تأهّلت أربعة منتخباتٍ عربيّة إلى مونديال روسيا، للمرّة الأولى في التّاريخ يصل العرب إلى هذا الرّقم، كان الرّقم الأعلى سابقًا ثلاثة منتخبات، مرّتين، في مونديال المكسيك 86 ويومها حقّق المغرب أوّل تأهّل عربي إلى الدّور الثّاني، والثّانية في مونديال فرنسا 98 وكان نصيبها الخروج من الدّور الأوّل، مع ثلاثة تعادلات وفوز وخمس هزائم.
الآمال هذه المرّة كانت كبيرة، أربع منتخبات في المونديال رقمٌ كبير، ثُمن منتخبات المونديال، وذلك يعني بالأرقام والاحتمالات إمكانيّة تحقيق واحدٍ من المنتخبين لنتائج إيجابيّة وتحقيق إنجازٍ ما، حتّى أنّ بعض المحلّلين أطلقوا عليه عنوان: "مونديال العرب"، وكان لوجود منتخبين في مجموعة واحدة ما يشير إلى سهولة تحقيق إنجازٍ لأحدهما. النّتيجة النّهائيّة في النّظرة الأوليّة لها تبدو كارثية لم يتوقّعها أشدّ المتشائمين، خروج من الدّور الأوّل ومن الجولة الثّانية للمونديال دون انتظار الثّالثة حتّى، فوزان واحد منهما جاء في مباراة مصر والسّعودية، والثّاني لتونس ضدّ بنما أضعف منتخبات المونديال. النّتيجة الإيجابيّة الوحيدة كانت بتعادل المغرب مع إسبانيا، والباقي ثماني هزائم وبعضها بأرقام كبيرة، من الأكبر في هذا المونديال.
لأنّ كرة القدم لا تعترف إلا بالنّتائج فقط، يمكن أن اعتبار مشاركة العرب في هذا المونديال سيّئة إلى حدّ كبير
الأنظار في مونديال البرازيل الماضي اتّجهت نحو منتخب الجزائر، وكلّ المشّجعين العرب تحمّسوا لنتائجه وتأهّله إلى الدّور الثّاني ومقارعة المنتخب الألماني بطل المونديال لاحقًا، ووصوله معه إلى الوقت الإضافي ثمّ خسارته بصعوبة. لم تتأهّل الجزائر إلى هذا المونديال رغم أنّها كانت تضمّ منتخبًا جيّدًا راكم خبرات المونديال السّابق وضمّ في صفوفه أفضل لاعب في الدّوري الإنكليزي لموسم 2016-2017 رياض محرز، والعديد من المحترفين في أوروبا، لم تتأهل من مجموعة الموت الّتي جمعتها مع نيجيريا والكاميرون وزامبيا، بل وحلّت رابعة في المجموعة، عوضًا عن ذلك تأهّل منتخبات تونس ومصر والمغرب عن قارّة إفريقيا، والسّعوديّة عن قارّة آسيا، وفي ما يلي سنعرض ما حقّقته هذه المنتخبات في مشوارها وما عجزت عن تحقيقه وفق ما كان معوّلًا عليها.
منتخب تونس، كان أوّل منتخب عربي يحقّق فوزًا في تاريخ المونديال بعد أن فاز على المكسيك بثلاثة أهداف لهدف واحد في مونديال الأرجنتين 78، وآخر مرّة تأهّلت فيها تونس إلى المونديال كانت عام 2006 حين حقّقت خسارتين وتعادل وحيد مع السّعوديّة. عادت تونس إلى المونديال بعد أن تصدّرت مجموعة ضمّتها مع ليبيا والكونغو الدّيمقراطيّة وغينيا، مجموعة غير صعبة نسبيًا فليس فيها منتخبات من الصّف الأوّل. حقّقت تونس المطلوب وتأهّلت، وحلّت في مجموعة صعبة جدًّا إلى جانب بلجيكا وإنكلترا وبنما، كانت المحصّلة فوز وحيد و خسارتين إحداهما بخماسيّة والثّانية كانت بالدّقائق الأخيرة مع انكلترا.
اقرأ/ي أيضًا: المغرب في كأس العالم 1986.. إبهار نادر بإنجاز لم يتكرّر بعد
لم تقدّم تونس مستوى جيّدًا، ضعف هجومي، وغياب التّرابط بين الخطوط ونقص للثّقة بين اللّاعبين، وكان لغياب يوسف المساكني هدّاف المنتخب في التّصفيات الأثر البالغ على الفريق هجوميًا، ولكن ما يمكن أن يعزّي الفريق التّونسي أنّ مجموعته ما كان بالإمكان ان يتأهّل منها أيّ فريق آخر في ظلّ وجود بلجيكا وانكلترا. وفي المحصّلة كان الظّهور التّونسي هو الأضعف عربيًا رغم الفوز الوحيد الّذي حقّقه.
تأهّلت مصر إلى المونديال للمرّة الأولى منذ ثمانية وعشرين عامًا، مصر كان أوّل منتخب عربي يشارك في المونديال سنة 34 وبعدها غاب العرب عن الظّهور في المونديال إلى عام 1970، المشاركة الثّانية لمصر كانت في مونديال إيطاليا 90، وانتظر المصريون حتّى هذا المونديال ليظهروا مجدّدًا، بعد أن تخطّوا مجموعة تواجدوا فيها إلى جانب غانا والكونغو وأوغندا، فكان مجرّد التّأهل هو الإنجاز المنتظر الّذي تحقّق للشّعب المصري. وجود مصر في مجموعة غير صعبة عمليًا، ووجود محمّد صلاح الّذي قدّم موسمًا استثنائيًا مع ليفربول، رفع سقف التّوقعات المصرية، وجعل المشجّع المصري ينتظر تحقّق الإنجاز بالتّأهل إلى الدّور الثّاني.
المنتخب المصري وصل إلى نهائي كأس امم افريقيا بعد غياب لسنوات، ولم يكن التّأهل إلى المونديال وليد الصّدفة، رغم انّه لم يقدّم مستوى كالمستويات الّتي قدّمها سابقٌا في الجيل الذّهبي الّذي فاز بثلاث بطولات متتالية لأمم أفريقيا، لكن هذا الجيل مع صلاح ومع كوبر وأسلوبه الّذي يغلب عليه الحذر الدّفاعي، حقّق ما عجز عنه جيلان من اللّاعبين، لم يكن المستوى في التّصفيات مميّزًا، لكن الفريق المصري تميّز بانضباطه وبحسن التّكتيك، غلب الحذر الدّفاعي على الأداء، وكان كوبر دائمًا عرضة لانتقادات الجماهير المتعطّشة لآداء يبهرها كما كان يفعل الجيل السّابق مع ابو تريكة ومحمد شوقي وحسني عبد ربه وأحمد حسن ومحمد زيدان وغيرهم، ولأنّ كرة القدم تعترف بالنّتائج فقط، وهي الّتي تُذكر في التّاريخ، كان لكوبر الحقّ في إسكات كل الأصوات الّتي انتقدت أسلوبه.
اقرأ/ي أيضًا: هل كانت المغرب ضحيّة لمؤامرة برازيلية- نرويجية في كأس العالم 1998؟
المباراة الأولى ضدّ الأوروغواي كانت خسارتها متوقّعة، لم يتخلّ كوبر عن أسلوبه الدّفاعي، وساهم انضباط اللّاعبين وتركيزهم في المحافظة على التّعادل للدّقيقة الأخيرة قبل أن يتلقّوا خسارة قاسية، وهذا الأداء رفع سقف التّوقعات في تحقيق نتيجة إيجابية أمام روسيا خاصّة مع عودة صلاح الّذي لم يشارك في المباراة الأولى، لكن خمسة عشر دقيقة من عدم التّركيز كانت كافية ليخرج الفريق المصري خاسرًا بثلاثة، ثمّ كانت الخسارة من السّعودية في مباراة تحصيل حاصل، كان من الممكن أن يحقّق فيها المنتخب المصري فوزًا شرفيًّا يرضي به جمهوره. في النّتيجة خرج المصريّون خاليي الوفاض بثلاث هزائم، بانتظار العودة مرّة أخرى إلى المونديال.
غابت السّعودية عن المونديال منذ عام 2006، بعد ان شاركت أربع مرّات متتالية، كان أفضلها الوصول إلى الدّور الثّاني في أميركا 94، في جيلها الذّهبي، بقيادة العويران وسامي الجابر والحارس التّاريخي الدّعيع، بعد ذلك كانت المشاركات الثّلاث التّالية مخيّبة وفي مونديال كوريا واليابان 2002 مني السّعودييون بأكبر هزيمة في تاريخ المونديال الحديث، بخسارتهم 8-0 أمام ألمانيا.
ظنّ الكثيرون أن محمّد صلاح سيحدث الفارق مع مصر في هذه النسخة، لكنّهم قنعوا بعد ذلك بالاكتفاء بإنجاز تأهّل مصر للمونديال
عادت السّعوديّة إلى المونديال بعد ان حقّقت نتائج مميّزة في التّصفيات، بحلولها ثانيةً خلف اليابان في مجموعة ضمّت أستراليا أيضًا. كان التّأهل ثمرة جهودٍ امتدّت على اثني عشر سنة، عندما قرّر المسؤولون عن الكرة العمل لبناء جيل قادر على فعل شيء يسجّل في تاريخهم، فكان الغياب عن مونديالين يبرّره العمل الدّؤوب لبناء هذا الجيل، عادت السّعودية إلى المونديال وكانت الآمال كبيرة، خاصّة على فريق يضمّ مجموعة من اللّاعبين المتمتّعين بالسّرعة والمهارة، المباراة الأولى في المونديال كانت كارثية، خسارة بخمسة وظهر فيها ملامح فريق غير قادر على مجاراة المنتخبات الأخرى، وكأنّ عمل أكثر من عشر سنوات ضاع في مباراة واحدة..!
عمليًا خرج السّعوديّون من المونديال بعد اوّل خسارة، المباراة الثّانية ظهروا فيها بشكل جيّد أمام الأوروغواي، وفي الثّالثة حقّقوا فوزًا معنويًّا على مصر، وهو أوّل فوز يحقّقه السّعوديّون منذ مونديال 94، فكان بمثابة ردّ الاعتبار على الخسارة القاسية في افتتاح المونديال، وربّما يكون هذا الفوز حافزًا في المرّات القادمة.
عام 1986 كان المنتخب المغربي يصنع الحدث عربيًا، في المكسيك، أجمل مونديالٍ في التّاريخ برأي أغلب النّقاد، وصل المغرب إلى الدّور الثّاني بعد تصدّره مجموعة ضمّته إلى جانب البرتغال وانكلترا وبولندا، وخرج بخسارة من ألمانيا في الدور الثاني، وكان المغرب عام 70 قد أعاد العرب إلى المونديال بعد غيابهم لسّتة وثلاثين عامًا. وفي فرنسا 98 كانت مشاركة المغرب إيجابيّة رغم خروجه من الدّور الأوّل بطريقة مشكوك بنزاهتها بعد خسارة البرازيل أمام النّرويج.
وصل المغرب إلى روسيا بعد تصدّره مجموعة قويّة ضمّته مع ساحل العاج والغابون ومالي، لم يدخل في مرماه أيّ هدفْ فكان تأهّله هو الأفضل بين المنتخبات العربية الأربعة، وحلّ في مجموعة قيل أنّها الأصعب، ضمّته مع اسبانيا والبرتغال وإيران، والكثير من المحلّلين توقّعوا ان يحقّق المغرب المفاجأة ويتأهّل إلى الدّور الثّاني. كان أداء المغرب جيّدًا في الدّور الأوّل، رغم خسارته أوّل مبارتين، ولكّنه كان يستحقّ الخروج بنتائج إيجابيّة ونال احترام الجميع، وفي المباراة الثّالثة حقّق تعادلًا شرفيًّا مع إسبانيا، وكان بحسب رأي الكثيرين، المنتخب الوحيد الّذي خرج من الدّور الأول ولم يستحقّ الخروج. يضمّ المغرب الكثير من اللّاعبين المحترفين في الدّوريات الكبرى، بنعطية مع اليوفنتوس وأشرف حكيمي مع ريال مدريد وزيّاش الّذي يعدّ أحد أبرز المواهب الصّاعدة في أووبا، نقصته الخبرة، فمعظم لاعبيه صغار السّن، وكان لديه مشكلة في إنهاء الفرص وفي التّركيز والجدّيّة الّتي غابت عن معظم اللّاعبين، ولكنه قدّم فريقًا يمكن أن يُبنى عليه ليحققّق نتائج إيجابية لاحقًا في إفريقيا ومن الممكن أن نراه في قطر 2022 بشكل أفضل ويحقّق ما عجز أي منتخب عربي على تحقيقه.
في المحصّلة، ولأنّ كرة القدم تعترف بالنّتائج فقط، يمكن أن تُعتبر مشاركة العرب في هذا المونديال سيّئة إلى حدّ كبير، ولكن بالنّظر إلى المجموعات الّتي وقعوا فيها، وبالنّظر إلى غيابهم عن مونديالات سابقة، يعدّ التّأهّل والعودة للمشاركة نتيجة فيها الكثير من الإيجابيّة، الأنظار الآن للمشاركات القادمة، فعدم التّأهل سيعتبر فشلًا ذريعًا، والخروج من الدّور الأوّل حينها بعد مراكمة الخبرات والمشاركات سيكون مخيّبًا، الآن تتوجّه أنظارنا إلى قطر 2022 لنرى هل سيتمكّن منتخبٌ عربيّ من الوصول إلى أبعد من الدّور الثّاني للمرّة الأولى في التّاريخ؟
اقرأ/ي أيضًا:
بعد خروج المغرب الظالم من المونديال.. أسود الأطلس يكسرون الصمت