق المستعرة في الغابات الجنوبية الشرقية للبلاد، أدت لنزوح عشرات آلاف المدنيين
الحرائق تجتاح أستراليا
وقالت وكالة رويترز إن عشرات الآلاف فروا مع اقتراب حرائق الغابات من البلدات الواقعة على الساحل الشرقي لأستراليا، حيثُ اندلع أكثر من 200 حريق في ولايتي نيو ساوث ويلز وفيكتوريا، جنوب شرق أستراليا، ما أدى لانقطاع المياه والكهرباء عن أكثر من 50 ألف شخص في بعض البلدات، وسط دعوات وجهتها السلطات لمغادرة عدة بلدات على الساحل الشرقي قبل يوم السبت، تحسبًا لارتفاع كبير في درجات الحرارة سيزيد من تأجيج الحرائق.
اقرأ/ي أيضًا: حرائق غابات الأمازون.. لماذا تبدو الحكومة البرازيلية غير مكترثة؟!
وقال رئيس الوزراء الأسترالي، سكوت موريسون، إن "الأولوية اليوم هي مكافحة الحرائق والإجلاء ونقل الناس إلى بر الأمان. هناك أجزاء في كل من فيكتوريا ونيو ساوث ويلز تم تدميرها بالكامل وانقطعت عنها الكهرباء والاتصالات".
وأعلنت قوة الدفاع الأسترالية إرسالها خمس طائرات هليكوبتر عسكرية إلى الساحل الجنوبي لدعم رجال الإطفاء، ونقل إمدادات مثل المياه والبنزين، فضلًا عن استخدام الطائرات في إجلاء الجرحى والمسنين والصغار.
وفي مشهد مناقض للكارثة التي تواجه البلاد، رفضت رئيسة بلدية سيدني، كلوفر مور، مطلب بعض المواطنين بإلغاء عرض الألعاب النارية لاحتفالات رأس السنة الجديدة تضامنًا مع المناطق التي تجتاحها الحرائق. وبررت مور رفضها، بأن التخطيط للاحتفالات بدأ منذ 15 شهرًا. وبينما كانت سماء سيدني تضاء بالألعاب النارية، كانت سماء المناطق الجنوبية الشرقية مكسوة باللون الأحمر نتيجت الحرائق المستعرة.
هذا وقالت تقارير إن بلدية سيدني أنفقت على عرض الاحتفالات النارية 6.5 مليون دولار. لكن بموازاة الألعاب النارية، تخلل العرض جمع قرابة مليون دولار لسكان المناطق المتضررة من حرائق الغابات والجفاف في أنحاء أستراليا.
حرائق فريدة من نوعها
أصدرت السلطات الأسترالية تحذيرات للسياح المتواجدين في نيو ساوث ويلز، بضرورة مغادرة المنطقة قبل يوم السبت، حيثُ من المتوقع أن يؤدي ارتفاع الحرارة لدرجات قياسية، إلى موجة حرائق أخرى قد تكون أسوأ مما كانت عليه حرائق رأس السنة، وذلك وفقًا لمفوض الحرائق شاين فيتزسيمونز، الذي أكد أن الخطر "واقعي للغاية".
وُصفت حرائق الغابات الأسترالية الأخيرة بالغريبة والفريدة من نوعها، إذ كانت الرياح السريعة تحمل معها الجمر المشتعل، ما يؤدي لنشوب حرائق أخرى جديدة في مناطق أخرى تكون بعيدة عن المناطق التي استعرت فيها النيران في الأصل.
ووفقًا لشبكة CNN فإن الحرائق التي تشهدها أستراليا، ناجمة عن تعرض البلاد لموجة جفاف هي الأسوء منذ عقود، فيما كشف مكتب الأرصاد الجوية في البلاد عن أن فصل الربيع الأخير (أيلول/سبتمبر – تشرين الثاني/نوفمبر) كان الأكثر جفافًا، مسجلًا رقمًا قياسيًا بارتفاع درجات الحرارة لأعلى من متوسطها في عموم البلاد، مع ارتفاع لدرجة الحرارة في بعض المناطق لأكثر من 40 درجة مئوية.
ووفقًا لما توفر من إحصائيات حتى لحظة إعداد التقرير، فإن نيو ساوث ويلز، أكثر الولايات اكتظاظًا بالسكان، كانت الأكثر تضررًا بين الولايات الأسترالية، حيثُ تعرض ما يزيد عن 1700 منزل للدمار، إضافةً لاحتراق 3.6 مليون هكتار من الأراضي.
وبالجملة، فإنه منذ أيلول/سبتمبر الماضي، احترقت مساحة لا تقل عن 5.9 مليون هكتار، وهي مساحة أكبر من مساحة دولتي بلجيكا وهايتي مجتمعتين.
هذا وقضى جراء الحرائق أكثر من 17 شخصًا في عموم أستراليا، إضافة لوجود أكثر من ثمانية أشخاص في الوقت الراهن، في عداد المفقودين، فضلًا عن امتداد الأضرار للحياة البرية، بعدما أشارت تقارير إلى مقتل قرابة ثلث حيوانات الكوالا المتواجدة في نيو ساوث ويلز جراء الحرائق المستعرة.
تهديد عاجل من التغير المناخي
وفقًا لاستطلاعات رأي أجرتها وسائل إعلام، فإن النسبة الأكبر من الأستراليين تتفق على أن قضية التغير المناخي تحولت لـ"تهديد عاجل"، مطالبين الحكومة بتعزيز إجراءاتها لمواجهة التغير المناخي. في المقابل يتجاهل رئيس الحكومة تحذيرات كبار مسؤولي خدمة الطوارئ من تأثير أزمة المناخ على البلاد.
وتقول صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية إن موجة الحرائق المأساوية التي تتعرض لها البلاد، دليل على فشل الحكومة الأسترالية في الحد من انبعاثات الغازات الدفيئة، التي تقوم بحبس الحرارة عند إطلاقها في الهواء، ما يؤدي إلى ارتفاع درجات الحرارة.
وكان رئيس الحكومة الأسترالية، قد أكد سابقًا أن الرخاء الاقتصادي يعتبر أولوية بالنسبة لأستراليا، رافضًا مناقشة أزمة المناخ "لأن الوقت غير مناسب"، على حد قوله.
كما أن موريسون، وخلال الفترة التي شهدت فيها سيدني مظاهرات لنشطاء المناخ، اقترح أن تحظر الحكومة الأسترالية مثل هذه المظاهرات الهادفة للضغط على الشركات، فيما وصف نائب رئيس الوزراء، النشطاء والأشخاص المهتمين بقضية الاحتباس الحراري، بأنهم "يهذون بجنون".
من جهة أخرى، تقول CNN، إن لسكان نيو ساوث ويلز دور في نشوب الحرائق، وذلك بعد إعلان دائرة إطفاء الحرائق الريفية، إلقائها القبض على شخص مشتبه بافتعاله الحرائق على مدار الأسابيع الماضية.
"أهلًا بك في الجحيم"
وعلى موقع تويتر، عبّر نشطاء أستراليون عن غضبهم من طريقة تعاطي الحكومة الأسترالية مع الأزمة المناخية التي تمر بها البلاد، متهمين رئيس الوزراء بعدم فعل شيء لإخماد الحرائق المستعرة في البلاد، في حين قام آخرون بمشاركة مقاربات بين حجم الخسائر التي تعرضت لها أستراليا مع باقي الدول التي تواجه أزمة مناخية.
وأوضح عالم الأحياء الأسترالي، لوكي تران، أن الحرائق التي تجتاح أستراليا تغطي بحجمها مساحة الولايات المتحدة أو القارة الأوروبية، مضيفًا أن مساحة الأراضي التي قضت عليها الحرائق، تعادل خمس أضعاف حرائق الأمازون، و50 ضعف حرائق كاليفورنيا.
وضمن حملة للضغط على الحكومة، على خلفية الحرائق المشتعلة، طالب نشطاء على تويتر بمشاركة إنفوغراف بعنوان "حرائق الصيف الأسود"، يُظهر حجم الدمار الذي تعرضت له أستراليا جراء الحرائق.
وحمل آخرون الحكومة الأسترالية مسؤولية ما يحدث، بسبب عدم اتخاذها الإجراءات اللازمة لمواجهة التغير المناخي، مشيرين إلى مقتل أكثر من 500 حيوان وأنواع مختلفة من النباتات بسبب الحرائق المستعرة في الغابات. وغرد آخرون بالقول: "أهلًا بك في الجحيم".
اقرأ/ي أيضًا:
تقرير بحثي أسترالي: نهاية العالم في 2050!
إعصار إيرما المُروّع.. لماذا تتفاوت آثار كوارث الطبيعة حسب البلد المنكوب؟