عرض الموقع الإلكتروني لمجلة فوربس الأمريكية تحليلًا لأحدث نتائج الحصار الذي تقوده السعودية والإمارات ضد قطر، بوصفه حصارًا فاشلًا جاء بنتيجة عسكية ستتدفع ثمنها باهظًا كل من الرياض وأبوظبي، خاصة بعد أن انقلب سحرهما عليهما، بتعرضهما لعزلة عالمية أكثر من عزلهما لقطر. "ألترا صوت" يقدم لكم التحليل مترجمًا في السطور التالية.
توقعت السعودية والإمارات انتصارًا سريعًا بعد فرضهما الحصار على قطر، فعلى العكس من الأزمات السياسية السابقة بين الجيران الخليجيين، والتي وجدت حلًا سلميًا، سعى خصوم قطر هذه المرة إلى دفعها للاستسلام، والتخلي عن سياستها الخارجية المستقلة، ظنًا منهم بأنهم يتمتعون بدعم واشنطن.
إلا أن أسابيع الأزمة لم تحمل أخبارًا جيدة بالنسبة للرياض والإمارات، إذ أشار وزير الخارجية الأمريكي ريكس تيلرسون، ووزير الدفاع جيم ماتيس، إلى دعمهما للدوحة، بل وظهر نفاد صبر تيلرسون فيما يتعلق بقائمة المطالب التي وصفها بالمتطرفة، في الوقت الذي وصف فيه الموقف القطري بالمعقول.
وقفت الخارجية الأمريكية في صف الدوحة، بعد أن وصف تيلرسون قائمة مطالب دول الحصار بالمتطرفة، فيما وصف الموقف القطري بالمعقول
ويرى العديد من المنتقدين أن الرياض وأبوظبي تتحملان القسط الأكبر من اللوم في تمويل الإرهاب. أحد هؤلاء المنتقدين هو بوب كوركر، رئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ الأمريكي، الذي تذمر من أن حجم الدعم السعودي للإرهاب يُقَّزِم أي اتهامات قد توجه لقطر. في الوقت نفسه، انتهزت قطر الفرصة للتوقيع على اتفاقية لاستهداف تمويل الإرهاب مع الولايات المتحدة، وهو ما لم يفعله أي من خصومها.
اقرأ/ي أيضًا: قطع العلاقات مع قطر.. "من هو الإرهابي؟"
علاوة على ذلك، لاحظ مارك لينش، الأستاذ بجامعة جورج واشنطن، أن "الخطاب الطائفي المتطرف الذي جلبته القوى الخارجية إلى التمرد السوري، يمثّل مشكلة تتجاوز قطر". ومن جهة اُخرى قوبل المطلب الخاص بإغلاق قناة الجزيرة، من قبل الدول التي تفتقر إلى الصحافة الحرة وتُجرّم أبسط مظاهر التعاطف مع قطر؛ باستهجان عالمي.
بعد ذلك، ظهرت تقارير الاستخبارات الأمريكية التي أفادت بوقوف الإمارات خلف اختراق الموقع الرسمي لوكالة الأنباء القطرية قبل شهرين، وبث تصريحات كاذبة منسوبة لأمير قطر؛ ما ساعد في اشتعال الأزمة. وعلى الجانب الآخر، بدت مصر والبحرين، اللتان انضمتا إلى مجموعة الحصار، مثل دول مستأجرة تابعة للدول التي تقدم الدعم المالي والعسكري.
ومع غياب خطة بديلة لدى الدول التي أثارت الأزمة، لم يكن بوسع التحالف المناهض لقطر تصعيد الأمر على غير رغبة الولايات المتحدة، أو التراجع عن موقفه دون إراقة ماء وجهه. وبالنظر إلى ما جرى، فقد تسببت السعودية والإمارات في حشد القطريين خلف العائلة الحاكمة القطرية، ودمرتا مجلس التعاون الخليجي، وخففتا العزلة الإيرانية، مثلما تسببتا في جذب تركيا إلى الشؤون الخليجية مباشرة، فيا له من إنجاز عظيم!
