يزور وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، غدًا الأحد الصين، في زيارة مؤجلة منذ شباط/فبراير الماضي، ويعقد خلالها لقاءات مع مسؤولين صينين كبار، حيث سيناقش "أهمية الحفاظ على خطوط اتصال مفتوحة لإدارة العلاقات بين الولايات المتحدة وجمهورية الصين الشعبية بشكل مسؤول"، بحسب بيان للخارجية الأمريكية.
ينتظر أن يلتقي الوزير الأمريكي مع نظيره الصيني تشن غانغ، دون وجود أي تأكيدات عن لقاء يجمعه مع الرئيس الصيني شي جين بينغ
وقال بلينكن خلال مؤتمر صحفي مع نظيره السنغافوري فيفيان بلاكريشنان بواشنطن قبيل سفره إلى بكين، إن "المنافسة المحتدمة مع الصين تتطلب دبلوماسية مستدامة لضمان ألا تتحول إلى مواجهة أو صراع".
وأضاف، أن من أهداف زيارته المقبلة للصين "تجنب الحسابات الخاطئة"، مشيرًا إلى أنه "سيتحدث بصراحة مع المسؤولين الصينيين بشأن مخاوف بلاده إزاء مجموعة من القضايا".
وينتظر أن يلتقي الوزير الأمريكي مع نظيره الصيني تشن غانغ، دون وجود أي تأكيدات عن لقاء يجمعه مع الرئيس الصيني شي جين بينغ.
وألغى بلينكن زيارة كانت مقررة إلى بكين في شباط/ فبراير الماضي، كانت ستكون الأولى لوزير خارجية أمريكي إلى الصين، بعد خلال خمسة أعوام من زيارة وزير الخارجية الأمريكي السابق مايك بومبيو في تشرين الأول/ أكتوبر 2018، وذلك بسبب منطاد صيني حلق في الأجواء الامريكية، وقالت واشنطن أنه منطاد للتجسس، في حين ردت بيكين، بأن المنطاد يستخدم للأبحاث، وانحرف مساره بالخطأ نتيجة الأحوال الجوية السيئة.
لا توقعات بحدوث اختراق كبير
وقبيل الزيارة، خرج مستشار الأمن القومي الأمريكي جيك سوليفان، بتصريح جاء فيه: أن "الولايات المتحدة لا تتوقع حدوث أي انفراج في علاقاتها مع الصين بعد زيارة وزير الخارجية أنتوني بلينكن إلى بكين".
وأكد سوليفان في إفادة صحفية من العاصمة اليابانية طوكيو أن "بلينكن سوف يفسر السياسة الأمريكية خلال زيارته للصين".
بدوره، قال الناطق باسم وزارة الخارجية الأمريكية ماثيو ميلر: "سيلتقي بلينكن مسؤولين بارزين في جمهورية الصين الشعبية حيث سيناقش أهمية الحفاظ على خطوط اتصال مفتوحة لإدارة العلاقات بين الولايات المتحدة والصين بشكل مسؤول".
كما أوضح مسؤول الشؤون الآسيوية في وزارة الخارجية الأمريكية دانيال كريتنبرنك، بأنهم ليسوا "ذاهبين إلى بكين بنية تحقيق اختراقات أو تحول هناك".
وأضاف "نصل إلى بكين بنهج واقعي وواثق ورغبة صادقة في إدارة منافستنا بأكثر الطرق مسؤولية"، وتوقع كريتنبرنك، أن "يؤكد بلينكين مجددًا اهتمام الولايات المتحدة الدائم بالحفاظ على السلام والاستقرار عبر مضيق تايوان"، مشيرًا إلى أن بلينكن سيناقش الوضع في أوكرانيا.
من جهته، شدد منسق البيت الأبيض في منطقة الهندي والهادئ كورت كامبل، على أن الرحلة لا تمثل "نقطة تحول استراتيجية"، وأضاف: "لن نتخلى عن حذرنا فيما يتعلق بمصالحنا أو قيمنا أو نتوقف عن سعينا للحصول على ميزة تنافسية مستدامة".
وذكر المسؤول الأمريكي، أنه "فيما تستمر المنافسة، ستتخذ الصين خطوات أكثر استفزازية من مضيق تايوان إلى كوبا"، مشددًا على أن "الولايات المتحدة ستواجه ذلك، وأنها تريد تجنب المخاطر مع الصين وليس الانفصال عنها"، مشيرًا إلى أن "الجهود الرامية إلى تشكيل الصين أو إصلاحها في العقود الأخيرة باءت بالفشل"، موضحًا أنه يتوقع أن تبقى الصين لاعبًا رئيسيًا على الساحة الدولية لـ"بقية حياتنا".
الموقف الصيني من الزيارة
بالمقابل، وتعليقًا على زيارة وزير خارجية الولايات المتحدة، أكدت الصين، أنها "ستحرص على حماية مصالحها بحزم".
وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية وانغ وين بين، في مؤتمر صحفي، ردًا على سؤال حول توقعات بكين بشأن زيارة بلينكن إلى الصين: "يمكنني القول إنه خلال الزيارة سيتبادل الجانبان الصيني والأمريكي وجهات النظر حول العلاقات الثنائية، والقضايا الدولية والإقليمية المهمة ذات الاهتمام المشترك".
وأضاف "ستوضح الصين موقفها من العلاقات الثنائية، وكذلك مخاوفنا، وسنحمي مصالحنا بحزم"، مشيرًا إلى أن "الرئيس الصيني شي جينبينغ في مناسبات عديدة، تحدث عن أن العلاقات الصينية الأمريكية لا ينبغي أن تكون لعبة محصلتها صفر حيث يتفوق أحد الطرفين على الآخر، يجب على الجانبين تشكيل تصور صحيح للسياسات الداخلية والخارجية والنوايا الاستراتيجية لبعضهما البعض، واحترام بعضهما البعض، والتعايش في سلام، والسعي وراء التعاون المربح للجانبين، واستكشاف الطريقة الصحيحة للتوافق مع بعضهما البعض، وهذا لا يخدم مصالح الشعبين فحسب، بل يلبي أيضًا التطلعات المشتركة للمجتمع الدولي".
توتر ومصالح
وتأتي زيارة بلينكن إلى الصين، وسط علاقات يشوبها التوتر العالي مع تداخل للمصالح المشتركة للبلدين، فالولايات المتحدة ترى أن حرص الصين، على تأكيد حضورها كقوة عظمى، أصبح يهدد مصالحها في شرق آسيا والعالم، من أبرز هذه الأزمات، التهديدات الصينية بغزو تايوان، بعد إجراء بكين لمناورات عسكرية بالذخيرة الحيّة قبالة الجزيرة، في تحدٍ للوجود العسكري الأمريكي في المنطقة.
كما تأزمت العلاقات مجددًا، بعد اتهام بكين بأنها أرسلت منطاد تجسس إلى الولايات المتحدة، وتصاعدت التهديدات الأمريكية للصين، مع ورود معلومات عن نيتها تزويد روسيا بالسلاح، لدعم مجهودها الحربي في أوكرانيا، فيما نظر إلى الاتفاق السعودي الإيراني الذي رعته الصين، باعتبارها اختراقًا كبيرًا، وأشارت تقديرات عدة إلى أن الاتفاق يمثل تهديدًا لمصالح واشنطن في الشرق الأوسط.
أمّا أحدث جولات التوتر بين الصين والولايات المتحدة، فقد جاءت من خلال اتهامات الصين بالوصول إلى الحدود الأمريكية، وإقامة قاعدة تجسس في كوبا.
إلى جانب ما سبق، فإن بعض نقاط التوتر التي ظهرت من الصين، ارتبطت تحديدًا في ارتباك الموقف الأوروبي من بكين، وبالأخص بعد زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى بكين، الذي حاول التمايز عن الموقف الأمريكي في هذا السياق، وسط توجه الصين إلى دعم روسيا، وزيادة التقارب مع جمهوريات آسيا الوسطى، ودول الخليج العربي، ومؤخرًا دعوة رئيس السلطة الفلسطينية إلى بكين، التي سبقها حديث وزير الخارجية الصينية عن إمكانية التوسط في المحادثات بين السلطة وإسرائيل.
بالمقابل، تصر الصين على وجوب "وقف التدخل الأمريكي في شؤونها الداخلية"، وترى أن الولايات المتحدة تصعد التوتر معها، خاصة في تايوان، وبالأخص بعد مجموعة الزيارات الأمريكية إلى تايبيبه، وبالأخص زيارة رئيسة مجلس النواب الأمريكي السابقة نانسي بيلوسي، ولقاء رئيس مجلس النواب الحالي كيفين مكارثي مع رئيسة تايوان تساي إينغ وين خلال زيارتها الأخيرة للولايات المتحدة.
وضغطت الولايات المتحدة على الصين عبر التلويح بتغيير سياستها تجاه مبدأ "صين واحدة" من خلال التعامل مع تايوان كأنها دولة مستقلّة، كما لاحقت شراكاتها الاقتصادية في أفريقيا وأميركا اللاتينية وجزر المحيط الهادئ.
بالإضافة لذلك، عززت الولايات المتحدة من تواجدها العسكري في غرب المحيط الهادئ، عبر إقامة قواعد عسكرية إضافية في الفليبين، ورفعت من وتيرة نشاطها العسكري عبر المناورات الحربية مع الفلبين، واليابان، وكوريا الجنوبية.
قبيل الزيارة، خرج مستشار الأمن القومي الأمريكي جيك سوليفان، بتصريح جاء فيه: أن "الولايات المتحدة لا تتوقع حدوث أي انفراج في علاقاتها مع الصين بعد زيارة وزير الخارجية أنتوني بلينكن إلى بكين"
ورغم الشعارات الكبيرة التي تحيط زيارة وزير الخارجية الأمريكي إلى بكين، والسعي إلى تخفيف لهجة التصعيد المتبادل، إلّا أنّه من غير المتوقع تقديم بكين أو واشنطن أي تنازلات واسعة وكبيرة، من أجل التوصل إلى نقاط اتفاق تساهم في تهدئة التوتر.
