منذ عام 2006 أصبحت سويسرا حاضرًا دائمًا في نهائيات كأس العالم لكرة القدم، وهي الآن تتحضر للتواجد في قطر ابتداءً من 20 تشرين الثاني/نوفمبر الحالي لتسجيل مشاركتها الخامسة على التوالي والـ 12 في تاريخ أمجد البطولات.
كان تأهل سويسرا إلى مونديال قطر مفاجئًا للكثيرين من متابعي الساحرة المستديرة، كونه جاء بشكل مباشر وعلى حساب إيطاليا بطلة العالم 4 مرات وحاملة كأس أمم أوروبا الأخيرة "يورو 2020".
يخوض المنتخب السويسري النهائيات في المجموعة السابعة، حيث يتنافس مع خصوم أقوياء على حجز إحدى بطاقتي الوصول إلى دور الـ 16، عن المجموعة السابعة التي تضم أيضًا البرازيل وصربيا والكاميرون.
تفوّق على أبطال أوروبا
وضعت قرعة التصفيات الأوروبية المؤهلة إلى مونديال قطر 2022 منتخب سويسرا ضمن المجموعة الثالثة في مهمة صعبة مع تواجد منتخب إيطاليا المرشح الأول لحسم الصدارة قبل انطلاق المنافسات.
تصدرت سويسرا جدول الترتيب برصيد 18 نقطة جمعتها من 5 انتصارات وثلاث تعادلات من دون أن تتلقى أي هزيمة، وسجلت في شباك خصومها 15 هدف وتلقت فقط هدفين كأفضل خط دفاع في التصفيات الأوروبية.
وحلت إيطاليا ثانيًا بـ 16 نقطة وذهبت إلى الملحق لكنها خيبت آمال عشاقها وأقصيت من المسار الأول بعد هزيمتها أمام مقدونيا الشمالية بهدفٍ وحيد، بينما جاءت إيرلندا الشمالية بالمركز الثالث بـ 9 نقاط، وبلغاريا رابعًا بـ 8 نقاط، ولتوانيا خامسًا بـ 3 نقاط.
عقدة ربع النهائي
في تاريخه المونديالي لم يترك المنتخب السويسري أي بصمة كبيرة، وكان أبرز إنجاز له هو الوصول إلى الدور ربع النهائي في 3 مناسبات فقط من أصل 11 مشاركة سابقة.
الظهور الأول لسويسرا في النهائيات العالمية كان في مونديال إيطاليا 1934، وانتهى مشوارها في تلك النسخة عند الدور ربع النهائي، لتعود مرة أخرى عام 1938 وتشارك في مونديال فرنسا 1938 وتبلغ الدور نفسه قبل أن تنهزم من المجر بهدفين نظيفين وتودع البطولة.
وفي حضورها الثالث بنسخة البرازيل 1950 خرجت سويسرا من دور المجموعات، ثم ودعت من الدور ربع النهائي على أراضيها في مونديال 1954، لتسجل بعدها تواجدها في مونديالي 1962 و 1966 لكنها أقصيت من الدور الأول في المناسبتين.
غابت سويسرا عن 6 نسخ متتالية، وعادت في مونديال 1994 بالولايات المتحدة الأمريكية، وبلغت الدور الثاني حينها لتواجه إسبانيا التي انتصرت بثلاثية نظيفة، ليبتعد المنتخب السويسري عن المشاركة في المحفل الكروي العالمي 12 عامًا قبل أن يعود في مونديال 2006.
على الأراضي الألمانية خلدت سويسرا اسمها في تاريخ كأس العالم، كأول منتخب يودع البطولة دون أن يدخل شباكه أي هدف، حيث تصدرت مجموعتها السابعة عقب فوزها على توغو وكوريا الجنوبية (2ـ0)، وتعادلها سلبًا مع فرنسا، وتأهلت إلى دور الـ 16 لتخسر أمام أوكرانيا بركلات الترجيح بعد نهاية الوقت الأصلي والإضافي للمباراة بينهما بالتعادل من دون أهداف.
في عام 2010 بدأت سويسرا مونديال جنوب إفريقيا جنوب إفريقيا بقوة وهزمت إسبانيا التي توجت باللقب لاحقًا بهدفٍ دون مقابل، لكنها خسرت بعد ذلك أمام تشيلي بهدف وتعادلت سلبًا مع الهندوراس لتحتل المركز الثالث في ترتيب المجموعة الثامنة وتودع البطولة مُبكرًا.
ولاقت سويسرا المصير نفسه في مونديالي 2014 و2018، إذ خرجت من دور الـ 16 بعد هزيمتها أمام الأرجنتين (0ـ1) في البرازيل، وأمام السويد (0ـ1) على الأراضي الروسية. خاض المنتخب السويسري بمجمل مشاركاته المونديالية 37 مباراة حقق خلالها 12 انتصارًا 8 تعادلات و17 هزيمة، وأحرز 50 هدفًا وتلقت شباكه 64 هدفًا.
قوة المجموعة
يحتل المنتخب السويسري المركز السادس عشر في تصنيف الاتحاد الدولي لكرة القدم (تشرين الأول/أكتوبر)، وهو مركز متقدم يعكس تطور الكرة السويسرية على الساحة العالمية، والذي ظهر واضحًا في كأس الأمم الأوروبية الأخيرة عقب الوصول إلى دور الـ 16 والفوز على فرنسا في مباراة مثيرة حسمتها ركلات الجزاء الترجيحية، بعد التعادل في الوقت الأصلي والإضافي بثلاثة أهداف لمثلها، قبل الخسارة من إسبانيا بالطريقة نفسها، وتوديع البطولة من ربع النهائي.
ما يميز منتخب سويسرا في مختلف الحقب الكروية التي مر بها هو الاعتماد على قوة المجموعة في تحقيق النتائج الإيجابية، وهو أمر كرسه بقوة المدرب السابق فلاديمير بيتكوفيتش وسار على نهجه المدير الفني الحالي مراد ياكين، الذي تولى مهامه في آب/أغسطس 2021 ونجح في جعل "لا ناتي" يمتلك حضورًا قويًا في القارة العجوز، رغم عدم وجود تلك الأسماء الكبيرة والنجوم التي تصنع الفارق في المواعيد الكبرى.
أثار ياكين في بداية تعيينه مدربًا لمنتخب سويسرا كثيرًا من الشكوك حول قدرته على تحقيق النتائج الإيجابية، وذلك لكونه لا يمتلك الخبرة الكافية في عالم التدريب، إذ اقتصرت تجاربه على قيادة أندية متوسطة من أمثال سبارتاك موسكو الروسي وسيون السويسري، ولم يسبق له أن خاض مغامرة دولية مع أحد المنتخبات.
وعقب استلامه مهامه الفنية قال ياكين في تصريحات لموقع الاتحاد السويسري الإلكتروني: "أنا واثق من قدرتنا على التأهل لكأس العالم، وأننا سنحتفل بإنجازات جديدة"، ولم تمر فترة طويلة حتى أثبت ذو الأصول التركية عكس التوقعات من خلال تركيزه على تقوية العمل الجماعي، وتطوير الناحية الدفاعية بشكل لافت، فقد سبق له أن لعب كمدافع لفترة طويلة مع منتخب سويسرا، وأندية بازل وشتوتغارت وكايزر سلاوترن وفنربهتشه، ولديه خبرة عظيمة في هذا المركز.
في يورو 2020 ورغم المشاركة الإيجابية، إلا أن منتخب سويسرا دخل مرماه ست أهداف ثلاثة منها أمام إيطاليا، وهو رقم يُعتبر سلبي لدفاع يخوض بطولة كبيرة، الأمر الذي انتبه إليه ياكين وجعل منه نقطة قوة بدت واضحة في التصفيات المؤهلة إلى مونديال قطر 2022، والتي أنهتها سويسرا بتلقي هدفين فقط في 8 مباريات.
ومن أبرز نقاط قوة المنتخب السويسري هي الأجنحة التي تُساعد الدفاع وتُساند الهجوم في الهجمات المرتدة، وخط وسط يحتوي على لاعبين جيدين جدًا في الافتكاك وتحويل مسار الهجمة أمثال دينيس زكريا لاعب تشيلسي وغرانيت تشاكا المتألق حاليا مع أرسنال. بالمقابل ينقص تشكيلة ياكين رأس حربة مميز في الخط الأمامي يستطيع ترجمة الهجمات المرتدة التي يعتمد عليها المنتخب السويسري في أغلب الأحيان إلى أهداف محققة.
سويسرا من أبرز المرشحين لتجاوز دور المجموعات وبلوغ دور الـ 16 بعد البرازيل، وحظوظها تبدو أقوى من صربيا والكاميرون في تحقيق هذا الأمر، في حال لم تتعثر مع أحد منهما، وذلك نظرًا إلى خبرتها الأكبر في البطولة العالمية وامتلاكها أسماء ذات قيمة أكبر في بعض المراكز، وإن كانت صربيا هي الأخرى لديها لاعبين مميزين أيضًا، لكن قوة المجموعة تصب في صالح الـ "لا ناتي" وتعطيه تميزًا أكبر على منافسيه.
تبدأ سويسرا منافسات مونديال قطر يوم 24 تشرين الثاني/نوفمبر بلقاء الكاميرون، ثم تواجه البرازيل في 28 من نفس الشهر، قبل أن تلعب ضد صربيا في الثاني من كانون الأول/ديسمبر في مباراة من المتوقع لها أن تكون مصيرية بالنسبة للطرفين لحسم التأهل إلى الدور الثاني أو الخروج من البطولة.