رسميًا، منحت مصر تأشيرة لكل المشكلات والنزاعات الحدودية على أرضها للعودة تمهيدًا للحل، والحل، وفق ما جرى في تسوية "تيران وصنافير"، لن يكون في صالح القاهرة، أو هكذا توحي السلطة الحالية، بأنها على استعداد للتنازل للمملكة السعودية مقابل "منحة مالية".
بعد أيام من التنازل عن تيران وصنافير، طالب السودان بحلّ عادل لقضية "حلايب وشلاتين"، مهددًا باللجوء للتحكيم الدولي
لكن بعد أيام من التنازل، طالب السودان بحلّ عادل لقضية "حلايب وشلاتين"، مهدِّدًا باللجوء للتحكيم الدولي. ودعا بيان صادر عن الخارجية السودانية مصر إلى الجلوس على مائدة المفاوضات، موضحًا: "التفاوض المباشر لحل القضية أسوة بما تمّ مع السعودية أو اللجوء إلى التحكيم امتثالًا للقوانين والمواثيق الدولية كما حدث في إعادة طابا للسيادة المصرية". وأضاف البيان: "الخارجية السودانية تابعت الحوار المصري السعودي قبل وأثناء وبعد الاتفاق، والاتفاق المبرم يعني السودان لصلته بمنطقتي حلايب وشلاتين وما يجاورهما من شواطئ".
اقرأ/ي أيضًا: تيران وصنافير.. الوقائع والخرائط والتاريخ!
لم يتأخر الرد المصري، خاصة والدولتان تعانيان حالة من "الطلاق السياسي"، نظرًا لقرب الرئيس عمر البشير من الإخوان، إذ أطلّ المتحدث باسم الخارجية المصرية بعد بضع ساعات ببيان، جاء فيه: "حلايب وشلاتين أراضٍ مصرية وتخضع للسيادة المصرية، وليس لدى مصر تعليق إضافي على بيان الخارجية السودانية".
وما بين ما تسوقه "الخرطوم" للدلالة على تبعية "حلايب وشلاتين" لها، أن السودان أودع مجلس الأمن الدولي منذ 1958 مذكرة تؤكد حقه السيادي، وترجع الوثيقة والخرائط المرفقة بها إلى تاريخ استقلاله عن الحكم الثنائي (البريطاني-المصري).
وفقًا لما صرح به مصدر دبلوماسي سوداني لـ"الترا صوت"، فإن السودان لا يفضّل صيغة "التحكيم الدولي"، فالنظام السوداني سيرحِّب أكثر بالمفاوضات بين البلدين، معتبرًا "الروابط التاريخية" سببًا كافيًا لحل القضية بشكل ودي. وأضاف: "السودان متمسك بأن حلايب وشلاتين تراب سوداني، بنفس قدر تمسّك الجانب المصري بهما".
وأشار المصدر السوداني، الذي اشترط عدم الكشف عن اسمه، إلى أن بيان الخارجية السودانية جاء نتيجة مستجدات الأمر في اتفاقية ترسيم الحدود بين مصر والسعودية بعد خضوع تيران وصنافير للسيادة المصرية لأكثر من 60 عامًا، وهو ما يعني أن "القاهرة" على استعداد للتنازل عن جزء من الأرض الآن.
اقرأ/ي أيضًا: تيران وصنافير.. من المستفيد؟
وجاء ردّ الفعل الرسميّ السوداني حيال قضية "حلايب وشلاتين" كأحد تبعات حملة صحفية انطلقت في الخرطوم استهدفت "صمت الحكومة" على تصريح السفير السعودي بالقاهرة، أحمد القطان، بأن "حلايب وشلاتين مصريتان تحت الإدارة السودانية".
كانت الحكومة السودانية تجدد شكواها كل عام بشأن استحواذ مصر على "حلايب وشلاتين" لإثبات ملكيتها للمنطقة الحدودية، ملوّحة باللجوء للتحكيم الدولي، وتكتفي القاهرة بردّ رسمي يؤكد تبعية مثلث "حلايب وبجاية وشلاتين" لها، ويتكرَّر الأمر كمناسبة سنوية روتينية، إلا أنه هذه المرة بدأ يأخذ شكلًا آخر بسبب التنازل عن "تيران وصنافير".
تتكرر مطالبة السودان بـ"حلايب وشلاتين" سنويًا واعتادت القاهرة أن ترد بتبعية مثلث "حلايب وبجاية وشلاتين" لها
وفي ردّ فعلٍ داخلي بالقاهرة، كشفت مصادر بوزارة التعليم لـ"الترا صوت" أن الوزارة ستتخذ إجراءات شكلية تثبت، لدى الطلاب، أن "حلايب وشلاتين "مصرية، وستطبع جميع الكتب الدراسية وهي تحمل مرسومة عليها خريطة مصر، وبها "المثلث" المختلف حوله.
ويملك الجانبان، المصري والسوداني، أدلة على تبعية "حلايب وشلاتين" لهما. مصر تستند إلى اتفاقية ترسيم الحدود السياسية الموقّعة عام 1899، وحددت خط عرض 22 كخط فاصل لحدودها الجنوبية بما يشمل منطقة النزاع. أما السودان فيستند إلى قرار 1902 بالاتفاق بين بريطانيا ومصر، وهو القرار الذي ظلّ ساريًا حتى 1958 دون أي اعتراض من الجانب المصري. ويضع الدبلوماسيون المصريون عدة سيناريوهات للتعامل على "خط المواجهة".
الأول، أن "انتفاضة الخرطوم" رسالة للداخل السوداني لتهدئة الأوضاع وليس الخارج، وشدّد سفير مصر الأسبق بالسودان، محمد الشاذلي، على أن اللجوء للتحكيم الدولي لن يكون في صالح الأشقاء، حسب قوله في تصريحات صحفية. وأضاف: "الدبلوماسية المصرية ستتوصل لحل يرضي الجانب السوداني، من خلال العلاقات الجيدة التي تجمع البلدين، وهو السيناريو المتوقع الثاني".
السيناريو الثالث، وفي حالة لجوء السودان للتحكيم الدولي، وفق ما يرى "الشاذلي"، سيبقي الوضع على ما هو عليه دون أي تقدم مع اعتبارها منطقة تكامل بين البلدين، كما يجري مع الشكاوى السنوية المقدّمة من حكومة "الخرطوم".
اقرأ/ي أيضًا: