في عام 2014، وضمن مبادرة "معتز ورادا الصوّاف للشرائط المصوّرة في الجامعة الأمريكية في بيروت"، انطلقت "جائزة محمود كحيل"، حاملةً ضمن برنامجها هدفان أساسيّان يُدرك القيّمون على الجائزة ضرورة توفّرهما اليوم في العالم العربيّ.
تسعى جائزة محمود كحيل إلى تعزيز الشرائط المصوّرة والكاريكاتير الصحفي والرسوم في العالم العربيّ
يحرص الهدف الأوّل على تكريم وتخليد التراث الفنّان الراحل محمود كحيل، أبرز رسّامي الكاريكاتير في العالم العربيّ في عصره. بينما يسعى الثاني إلى تعزيز الشرائط المصوّرة والكاريكاتير الصحفي والرسوم في العالم العربيّ، من خلال برنامجٍ وضع نصب عينيه إبراز مواهب وإنجازات رسّامي الشرائط المصوّرة والكاريكاتير العرب، لا سيما وأنّ الاهتمام بهذه الحقول صُرف منذ وقتٍ طويل، وباتت عرضةً للإهمال المستمر، لا سيما على صعيد نشاطاتٍ كهذه، تقدّر وتحتفي بالفنّانين.
اقرأ/ي أيضًا: أمجد ناصر وكمال بلاطة وصنع الله إبراهيم.. مكرمو جائزة محمود درويش
يوم الإثنين 11 أذار/ مارس الجاري، عقد القيّمون على "جائزة محمود كحيل" مؤتمرًا صحفيًا في متحف "بيت بيروت" في منطقة السوديكو، افتتحتهُ السيّدة رادا الصوّاف، وتلاه الإعلان عن أسماء الفائزين بالجائزة لدورة هذا العام، 2019، بالفئات الـ 5 التالية:
- "فئة الكاريكاتير السياسي"، 10 آلاف دولار أمريكيّ. هي الفئة الأبرز بين بقيّة فئات الجائزة. ذهبت هذا العام لرسّام الكاريكاتير الأردنيّ من أصول فلسطينية محمد عفيفة.
- "فئة الروايات التصويرية"، 10 آلاف دولار أمريكيّ. مُنحت هذا العام لكتاب "توينز كارتون" (Twins Cartoon)، للمصريَين هيثم ومحمد السحت الذين اتّخذا من "توينز كارتون" اسمًا مستعارًا لهما. والفّانانان من المساهمين في تأسيس "مهرجان كايرو كوميكس". وعملا بشكلٍ منفرد على تأسيس "كوكب الرسّامين"، ومن بعده مجلّة "جراج" للقصص المصوّرة. مثّلا أيضًا الكوميكس العربيّ في مهرجان "ديزاين اندبا" في جنوب افريقيا. ووضعا بصمتهما في كتابٍ جماعي أطلق عام 2017 في معرض فرانكفورت الدولي للكتاب، تمحور حول قضية الهجرة غير الشرعية.
- "فئة الشرائط المصوّرة"، 6 آلاف دولار أمريكيّ. نالها لدورة هذا العام مصمم الغرافيك الجزائري كمال زاكور، صاحب التجربة والخبرة الطويلتين في مجال الإعلان والعمل في تصميم الأغلفة في دور النشر. وكذلك في القصص المصوّرة، حيث ساهم في كتاب قصص مصوّرة تحت عنوان "وحوش"، صدر عام 2011، وجاء نتيجة عمل مشترك بينه وبين المؤلّف البلجيكي إيتين شريدير. متفرّغ للرسم والقصص المصوّرة منذ عام 2012، ويعمل بشكلٍ مستقلٍّ ضمن هذين الحقلين.
- "فئة الرسوم التصويرية والتعبيرية"، 5 آلاف دولار أمريكيّ. انتزعتها هذا العام الفنّانة اللبنانية ساندرا غضن المقيمة في العاصمة اللبنانية باريس منذ 2017. صدر كتابها الأوّل عن دار "Les Crocs Électriques" عام 2016. ولها مجموعة كبيرة من الأعمال الفردية والجماعية المنشورة في عددٍ من المجلّات والمنشورات المحلية والعالمية.
- "فئة رسوم كتب الأطفال"، 5 دولار أمريكيّ. حصدها الفنّان المصريّ هاني صالح الذي يعمل في مجال تصميم الغرافيك. أنجز مجموعة من الرسومات للعديد من كتب الأطفال. وساهم أيضًا على الصعيد العربيّ في حقل الكاريكاتور والقصص المصوّرة وتصميم أغلفة الكتب.
إضافةً إلى ما سبق، تمنح "جائزة محمود كحيل" جائزتين فخريتين وتقديريتين، تذهب الأولى لمن أمضى ربع قرنٍ أو أكثر في خدمة فنون الشرائط المصوّرة والرسوم التعبيرية والكاريكاتير السياسيّ، وتحمل اسم "جائزة قاعة المشاهير لإنجازات العمر"، مُنحت هذا العام للفنّان المصريّ حلمي التوني. بينما تستهدف الثانية من يدعمون الشرائط المصوّرة والرسوم الكاريكاتورية في العالم العربيّ على نطاق واسع، أي المساهمون في التراث الثقافي للمنطقة العربية. وتأتي الجائزة تحت اسم "جائزة راعي القصص المصوّرة العربية"، مُنحت هذا العام لمجلة "سمندل" اللبنانية.
على صعيد لجنة التحكيم لدورة هذا العام، فقد ضمّت كلٍّ من رسّام الكاريكاتير البريطانيّ في جريدة "الغارديان" ستيف بل، ومؤسّسة دار "ألفباتا" المتخصّصة في ترجمة كتب الشرائط المصوّرة العربية إلى اللغات الأوروبية سيمونا غابرييل، والفنّان اللبنانيّ مازن كرباج، ورسّام الكاريكاتور التونسيّ الشاذلي بلخمسة، والناقد اللبنانيّ جورج خوري، والرسّامة والمصمّمة جوان باز.
التقى "ألترا صوت" الفنّان الأردني-الفلسطينيّ محمد عفيفة، الفائز بالجائزة عن فئة "الكاريكاتير السياسيّ" عقب الإعلان عن أسماء الفائزين. استهلّ عفيفة حديثه بالعودة إلى ما يُمكن وصفه بسنوات الشتات أو البحث لا عن انتماء ثابت، بل عن إقامة ثابتة، باعتبارها جزءًا من العوامل التي صنعت منه فيما بعد رسّامًا كاريكاتيريًا. فعفيفة فلسطينيّ من أبوين فلسطينيّين. ولد في المملكة العربية السعودية، وعاش حياته كاملةً في المملكة الأردنية الهاشمية. "أنا فلسطينيّ، ولكنّني وعائلتي لا نحمل أوراقًا تدلّ على هويّتنا الفلسطينية. وبالتالي أنا، قانونيًا، أردنيّ" يقول.
من الحديث عن مسقط الرأس ومكان الولادة، ينتقل محمد عفيفة للحديث عن بداياته في مجال رسم الكاريكاتير. يقول: "دخلت هذا المجال في سن العشرين. كانت محاولاتي الأولى، ولم تنجح آنذاك. ومن الممكن القول إن نقطة التحوّل الفاصلة أو الفارقة كانت عام 2004، حينما زرت سوريا، وانصدمت آنذاك مما رأيته. أدركت حينها الفرق بين ما يُقال وبين ما يُرى بالعين المجرّدة. فالحقيقة كانت أنّ النظام السوريّ نظام دكتاتوري وظالم. ومن وحي هذه الصدمة، عُدت إلى عمّان لأفتتح أوّل معرض كاريكاتير فرديّ لي في الأردن. وتلا ذلك المعرض محاولات أكبر وأكثر جديّة لأتمكّن من هذه الفن".
محمد عفيفة: أترك للمتلقي العثور على الإجابات داخل العمل بمفرده، وهذا طبعًا مشتّق من التشكيل
الكاريكاتير عند محمد عفيفة مُطعّم بالفن التشكيليّ، أو بعض عناصر الفن الأخير، بحسب حديثه لـ "ألترا صوت". فهو يتجنّب صراحةً الانحيازات السياسية في عمله، بحيث لا يصنّف ضمن أي موقع، أو يُحسب على معسكرٍ دون الآخر، دون أن يعني ذلك أنّ لا موقف سياسيّ للفنّان الفلسطينيّ. "أنا لا أعبّر صراحةً عن موقفي السياسيّ فن أعمالي بشكلٍ مباشر، وإنّما بأسلوبٍ مباشر، بحيث أترك للمتفرّج مهمّة تقرير أو تفسير ما يراه، والعثور على الإجابات داخل العمل بمفرده، وهذا طبعًا مشتّق من التشكيل".
اقرأ/ي أيضًا: "أكوان" معرض بسّام كيرلس.. الحرب ذاكرة المباني
ينهي محمد عفيفة حديثه مشدّدًا على أهمية وضرورة وجود جائزة محمود كحيل في الوقت الراهن عربيًا. فالجائزة تخدم الرسّامين العرب، وتقدّم لهم الدعم المادّي والمعنويّ في آن معًا. إنّها، بحسب قوله، جزء من تطوّر الفن التصويريّ والعمل على نشره في العالم العربيّ.
اقرأ/ي أيضًا: