أقام "المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات"، بالاشتراك مع "معجم الدوحة التاريخي للغة العربيّة"، ندوةً تحت عنوان "إشكاليّات المصطلح العربي في العلوم الاجتماعيّة والانسانيّة"، وذلك يوم أمس الأحد، العاشر من شهر كانون الأوّل/ ديسمبر، في مقر المركز بالعاصمة القطريّة الدوحة، بحضور عدد من أساتذة المعهد، والباحثين في المركز، والعلماء في معجم الدوحة.
يرى عزمي بشارة أنّ مسألة المصطلحات ليست مسألة ترجمة فحسب، إنّما هي مسألة بحث في المفهوم
وألقى المفكر العربي عزمي بشارة كلمةً افتتاحيّة، تطرّق من خلالها إلى الإشكاليّات الرئيسيّة التي تواجه أساتذة العلوم الاجتماعيّة والإنسانيّة في "معهد الدوحة" حول المصطلحات وصعوبة ترجمتها إلى اللغة العربيّة، وكيفيّة استخدامها وانتقائها أثناء التدريس، كون جزء كبير منهم تلقوا دراساتهم في دول غربيّة ولغات مختلفة.
اقرأ/ي أيضًا: عزمي بشارة: كل فلسطين قدس
وأكّد عزمي بشارة على ضرورة تأسيس منتدى صغير داخل المعهد، يكون مُخصّصًا للمصطلحات العربيّة وترجمتها من خلال اجتماعات وحلقات نقاشيّة، بين أساتذة المعهد وخبراء معجم الدوحة، على أن تكون هذه الندوة بدايةً لانطلاق هذه التجربة بين المعهد والمعجم.
كما أوضح بشارة أنّ مسألة المصطلحات ليست مسألة ترجمة فحسب، ولا تنتهي بمجرّد ترجمتها إلى اللغة العربيّة، إنّما هي مسألة بحث في المفهوم الذي تُعبّر عنه هذه المصطلحات، فضلًا عن تطويره والعمل على تعريفه. لأنّ المهم، بحسب بشارة، ليس الاتفاق على المفردة أو طريقة لفظها، بل المفهوم الذي تعكسه، والذي خلّف تاريخًا كاملًا من التطوير والبحث إلى أن أصبح هذا المصطلح يُعبّر عنه. ولكن أيضًا دون تجاهل أهميّة التدقيق في استخدام المصطلحات وتوحيدها.
وقال صاحب "الدين والعلمانية في سياق تاريخي" إنّهُ من الممكن تجاوز إشكاليّات المصطلح العربي من خلال الاطلاع على ما أُنجز في هذا الموضوع من توليد للمصطلحات وترجمتها. كما أكّد على شرطين؛ الأوّل أنّ القضيّة ليست قضيّة ترجمة ميكانيكيّة آليّة، إنّما الأمر مرتبط بمدى تطوّر العلوم الاجتماعيّة والإنسانيّة لكي يعكس الأمر تطوّرًا داخليًا، بحيث نستنبط مصطلحات تعكس تفكيرنا وأبحاثنا بشكل حقيقي. أمّا الشرط الثاني فيتمثّل في ضرورة وجود مرونة لغويّة في الترجمة، في ظلّ مواجهتنا لمشكلات حقيقيّة مُتعلّقة بكلّ ما يُعتبر "بادئات" أو "لاحقات" في اللغة العربيّة، تحديدًا تلك التي تفيد النفي أو نزع الصفة من المصطلح.
ورأى عزمي بشارة أنّ النقاش حول إشكاليّات المصطلح العربي ليس نقاشًا لغويًا فحسب، إنّما هو نقاش مرتبط بمدى تطوّر العلوم الاجتماعيّة لدينا، مقدّمًا نتاج ابن خلدون مثالًا على ذلك، ومؤكّدًا على عدم المبالغة في أهميته اليوم لأنّه مهم فعلًا، ولأنّنا إذا عدنا لمقدمته نجد مخزنًا من المصطلحات التي نفتقر إليها الآن، والتي تعكس أيضًا العديد من مصطلحات العلوم الاجتماعيّة والإنسانيّة. وذلك لأن ابن خلدون كان منشغلًا في التفكير في نتاجه الفكري نفسه، وأن الأمر ليس فقط عمليّة ترجمة. حيث إنّه قدّم مصطلحات ملائمة لعدّة مفاهيم استعصت ترجمتها، مقدّمًا كلمة "عصبية" الموجودة في الأدبيّات الغربيّة مثالًا على ذلك، وقال إنّ الأجانب لم يعملوا على ترجمتها إنّما أخذوها كما هي، لأنّها مصطلح لهُ علاقة بالسياقات الفكريّة والاجتماعيّة التي عمل فيها ابن خلدون.
عزمي بشارة: توحيد المصطلحات ضرورة من أجل التمهيد للحوار حول الخلافات المتعلّقة بها
اقرأ/ي أيضًا: عزمي بشارة: حول القدس بإيجاز شديد
كما شدّد عزمي بشارة على ضرورة الاتفاق حول المصطلحات من أجل الإنتاج المعرفي العربي، والاعتراف أيضًا بجهود الآخرين ممن قاموا بترجمة تلك المصطلحات، لا سيما وأنّنا نُلاحظ أنّ كل مترجم يبدأ من الصفر كأنّ أحدًا لم يسبقه في التفكير في الموضوع، وبالتالي عدم حدوث تراكم معرفي، فضلًا عن إحداث مشكلة بحثيّة حقيقيّة تواجه الباحثين المُطّلعين على الأدبيّات العربيّة، تقودنا أيضًا إلى عدم التفاهم حول ما نتحدث عنه، مشدّدًا في النهاية على ضرورة توحيد المصطلحات من أجل التمهيد للحوار حول الخلافات المتعلّقة بها.
اقرأ/ي أيضًا:
المركز العربي للأبحاث.. الأكاديميا الحرة في مواجهة البروباغندا والاستبداد