إلا أن التجربة أسفرت عن عدد من الدروس الهامة، فترامب يرغي ويزبد كثيرًا، إلا أنه ليس لذلك علاقة بالسياسة الخارجية للولايات المتحدة، فبالرغم من النقد الذي وجهه للسعودية في الماضي، فقد تحول إلى أحد المدافعين عن الرياض في واشنطن، إلا أن تفضيلاته العلنية لم تؤثر في السياسة الأمريكية، التي مالت لدعم قطر في نهاية المطاف، وهو ما اعترف به مؤخرًا حين قال إنه اختلف "قليلًا" مع وزير الخارجية تيلرسون "لكن فيما يتعلق باللهجة فقط".
السعودية.. زعامة من ورق
أثبتت السعودية أنها ليست زعيمة إقليمية حقيقية؛ فبالرغم من إنفاقها الضخم على الأسلحة، ودعمها لبعض الدول الإسلامية الأخرى، وسعيها للإطاحة بنظام بشار الأسد في سوريا، والحرب الشعواء التي شنتها في اليمن، إلا أنها لم تمتلك ردًا جاهزًا في حالة تجاهل قطر لمطالب الرياض، وأتى تيلرسون بعد ذلك ليمنع أي تصعيد آخر. وكان بعض الخبراء قد أصابهم القلق من احتمالية فرض السعودية والإمارات لعقوبات إضافية على قطر مع انتهاء المهلة المحددة، أو طردها من مجلس التعاون الخليجي أو حتى غزوها، وهي الخطوات التي أصبح تنفيذها أكثر صعوبة في الوقت الراهن.
ثبُتَ أنّ السعودية ليست إلا زعيمة من ورق، بلا تخطيط جيّد حتى لتدخلها السافر في شؤون جارتها قطر
وتمكنت المهمة الدبلوماسية التي قام بها وزير الخارجية الأمريكي الأسبوع الماضي لدعم الوساطة الكويتية، من إجبار خصوم قطر على التفاوض بشأن ما اعتبروه قبل ذلك غير قابل للتفاوض. وقالت نورة الكعبي وزيرة الدولة لشؤون المجلس الوطني الاتحادي: "نحتاج إلى حل دبلوماسي. ولا نبحث عن التصعيد"، فلا عجب إذن من تذمر السعوديين، الذين ظنوا أن لديهم دعم رئيس الولايات المتحدة، تعليقًا على دعم وزير الخارجية الأمريكي للدوحة.
فشل الجهود الدبلوماسية الخارجية للسعودية
ولم تفلح الجهود الدبلوماسية السعودية في الخارج، ولم تكسب المملكة سوى قلة من الأصدقاء. وقد أنشأت كل من الرياض وأبوظبي تحالفًا غير متكافئ، يضم مصر والبحرين والمالديف إحدى الحكومات المتنازِعة في ليبيا، إلا أنهما لم يتمكنا من كسب مزيد من الدعم الدولي، فالقضية الحقيقية لم تكن الإرهاب، بل اعتبارات وقضايا أكثر أنانية، مثل دعم المعارضة السياسية المحلية.
اقرأ/ي أيضًا: بعيدًا عن تخبط ترامب.. أمريكا "الرسمية" تقف ضد حصار قطر
التراجع الحاد في سمعة المُتهِمين
وألقى الجدل حول الأزمة مزيد من الضوء على سوء تصرف الرياض وأبوظبي، خاصة قمعهما الوحشي لأي حراك ديني أو سياسي، بالإضافة إلى تمويل السعودية الباذخ للوهابية، ووقوف الإمارات خلف الاختراق الإلكتروني الذي تعرضت له الدوحة. وكان توم ويلسون، قد نشر لصالح مؤسسة هنري جاكسون اللندنية، تقريرًا سمّى فيه السعودية ممولًا أول للإرهاب في المملكة المتحدة، مشيرًا كذلك إلى المخاوف بشأن "تصاعد حجم التمويل القادم من دول، مثل السعودية، للتطرف الديني". وعلى الرغم من تعرض قطر للانتقاد بسبب مزاعم دعمها لجماعات إسلام سياسي مثل جماعة الإخوان المسلمين، إلا أنّ الانتقاد الذي تعرضت له الرياض وأبوظبي في دعم جماعات متطرفة بالفعل، كان أكثر قسوة.
مكاسب إيران تزداد بسبب جهود خصومها
ويربط حقل غاز طبيعي مشترك بين الدوحة وطهران، وتمثل هذه العلاقة إحدى الشكاوى الرئيسية للسعودية. وعلى الرغم من كون إيران لاعبًا غير مرغوب فيه في المنطقة، إلا أن الرياض، بديكتاتوريتها الشمولية، هي أشد سوءًا. وقد تدخلت السعودية عسكريًا في البحرين للإبقاء على الملكية السنية ضد الأغلبية الشيعية،، وكذلك شن ولي العهد الجديد المتهور والموصوف بالأمير الطائش، محمد بن سلمان، حربًا دامية في اليمن، وهجومًا اقتصاديًا وسياسيًا على قطر سعيًا للهيمنة على الخليج. جاء ذلك كله في الوقت الذي تمكنت فيه إيران من إحباط المخطط السعودي، والفوز بامتنان القطريين وتحسين صورة النظام الإسلامي، دون إطلاق رصاصة واحدة.
ويستحق الوزيران تيلرسون وماتيس تقديرًا خاصًا، فبتجاهلهما حماسة الرئيس ترامب الطائشة للنظام الملكي السعودي، ساعدا في إعادة انتباه الرأي العام إلى الرياض وأبوظبي. ولم يُبدِ أي منهما اهتمامًأ كافيًا بقطع تمويل الإرهاب.
إذا كانت السعودية مهتمة بمكافحة الإرهاب بالفعل، فعليها أن تنظر لنفسها أولًا وأن توقف تمويلها هي للإرهاب وأيديولوجيته
على سبيل المثال، وفي برقية طويلة بتاريخ 30 كانون الأول/ديسمبر 2009، نشرتها ويكيليكس، انتقدت وزارة الخارجية الأمريكية الإمارات، لكنها كانت أقسى انتقادًا مع السعودية، إذ قالت: "كان إقناع المسؤولين السعوديين بالتعامل مع قضية تمويل السعودية للإرهاب باعتباره أولوية استراتيجية، تحديًا مستمرًا".
اقرأ/ي أيضًا: السعودية عرّابة الإرهاب.. تقرير "هنري جاكسون" يُذكّر بما يعرفه الجميع
وعلاوة على ذلك، "تشكل الجهات المانحة في المملكة العربية السعودية أهم مصادر تمويل الجماعات الإرهابية السنية في أنحاء العالم "، وتبقى السعودية "قاعدة دعم مالي هامة لتنظيم القاعدة"، وغيرها من المنظمات الإرهابية، وعلى الرغم من سياسات الرياض، "تواصل الجماعات إرسال الأموال إلى الخارج، وأحيانًا، تمول التطرف في الخارج"، وفقًا للبرقية المسرّبة.
إذا كانت المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة تهتمان بالإرهاب، فستنظران إلى الداخل أولًا، وستتوقف الرياض عن تمويل الوهابية، الأيديولوجيا الإسلامية المتعصبة التي تشوه سمعة من يؤمنون بشكل مختلف. وكان ويلسون قد أشار إلى أن "مجموعة الأدلة التي برزت مؤخرًا تشير إلى التأثير الكبير الذي أحدثه التمويل الأجنبي فيما يتعلق بتعزيز التطرف الإسلامي في بريطانيا وغيرها من الدول الغربية".
هذا وربما تكون عواقب هذا التمويل أكثر ديمومة من المبالغ المدفوعة إلى الجماعة الإرهابية في الوقت الحالي. ولاحظ توماس هيغامر المحلل النرويجي المناهض للإرهاب، أنه "إذا كان سيحدث إصلاح إسلامي في القرن العشرين، فربما منع السعوديين ذلك من خلال الترويج للفهم الحرفي".
وما يزعج السعودية والإمارات، هو دعم الدوحة لبعض جماعات المعارضة، فلعى سبيل المثال، تخشى كل من الرياض ومصر من جماعة الإخوان المسلمين، التي تتحدى الأنظمة الحاكمة لديها بفلسفة سياسية يُنظر إليها باعتبارها معيبة، إلا أنها في كل الأحوال لا تشجع الإرهاب. وتشعر العائلة المالكة في السعودية بعدم الأمان بسبب الكليبتوقراطية والملكية الشمولية التي لا تخدم أحدًا سوى بضعة آلاف من الأمراء الذين يعيشون في بذخٍ ورفاهيةٍ على حساب الآخرين. وتمقت كل من السعودية والإمارات على حد السواء قناة الجزيرة التلفزيونية، التي انتقدت كلا النظامين.
والكليبتوقراطية مصطلع يعني حرفيًا "حكم اللصوص"، ويُستَخدم للإشارة إلى الحكومات التي تستخدم السلطة لاستغلال موارد الدولة لتوسيع ثرواتهم الشخصية.
وتسعى الرياض لتجنيد قطر في حملتها لعزل إيران، غير أنه من المفارقة أن السعودية لم تحاول حتى الآن ممارسة أي ضغط على دولة الإمارات التي حافظت على علاقاتها مع النظام الإيراني. وعلى أية حال، سيكون من الأفضل بكثير تشجيع التغيير على المدى الطويل من خلال الاستمرار في جذب الإيرانيين نحو الغرب في مواجهة النخب الإسلامية. وقد قامت الدوحة بالفعل بجذب المنظمات المثيرة للجدل بعيداً عن الحكومات الأكثر راديكالية، مثل إيران، من خلال استضافة جماعات مختلفة مثل طالبان وحماس، ومَكّنت الغرب من الاتصال بشكل غير الرسمي مع تلك الجماعات التي تختلف معها جذرياً بشكل رسمي، مثل طالبان، لتلعب بذلك دورًا أشبه بما كانت عليه فيينا خلال الحرب العالمية.
وسيكون على الرياض وأبوظبي الآن حصد ما زرعاه، فقد أدى هجومهما على قطر إلى زعزعة الاستقرار في الشرق الأوسط، ما أزعج عديد من حلفاء واشنطن المقربين، وانتهى المطاف بالسعوديين والإماراتيين إلى طريق عالمي مسدود، وعزلوا أنفسهم أكثر من عزلهم قطر. وفي الوقت الذي لا تمتلك فيه قطر سوى حافز ضئيل يدفعها للإذعان، تواجه السعودية والإمارات نوعًا من المذلة بتخليهما عن مطالبهما.
أدت حملة السعودية والإمارات على قطر، إلى عزلهما حتى انتهى بهما المطاف إلى طريق عالمي مسدود
هذا وتتوقع الحكومات الأخرى أن تكون هناك مواجهات مُطَولة، فيما يتوقع وزير خارجية الولايات المتحدة تيلرسون أن "يستغرق القرار النهائي بعض الوقت"، وهو ما لن يعود بالفائدة على أحد، غير إيران، بما في ذلك قطر وأميركا. وبالتأكيد لن يفيد أيضًا أيًا من المملكة العربية السعودية أو الإمارات العربية المتحدة.
اقرأ/ي أيضًا: السعودية تَضيعُ منّا!
وبينما لا يمكن للولايات المتحدة فرض تسوية على حلفائها المشكوك فيهم، إلا أنه بوسعها الاعتراف بأنه "لا توجد أيد نظيفة هنا"، حسبما صرح وزير الخارجية الأمريكي مؤخرًا. ويجب كذلك على إدارة ترامب أن تتحمل المسؤولية الكاملة عن المواجهة الحالية للأطراف الحقيقية المتسببة فيها، وهما الرياض وأبوظبي.
اقرأ/ي أيضًا: