في معرض تعليقها على انتزاع زهير رمضان لمنصب نقيب الفنانين السوريين للمرة الثالثة على التوالي، ادعت الفنانة تولاي هارون بأن زهير لم يترك وسيلة غير أخلاقية إلا واتبعها لفرض نفسه على الجسم النقابي السوري، من ادعائه الفج بأنه خيار أساسي من خيارات بشار الأسد لهذا المنصب وأنه ممثل سامٍ لإرادته، إلى لجوئه إلى تهديد الهيئة الناخبة بعنف المخابرات الماحق "سأفوز بالمنصب رغمًا عن الجميع"، ناهيك عن اتباعه مجموعة من الأساليب الاحتيالية التي رافقت العملية الانتخابية، ومن ثم مسارعته لتنصيب نفسه مرشحًا وحيدًا لمنصب النقيب وانتزاعه بالتزكية.
في سوريا، ما دام المرء مواليًا ويحظى برضى الأجهزة الأمنية عنه فإن إعادة التجديد له وفرضه على الجميع مسألة فوق أي اعتبار
يتساءل المرء كيف تقبل السلطة السياسية على نفسها الدفاع عن شخص لم يبق أحد في الوسط الفني إلا وعاب عليه طريقته في إدارة النقابة، التي حولها من مؤسسة نقابية لخدمة أعضائها إلى مزرعة شخصية يشوبها الفساد والشللية. ليكتشف أن هذا الموقف القبيح هو جزء جوهري من بنية السلطة الأسدية التي تصر على أن تتعامل مع السلطة أو تجديدها أو توزيعها في المراكز القيادية المختلفة وفق معيار واحد هو: الولاء.
اقرأ/ي أيضًا: زهير رمضان.. ظل شاحب لسلطة متعالية
ما دام المرء مواليًا ويحظى برضى الأجهزة الأمنية عنه فإن إعادة التجديد له وفرضه مسألة فوق أي اعتبار، بما فيها مسألة تجميل السلطة لنفسها، وفضح ادعاءاتها المتعلقة بالأبوة الاجتماعية للجميع.
إذا كان مشهد إعادة انتخاب النقيب زهير رمضان، لا يخرج عن رغبة السلطة بتصدير نفسها للناس، على أنها الجهة الوحيدة المخولة باحتكار السلطة وتوزيعها، فإن لجوء الأسد لهرطقة "الاستئناس الحزبي"، عبر منح الفروع الحزبية في المحافظات سلطة اختيار مرشحيها الحزبيين إلى عضوية مجلس الشعب، يشكل نوعًا من التخلي عن التوجه القديم الذي كان يعتبر مثل هذا العمل جزءًا عضويًا من أعمال السلطة الرئاسية التي تشرف على الاختيار والفلترة والاصطفاء الفعّال.
في مظهره الخارجي يبدو توجه "الانتخاب بالاستئناس" الصادر عن رأس السلطة الأسدية، كما لو كان خطوة متقدمة على طريق منح الحزبيين فرصة لاختيار مرشيحهم بأنفسهم، بما يعني رفعهم إلى منزلة الأشخاص الأحرار القادرين على تدبر شؤونهم الحزبية أو الانتخابية دون تدخل مباشر من المركز الوصي، فما هي يا ترى تلك الرسالة التي رغب الأسد بإيصالها لجمهوره الحزبي العتيد؟
يكمن جوهر الرسالة، بأن تخلي الرئاسة عن واحدة من حقوقها السلطوية في الاختيار، لا يعني ترقية ذلك الحق إلى مستوى المكسب القانوني، حيث يمكن التخلي عنه إذا ما دعت الحاجة أو تغيرت الظروف. فالاستئناس بحد ذاته لا يشكّل حقًا للجهة الناخبة، بقدر ما يشكل نوعًا من الاستشارة التي يرجع للسلطة المركزية الحق بالأخذ فيها أو التخلي عنها.
يكمن السر وراء تجديد الهيئات الناخبة في دولة الأسد، في التوجه البسيط، القائم على فكرة المكافأة أو الغنيمة مقابل الطاعة العمياء
تحرص السلطة الأسدية على إجراء الانتخابات الصورية في جميع المؤسسات الاجتماعية الخاضعة لسلطتها، سواء كانت في المستوى النقابي أو البلدي أو التشريعي. فما الذي يجعلها تسارع إلى إتمام تلك العملية في وقتها المناسب، ما دامت تلك الانتخابات لا تتمخض عن ظهور نخب قيادية جديدة ذات توجه أخلاقي جديد.
اقرأ/ي أيضًا: عن شكران مرتجى.. العمى في البصيرة والضمير
يكمن السر وراء تجديد الهيئات الناخبة في دولة الأسد، في التوجه البسيط، القائم على فكرة المكافأة أو الغنيمة مقابل الطاعة العمياء. فالترقي الوظيفي في دولة الأسد، ليس حقًا مكتسبًا للشخص العامل فيها، وإنما منة أو منحة تتفضل بها القيادة، بقصد ربط مصير أكبر عدد ممكن من الأعضاء الحكوميين بمصير السلطة ومآلاتها، على نحو يجعل التخلص منها مدخلًا لتهديد مصير الأشخاص المتمحورين حولها.
اقرأ/ي أيضًا: