مرًة جديدة، يشهد الصراع السوري تطورًا لافتًا، خلال الأسبوع الحالي، إلا أنه جاء من جانب النظام السوري، الذي يسعى للتغيير ديموغرافيًا في ريف دمشق الغربي تحديدًا، بعد اتباعه سياسة الحصار، ومن ثم المطالبة بإفراغ المناطق المحاصرة من ساكنيها، وانتقالهم لشمال سوريا، حيث تسيطر قوات المعارضة على مساحات واسعة منها.
مدينة "داريا" الواقعة في القسم الغربي من الغوطة في ريف دمشق، كان مصيرها أمس الخميس 25 آب/أغسطس، مثلما حصل مع أحياء حمص المحاصرة، التي أفرغها النظام السوري من سكانها، منذ عام ونصف تقريبًا، بعد أن توصل إلى اتفاق يقضي بخروجهم إلى مناطق في شمال سوريا.
لداريا رمزها غياث مطر، الذي قتل تحت التعذيب في أقبية المخابرات، مع بدايات الثورة السورية
بحسب وسائل الإعلام، محلية وعربية، قضى الاتفاق بخروج ما يقارب خمسة آلاف مدني إلى مناطق سيطرة النظام في ريف دمشق، فيما سينتقل نحو 700 مقاتل من قوات المعارضة مع سلاحهم الخفيف إلى محافظة إدلب، على أن يتم ذلك بأقسى سرعة ممكنة، ويمكن أن يصطحب مقاتلو المعارضة أقاربهم معهم، إن كانت لديهم الرغبة في ذلك.
اقرأ/ي أيضًا: المرتزقة الجدد.. الجيوش الخاصة والنظام العالمي
وأكدت معظم وسائل الإعلام التي تناقلت الخبر، على أن الوفد المفاوض من قبل النظام، شدد على إخلاء المدينة من أي مظاهر مدنية، تمهيدًا لدخول الجيش إليها، بعد حصار دام أربعة أعوام استخدمت فيها قوات النظام، والميليشيات المحلية والأجنبة، مختلف أنواع الأسلحة في محاولات اقتحامها المتكررة، دون أن تتمكن من ذلك.
وتعد مدينة "داريا" في صمودها الأسطوري، من المدن التي تحتفظ برمزية خاصة، لدى معظم أطياف المعارضة، متعددة الأيديولوجيات، والتي يأتي في مقدمتها عدم تمكن قوات النظام من السيطرة عليها عسكريًا، إضافة لأن جميع مقاتلي المعارضة المتواجدين بها، هم من أبناء المدينة نفسها، وهو ما يميز صمودها.
النظام السوري من جهته، حاول جاهدًا منذ إعلان "وقف الأعمال القتالية"، قبل نحو خمسة أشهر، اقتحام المدينة، مستخدمًا كافة أنواع الأسلحة المتوسطة والثقيلة، والمحرمة دوليًا، علاوةً على استهدافها يوميًا بعشرات البراميل المتفجرة، دون أن يتمكن من الدخول إليها، ما جعله يلجأ أخيرًا لعملية المفاوضات، التي قضت بإفراغها من كامل المدنيين، بعد رفضه أي مقترح للهدنة، أسوةً بباقي المناطق.
كما أن للمدينة رمزها غياث مطر، الذي قتل تحت التعذيب في أقبية المخابرات، مع بدايات الثورة السورية، عندما كانت المظاهرات السلمية تجوب شوارع المدن السوري، والذي يسجل له حتى اليوم، مواجهته لعناصر الجيش بالورود والمياه، والذين ردوا يومها على المتظاهرين بإطلاق الرصاص عشوائيًا.
وكانت مدينة داريا، شهدت مطلع حزيران/يونيو الفائت، دخول أول قافلة مساعدات أممية إليها، بعد أربعة أعوام على الحصار، ودخول قافلة المساعدات الوحيدة إليها عام 2012، قبل أن يعود النظام السوري، ويمنع دخول القوافل إليها، في ظل صمت أممي، كان ينتظر موافقة دمشق حتى يتمكن من إدخال قوافل المساعدات، وهو ما يتنافى مع المواثيق الدولية.
بات نظام الأسد أكثر وضوحًا في مضيه قدمًا بعملية التغيير الديموغرافي خاصة في محيط دمشق
والواضح أن النظام السوري في هذه العملية، بات أكثر وضوحًا في مضيه قدمًا بعملية التغيير الديموغرافي، وهو ما يظهر من فرضه على المدنيين المحاصرين في ريف دمشق الغربي بالذهاب إلى إدلب، ما يسمح له بإخراج المدنيين ومقاتلي الميليشيات في بلدتي "الفوعة، وكفريا" في ريف إدلب المواليتين له، والمحاصرتين من قبل قوات المعارضة، إلا أن حصارهما يختلف عن حصار قوات النظام لمناطق المعارضة، نظرًا لإسقاط المساعدات الإغاثية جوًا -عبر الطيرانين الروسي والسوري- عليهما.
ومن المتوقع أن يكون مصير مدن أخرى، خلال الأسابيع القادمة، مشابهًا لمصير "داريا"، وفي مقدمتها بلدة "مضايا"، أيضًا في ريف دمشق الغربي، في محاولة من النظام السوري، إعادة بناء دولة "سوريا المفيدة"، ونقل المطالبين برحيله إلى مناطق سيطرة المعارضة في الشمال، بعد أن يحضر مؤيدوه إلى ريف دمشق الغربي، ما يجعل من فكرة تقسيم سوريا، أمرًا مرجحًا، لكن وفق المزاج الطائفي للنظام، الذي حول بين ليلة وضحاها، غالبية الشعب السوري لـ"إرهابي"، لأنه أراد المطالبة بحريته لا أكثر.
اقرأ/ي أيضًا: