نشر موقع "إنسايدر" الأمريكي مقالًا للكاتبة كيم رنفرو، حول جورج ر. ر. مارتن، مؤلف "صراع العروش"، وأسلوبه في الكتابة الذي يشبه إلى حدّ كبير أسلوب البستانيّ، حيث يعمل بدون خطط مسبقة. هنا الترجمة العربية للمقال.
جورج ر. ر. مارتن أكثر من مجرد العقل الذي يقف وراء "صراع العروش". هو أيضًا محرر، وكاتب سابق للتلفزيون، وروائي لا نظير لعمق جهوده عندما يتعلق الأمر بالنذر وتطور الشخصية في الكتابة المعاصرة. لكن مارتن هو أيضًا كاتب يكتب بالوتيرة الخاصة به، ولديه تاريخٌ يعترف به من المشكلات مع المواعيد النهائية. انتظر محبو سلسلته الروائية الفانتازية "أغنية الجليد والنار" منذ تموز/يوليو 2011 الكتاب التالي في السلسلة، والسؤال الذي يدور في عقول الكثير من القراء الذين يزداد نفاد صبرهم بسيط: ما الذي يستغرق كل ذلك الوقت؟
جورج ر. ر. مارتن هو أكثر من مجرد العقل الذي يقف وراء "صراع العروش"
تواصل موقع "إنسايدر" مع اثنين من الأشخاص الذين يعرفون مارتن وعمله تمام المعرفة لمحاولة الإجابة على السؤال وللحصول على فهمٍ أفضل لأسلوب مارتن وسلوكياته في الكتابة.
اقرأ/ي أيضًا: صراع العروش.. حين يضعك الإبداع في مأزق
شارك إليو جارسيا وليندا أنتونسن مع مارتن في تأليف كتابٍ ضخم يدعى "عالم الجليد والنار" (والمنشور عام 2014). يعد ذلك الكتاب نوعًا من الموسوعة وكتابًا لتاريخ العالم الذي تشغله سلسلة مارتن "أغنية الجليد والنار". تواصل إليو وليندا مع مارتن لأول مرة في أواخر التسعينيات، بعد أن أصبحا متيمين بعمله وأرادا صنع لعبة فيديو على الإنترنت تقوم على عالم "أغنية الجليد والنار". من هنا، تواصل مارتن ومعجبَاه بنوعٍ من الانتظام بشأن سلسلة كتبه التي تدور أحداثها في ويستروس.
بمرور الوقت أصبح إليو وليندا أكثر من مجرد معجبين – بحلول عام 2004، وثق مارتن في معرفتهم بالسلسلة بما يكفي لدعوتهم إلى المشاركة في تأليف "عالم الجليد والنار". في العقود التي تلت تواصلهما الأول معه، طور إليو وليندا فهمًا حميمًا لكتابات مارتن ومقاربته الشخصية لمشاريعه.
"أسلوب البستنة" في كتابة مارتن
النظر إلى كيفية شرح مارتن لعملية الكتابة الخاصة به في الماضي يمكن أن يساعدنا في فهم ما الذي قد يكون يحدث فيما يتعلق بـ"رياح الشتاء". "أعتقد أن هناك نوعين من الكتاب، المعماريين والبستانيين"، قال مارتن في مقابلةٍ مع صحيفة الغارديان عام 2011. "يخطط المعماريون لكل شيء قبل أوانه، مثلَ معماريٍّ يبني منزلًا. هم يعلمون كم عدد الغرف التي ستكون في المنزل، وما هو نوع السقف الذي سيقومون ببنائه، وأين ستمر الأسلاك، وما نوع أعمال السباكة التي ستتم. الأمر لديهم مصممٌ بالكامل ومخططٌ له قبل أن يقوموا حتى بدق أول مسمار".
ج. ك. رولنغ هي مثالٌ جيد للكاتب المعماري. قضت رولنغ ثلاث سنوات على الأقل تصوغ مسار المخطط الرئيسي لكتب هاري بوتر السبعة بالكامل، قبل أن تبدأ بكتابة "حجر الفيلسوف" الصادر عام 1997. مارتن، من جهةٍ أخرى، هو بستاني. "يحفر البستانيون حفرة، ويرمون بذرة ويروونها"، صرح مارتن لـ "الغارديان": "إنهم يعلمون بقدرٍ ما نوع البذرة، هم يعلمون إذا كانوا قد زرعوا بذرة فانتازيا أو بذرة غموض أو أيًا كان. ولكن مع نمو النبات وريه، هم لا يعلمون كم عدد الأغصان التي سوف تكون لديه، حيث يكتشفون ذلك مع نموه".
تعني العملية الإبداعية أن الأمر يستغرق وقتًا أطول كي تخرج روايات مارتن إلى النور، والتي يصل بعضها إلى 1,500 صفحة.
التخطيط يعوق التقدم
ذلك الأسلوب القائم على تفادي التخطيط ليس فقط تفضيلًا لمارتن، وإنما هو جوهر كيف تأتي شخصياته إلى الحياة. إذا خطط لقصةٍ ما، فإنه يمكن أحيانًا أن يخسر كل دافعٍ لإكمالها إلى قصةٍ كاملة. عندما قدم الاقتراح الأصلي لكتب "أغنية الجليد والنار"، جعل مارتن عمليته واضحة.
جلب "صراع العروش" مستوىً غير مسبوق من الانتباه والنجاح لكتابات مارتن
"كما تعلم، أنا لا أخطط لرواياتي"، كتب مارتن إلى ناشره عام 1993. "أجد أنه إذا كنت أعلم بالضبط إلى أين يتجه كتابٌ ما، فإنني أفقد كل الاهتمام بكتابته. لكنني لدي فكرةٌ قوية عن البنية الكلية للقصة التي أرويها، والمصير النهائي للعديد من الشخصيات الرئيسية في العمل الدرامي".
اقرأ/ي أيضًا: الإسلام وجون سنو: أغنية من نار وفراشات
خلال محادثة موقع إنسايدر مع إليو وليندا، ظهرت هذه الاستراتيجية مجددًا. "إنه يشعر أنه بمجرد أن قام بالتخطيط للقصة، بمجرد أن استكشف جميع تفاصيل القصة، جميع مفاجآتها، فإنه لا يمكنه العودة إليها مجددًا"، صرحت ليندا لإنسايدر. "يمكنه وضع ملاحظات عامة حول الشخصيات، لكن بمجرد أن يحول كل ذلك إلى قصةٍ متماسكة، فإنه يقول "لقد أنجزتها، لا يمكنني العودة إليها لأنني سوف أملّ". إنه يختبر القصة بينما يكتبها وهو يرغب في أن يكون قادرًا على مفاجأة نفسه إلى حدٍ ما أو الحصول على أفكارٍ جديدة خلال الطريق".
قاد أسلوب البستنة الخاص بمارتن إلى كتابة تعقيدٍ واحد على الأقل في الماضي، وهو ما عنى تأجيل نشر كتابه الخامس "رقصة مع التنانين". أطلق مارتن على مشكلة الحبكة "عقدة الميرينيز"، وقال إن تقاربًا للشخصيات قاد إلى تشابكٍ لخطوط القصص وجد معاناةً في حله.
جمع أحد مديري قسم "أغنية الجليد والنار" على موقع ريديت، ويدعى BryndenBFish، تحليلًا دقيقًا لـ"عقدة الميرينيز". تجعل مجموعة تعليقات مارتن من الواضح أن الافتقار إلى مخطط عنى قضاء المزيد من الوقت في كتابة وإعادة كتابة الفصول عدة مرات قبل أن يجد طريقة لتحريك جميع السرديات إلى الأمام في الخط الزمني.
عامل "صراع العروش"
قد تكون "بستنة" مارتن مسؤولة جزئيًا عن الوقت المستغرق في كتابة "رياح الشتاء"، لكننا لا نعتقد أنها تشرح كل شيء. هناك أيضًا نسخة HBO التي لا ينبغي تجاهلها. عُرض "صراع العروش" للمرة الأولى في نيسان/أبريل 2011، قبل ثلاثة أشهر من صدور الكتاب الأخير "رقصة مع التنانين". لذا فإنه طوال عرض "صراع العروش" لم يكمل مارتن كتابه التالي. ذلك مفهوم بالنظر إلى التحول الكامل في خبرات مارتن اليومية. جلب "صراع العروش" مستوىً غير مسبوق من الانتباه والنجاح لكتاباته، وأصبح مارتن أكثر انشغالًا بكثير عما كان سابقًا عندما كان يحاول كتابة أجزاء سلسلة "أغنية الجليد والنار".
"مع زيادة تعقيد الكتب، أصبح هناك أيضًا طلبًا متزايدًا على وقته"، قالت ليندا. "بوجود الانتباه الناتج عن شهرة "صراع العروش" وجميع تلك الأشياء الأخرى، من المؤكد أنه أصبح أكثر انشغالًا". ورغم أن إليو وليندا ليس لهما علاقة بشركة HBO أو "صراع العروش" إلا أنهما عرضا بعض الآراء الخارجية بشأن كيف قد تكون علاقة مارتن بين كتابه والمسلسل التلفزيوني قد تغيرت على مدار السنوات الست الماضية. أخبر إليو إنسايدر بأن المرة الأخيرة التي يرجح أن مارتن قابل فيها أحد كتاب "صراع العروش" أو عددًا منهم كانت عشية الموسم الرابع. "لقد حصلوا بالأساس على مخططه للمسارات الرئيسية للشخصيات الهامة حتى النهاية"، قال إليو.
جورج مارتن: كتابة سيناريو للموسم السادس كانت لتكلفني عمل شهر على رواية "رياح الشتاء"
لكن يبدو أن مارتن قد أصبح أكثر ابتعادًا عن "صراع العروش" في العامين الماضيين. في المواسم الأربعة الأولى، كتب مارتن حلقة واحدة في كل موسم. لكن في أيار/مايو 2015، قال مارتن إنه سوف يمتنع عن كتابة السيناريو من أجل التركيز على "رياح الشتاء".
اقرأ/ي أيضًا: بيتر دنكليج.. لا أعرّف نفسي بناء على حجمي
"تستغرق مني كتابة السيناريو ثلاثة أسابيع، على الأقل، وأكثر من ذلك عندما لا تكون نقلًا مباشرًا من الروايات"، كتب مارتن على مدونته. "كتابة سيناريو للموسم السادس كانت لتكلفني عمل شهر على "رياح الشتاء"، وربما ما يصل إلى ستة أسابيع، ولا يمكنني تحمل ذلك. مع وجود ديفيد بينوف ود. ب. ويز وبريان كوجمان، فإن مهمة كتابة سيناريو الموسم السادس ينبغي تغطيتها على نحوٍ جيد. من الأفضل تكريس طاقاتي لـ"رياح الشتاء".
حيث إنه لم يعد يكتب سيناريوهات لـ"صراع العروش"، وحيث إن القائمين على المسلسل قد يكون لديهم بالفعل جميع المعلومات التي يحتاجونها لإكمال السلسلة بطريقتهم، فمن غير الواضح مدى ارتباط مارتن بالمسلسل في الوقت الحالي. لكن ليس هناك شك في أن وجود المسلسل قد غير إلى الأبد "أغنية الجليد والنار". يبدو الآن من المحتم أن "صراع العروش" سوف يصل إلى نهاية -كاشفًا عن النهاية التي خطط لها مارتن للسلسلة- قبل أن يحصل معجبوه على فرصةٍ لقراءتها بكلمات مارتن ذاته.
"إنه سعيدٌ للغاية بالمسلسل والقائمين عليه والشعبية التي جلبها إلى السلسلة"، قالت ليندا. "إنه يحب من يعملون عليه، إنه معجبٌ حقًا به... في نفس الوقت أعتقد أن هناك نوعًا من "لو أن". مثل لو أن HBO قد استغرقت وقتًا أطول بقليل فقد كان من المحتمل أن يلحق بهم". تجاوز المسلسل القصة المروية في كتب "أغنية الجليد والنار" عندما أذيع الموسم السادس عام 2016.
كانت المرة الأخيرة التي يطلع مارتن فيها المعجبين على التطورات في كانون الثاني/يناير 2017، حيث قال إنه يعتقد أن "رياح الشتاء" قد يتم نشرها خلال عام. مع كون الموسم السابع مخطط بثه هذا الصيف، فإن ذلك يعني أنه من المرجح حرق المزيد من الأحداث لقارئي الكتب (على افتراض عدم نشر "رياح الشتاء" قبل ذلك الوقت).
الشخص الوحيد الذي يعلم ويفهم النطاق الكامل لما يحدث في سلسلته هو مارتن
يتفق إليو وليندا على أنه موقفٌ شديد الغرابة ليس له حلٌ واضح. يمكننا التخمين كما نريد، ويمكن للمعجبين أن يبحثوا عن أماكن أو أشخاص لتوجيه لومهم على الانتظار الطويل، لكن الشخص الوحيد الذي يعلم ويفهم النطاق الكامل لما يحدث هو مارتن.
"في نهاية اليوم هو اتفاقٌ عقده وهو يحترمه"، قالت ليندا. "ببساطة كل ما يستطيع فعله هو أن ينكب على الكتابة وعندها سوف ينتهي الأمر عندما ينتهي".
اقرأ/ي أيضًا: