وقع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، قانون "قيصر" الذي يقضي بفرض عقوبات على النظام السوري وداعميه، بسبب جرائم الحرب التي ارتكبوها في البلاد، وسط أزمة اقتصادية حادة يعيشها النظام، سيزيدها القانون وتمنعه من الحصول على موارد مالية لدعم عملياته العسكرية، في وقت يعاني حلفاؤه الروس والإيرانيون من عقوبات وأزمات اقتصادية.
عقب توقيع قانون "قيصر" انخفضت الليرة السورية أمام الدولار الأمريكي مجددًا لتسجل 900 ليرة للدولار الواحد، كما أعلن النظام إغلاق عدد من مراكز تحويل الأموال إلى سوريا
ودخل القانون ضمن مشروع قانون الموازنة الدفاعية الأمريكية لعام 2020، بحجم 738 مليار دولار، التي أقرّها مجلس الشيوخ، الثلاثاء الماضي، بعد أسابيع من المفاوضات. وسيتيح القانون المذكور إمكانية تحميل النظام السوري مسؤولية جرائم الحرب التي ارتكبها خلال 8 أعوام. كما يجيز فرض عقوبات إضافية وقيود مالية خلال 6 أشهر، على المؤسسات والأفراد الذين يتعاملون تجاريًا مع النظام.
ويفسح القانون المجال أمام فرض عقوبات على المرتزقة الأجانب القادمين من روسيا وإيران، وشخصيات عسكرية ومدنية رفيعة لدى النظام، بما في ذلك رئيسه بشار الأسد.
اقرأ/ي أيضًا: قانون "قيصر" الأمريكي.. هل يلُف حبل المشنقة حول رقبة الأسد؟
ماذا يعني القانون؟
أوضح مايك بومبيو وزير الخارجية الأمريكية في بيان، أن "قانون قيصر يوفر للولايات المتحدة أدوات للمساعدة في إنهاء الصراع الرهيب والمستمر في سوريا من خلال تعزيز المساءلة على نظام الأسد. كما أنه يحاسب المسؤولين عن موت المدنيين على نطاق واسع وعن الفظائع العديدة بما في ذلك استخدام الأسلحة الكيميائية وغيرها من الأسلحة الهمجية. وينص القانون على فرض عقوبات وقيود على من يقدمون الدعم لأعضاء نظام الأسد، بالإضافة إلى العناصر التمكينية السورية والدولية التي كانت مسؤولة، أو متواطئة في انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان في سوريا".
كما يضيف أن القانون "يسعى إلى حرمان نظام الأسد من الموارد المالية المستخدمة في تأجيج حملة العنف والتدمير التي أودت بحياة مئات الآلاف من المدنيين. يرسل قانون قيصر إشارة واضحة مفادها أنه لا ينبغي لأي ممثل خارجي الدخول في أعمال مع أو إثراء مثل هذا النظام".
وأضاف بومبيو أن ترامب اتخذ خطوة مهمة بتوقيعه القانون، من أجل تحميل الأسد ونظامه مسؤولية المجازر التي ارتكبها في سوريا. وذكر بيان الوزير أن قيصر "خاطر بحياته لتهريب الآلاف من الصور التي توثق تعذيب وقتل السجناء داخل سجون نظام الأسد إلى خارج سوريا. ورسّخَ حياته للبحث عن العدالة لأولئك الذين يعانون من وحشية نظام الأسد. هذا القانون الجديد يجعلنا أقرب إلى فعل ذلك".
ويلفت مراقبون إلى أن قانون قيصر قانون أمريكي وطني، بمعنى أنه مُلزم لكل الوزارات والمؤسسات والمواطنين الأمريكيين للعمل وفق بنوده، وسيحاسب ويلاحق أي مواطن أمريكي ، أو أمريكي من أصول سورية يدعم أو على صلة بنظام الأسد. ومن ناحية تاريخية، قلما تحولت قضية خارجية، إلى قضية قانونية داخلية أمريكية، وهذه إحدى نقاط قوة قانون قيصر.
تأثير قانون قيصر على النظام
عقب توقيع قانون "قيصر" انخفضت الليرة السورية أمام الدولار الأمريكي مجددًا لتسجل 900 ليرة للدولار الواحد، كما أعلن النظام إغلاق عدد من مراكز تحويل الأموال إلى سوريا والتي اعتمد عليها السوريون في تركيا وأوروبا لإرسال الأموال إلى ذويهم في مناطق سيطرة النظام,
وأغلقت "هيئة مكافحة غسيل الأموال" في سوريا، عشرات المكاتب التابعة لشركات التحويلات المالية، وأبرزها آراك وإرسال والحافظ، مع ختم بعض الفروع في مدينة دمشق بالشمع الأحمر، لصالح مصرف سوريا المركزي. وأبقى المركزي في دمشق، على مكتب واحد لكل شركة، لإنهاء الحوالات العالقة، تمهيدًا لإغلاقها بشكل كامل بعد تسليم الزبائن حوالاتهم. وبحسب صحيفة المدن الإلكترونية، فإن الفروع المُغلقة علّقت على أبوابها اعتذارات للزبائن، بسبب توقف الحوالات المالية داخل سوريا بشكل نهائي، وذلك بتوجيهات من المصرف المركزي.
ونشر مصرف سوريا المركزي توضيحًا منقولًا عن "هيئة مكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب"، في "فيسبوك"، قائلًا إن "الهيئة وبالتنسيق مع الضابطة العدلية المركزية في المركزي، اتخذت مجموعة من الإجراءات بحق بعض الفروع الخاصة بشركات الحوالات المالية الداخلية، وصلت إلى حد الإغلاق". وأضاف أن "هذه الإجراءات جاءت نتيجة توفر معلومات ومعطيات تفيد بتورط هذه الفروع في تنفيذ حوالات خارجية غير مرخص لها القيام بها ومجهولة المصدر، بشكل يخالف القوانين والأنظمة النافذة وينطوي على مخاطر غسيل الأموال وتمويل الإرهاب". و"بناء على نتائج التحقيقات، سيجري إحالة الشركات إلى القضاء المختص أو السماح لها بإعادة تقديم خدماتها في حال ثبوت عدم تورطها".
ووجهت "هيئة مكافحة غسيل الأموال"، عبر المصرف المركزي، نداءً إلى "المواطنين للإبلاغ عن استلامهم أي حوالة خارجية عبر تلك الشركات الداخلية التي تم اتخاذ إجراءات بحقها، كونه مخالف للقانون وضار بالاقتصاد الوطني".
وتزامنت عمليات الإغلاق مع استدعاء فروع أمنية تتبع لـ"أمن الدولة" لمئات المواطنين، للتحقيق معهم بشكل "روتيني"، حول الحوالات الداخلية التي تلقوها مؤخرًا بمبالغ تجاوزت مليون ليرة سورية، والتأكد من صحة المعلومات حول المُرسل والمستفيد، ونوعية الحوالة والحاجة منها، ولم يُسجّل أي اعتقالات بحسب المدن.
من هو قيصر؟
أطلق لقب "قيصر" على عسكري سوري سابق انشق عن النظام وسرّب عشرات آلاف الصور لضحايا التعذيب من المدنيين السوريين، اعتمدت عليها لجنة التحقيق الدولية المكلفة ببحث جرائم الحرب في سوريا لإثبات وقوع فظاعات على يد النظام السوري.
عمل "القيصر" مجندًا بجيش النظام وكان مكلفًا بالتقاط صور في الأماكن التي جرت فيها جرائم مدنية. ومنذ اندلاع الثورة السورية في آذار/مارس 2011، كلف بتصوير جثث المدنيين من ضحايا التعذيب والقتل على يد النظام السوري. واستطاع تهريب 55 ألف صورة لجثث معتقلين قتلوا تحت للتعذيب، بمعدل أربع صورة لكل جثة.
كيف تمت الموافقة على القانون؟
صادق مجلس النواب الأمريكي في تشرين الثاني/نوفمبر 2016 بأغلبية ساحقة على مشروعي قانون يفرض أحدهما إجراءات صارمة على داعمي النظام ماليًا أو عينيًا أو تكنولوجيًا، إلا أنه لاقى عقبات لإقراره، بسبب معارضة السيناتور راند بول، ودخل القانون في دورة تشريعية جديدة مع بداية العام 2018، وأعيد التصويت عليه من جديد وفق القوانين الأمريكية. لكن السناتور الجمهوري راند بول أوقف التصويت على القانون في كانون الأول/ديسمبر من العام 2018، وذلك بموجب إجراءات "الموافقة بالإجماع" التي تسمح لمشرّع واحد بمنع التصويت على مشروع قانون لأسباب روتينية وفقًا لصحيفة "وول ستريت" الأمريكية.
السيناتور الذي أعاق القانون في اللحظات الأخيرة، له تاريخ طويل في رفض تدخل الولايات المتحدة في سوريا ضد الأسد، فضلًا عن مطالبته المستمرة بالتقارب مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
ومررت لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الأمريكي بداية العام الجاري مشروع قانون قيصر لعام 2019، وحسب ما قالت مصادر على صلة بـ"الكونغرس" لـ"تلفزيون سوريا"، فإن مشروع القانون لم يحصل على الدعم الكامل من أجل التصويت عليه بشكل منفصل حيث كانت هناك مخاوف من اعتراضات من قبل بعض الأعضاء مثل السيناتور الجمهوري عن ولاية كنتاكي راند بول، مما استدعى فكرة ربط قانون قيصر بمشروع قانون يحظى بموافقة الحزبين.
وسبق أن فشل القانون في الحصول على التصويت المطلوب لمرات متتالية في عهد الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما لكنّه عاد ولقي الزخم والدفع المطلوبين بسبب جهود الجالية السورية في أمريكا، وبعد وصول الرئيس دونالد ترامب إلى البيت الأبيض.
اقرأ/ي أيضًا: معارك إدلب.. هل تطلق مسارًا بديلًا لأستانا؟
وبعد ربطه بقانون ميزانية وزارة الدفاع الأمريكية، وتوافق عدد من قادة وأعضاء الكونغرس من الحزبين الجمهوري والديموقراطي على مشروع قانون الميزانية مع كل إضافاتها بما فيها قانون قيصر، أبصر القانون النور في ظرف أسبوع حيث تم التصويت على قانون الميزانية الثلاثاء الماضي.
منظمات سوريّة أمريكية وناشطون بذلوا جهودًا كبيرة في الـ48 ساعة التي سبقت موافقة قادة في الكونغرس على عملية الربط هذه، بعد أن وصلوا إلى قناعة أنه لا يمكن التصويت على القانون بشكل منفصل بسبب الاعتراضات المحتملة والمتوقعة من قبل بعض أعضاء مجلس الشيوخ كما حصل في المرات السابقة.
وكشفت مصادر على صلة بتطورات الساعات الأخيرة المتعلقة بالقانون وتوافق الحزبين على ضمه إلى قانون ميزانية وزارة الدفاع، أن عشرة أعضاء من الحزبين وافقوا في بادئ الأمر على إضافة القانون إلى قانون الميزانية وكان هناك ضرورة لأن توافق رئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي وزعيم الأقلية الديموقراطية في مجلس الشيوخ السناتور تشاك شومر، ما استدعى حملة اتصالات مكثفة من قبل أعضاء الجالية السورية ومن مختلف الولايات مع أعضاء في الكونغرس من أجل حث بيلوسي وشومر على التوقيع.
عقب إقرار القانون قال "قيصر" لشبكة سي إن إن: "أريد أن أقول للشعب السوري الشجاع ، لا تفقد الأمل، والحقيقة والعدالة سوف تسود دائمًا ، مهما طال الظلام في سوريا"
وعقب إقرار القانون قال "قيصر" لشبكة سي إن إن: "أريد أن أقول للشعب السوري الشجاع ، لا تفقد الأمل، والحقيقة والعدالة سوف تسود دائمًا ، مهما طال الظلام في سوريا، فلن نتوقف عن العمل حتى يأتي النور، القتل والتعذيب في سوريا سينتهيان وسيكون لدينا حريتنا وديمقراطيتنا ذات يوم".
اقرأ/ي أيضًا:
خرائط موسكو في ملف "إعادة إعمار" سوريا.. هنا طهران بعيدًا عن الجولان
الاستيطان الطائفي من لبنان والعراق.. خطة إيران لشقلبة ديموغرافية سوري