كثرت في الآونة الأخيرة بالمغرب الاحتجاجات على أئمة وخطباء المساجد، ففي السابق كان نادرًا السماع عن احتجاج مصليين على أحد الأئمة، أو وقف صلاة الجمعة احتجاجًا على خطبة ما يراها المصلون غير مناسبة.
في هذا التقرير نقدم لمحة عن أحداث الاحتجاجات على الخطباء والأئمة، مع التساؤل عن أسباب، ودخل السياسة بها، إذ هل تمثل وعيًا مغربيًا بعدم خلط السياسة بالدين"
السياسة كلمة السر
مع اختلاف الأحداث، تظل كلمة السر واحدة: "السياسة"، هي السبب وراء غضبة المصليين على الأئمة، لدرجة مقاطعة الصلاة، فقبل أسابيع وغير بعيد عن إقليم "قلعة السراغنة" وسط المغرب، تحديدًا في قرية "أولاد الشيخ"، قاطع عدد كبير من المصليين الصلاة، احتجاجًا على إعفاء وزارة الأوقاف خطيب المسجد، رافضين الصلاة خلف الإمام الجديد الذي عينته الوزارة المختصة بالشؤون الدينية بالمغرب.
وفقًا لجماعة العدل والإحسان، فقد أعفت وزارة الأوقاف المغربية، 4 خطباء بسبب انتمائهم للجماعة في ظرف 10 أيام فقط
وأصر المصلون على عدم الإنصات لخطبة الإمام الجديد، رافعين شعارات تطالب برحيله وإعادة الإمام السابق المعفي. ونظّم المصلون مسيرة على الأقدام، انطلقت من مسجد القرية نحو قيادة "تساوت"، رافعين الأعلام الوطنية، ومطالبين بحضور المسؤولين، ومرددين هتافات غاضبة وآيات قرآنية على سبيل تدعيم موقفهم ضد الوزارة.
اقرأ/ي أيضًا: الإسلام المغربي.. تسييس وأصولية
وتردد أنّ إعفاء الإمام السابق من قبل الوزارة، كان بسبب مواقفه السياسية، لانتمائه لجماعة العدل والإحسان، الجماعة الدينية السياسية المحظورة في المغرب.
ولم يكن إعفاء إمام وخطيب مسجد قرية أولاد الشيخ، بالجديد، فالوزارة المعنية سبق لها أن أعفت ثلاثة خطباء آخرين بسبب مواقفهم السياسية ايضًا. كما أن جماعة العدل والإحسان، سبق لها أن نددت بإعفاء وزارة الأوقاف لأربعة خطباء ينتمون لها، في ظرف 10 ايام فقط، معتبرة أن هذه الإعفاءات "تطال خطباء وأئمة عُرفوا بجودة خطبهم، وحسن علاقاتهم بالناس والمصلين، وحسن تقديمهم للدين العدل الوسط، دين الرحمة والأخلاق"، وفقًا لما جاء في بيان لها وصفت فيه قرارات الإعفاء بأنها تمثّل "سادية وتسلط وزارة، وتعكس استبداد نظامٍ ودولة".
حادثة اُخرى تلت، في صباح عيد الفطر الماضي، إذ أقدم مصلون في مدين بوجدور جنوبي المغرب، على طرد الإمام وسط مصلى المدينة، رافعين في وجهه شعارات تطالب برحيله، وسط حالة من الذهول من قبل المسؤولين الذي كانوا حاضرين للصلاة.
وكان مئات المصلين في مصلى مدينة بوجدور، في عيد الفطر الماضي، قد رفضوا الصلاة خلف الإمام، لأسباب قيل إنها تعود لتوجهاته الإيديولوجية دون تحديد، لكن آخرين قالوا أن السبب في نسيان الإمام لعدد تكبيرات العيد، وهو ما حدا بالمصلين إلى الانتفاض في وجهه مرددين: "إرحل"! وعرف المُصلّى على إثر ذلك حالة من الفوضى العارمة، دفعت عديد المصلين إلى الانسحاب دون أداء صلاة العيد.
مدينة الحسيمة شمالي المغرب، والتي تعرف احتجاجات واسعة منذ عام تقريبًا، شهدت هي الأخرى أمرًا مشابهًا، حين قاطع ناصر زفزافي المعروف بقائد حراك الريف، خطبة الجمعة يوم 26 أيار/مايو الماضي، بعد أن اتهم الخطيب حراك الريف بإشعال الفتنة، ما دفع ناصر ورفاقه إلى مقاطعة الإمام والتنديد به وخطبته، واعتبروها إقحامًا للدين في السياسة.
القانون يمنع اشتغال الأئمة بالسياسة
يندرج خطباء المساجد وأئمتها في المغرب، تحت مهام وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، فهي التي تقرر تعيينهم، أو عزلهم. ومن المعروف في المغرب أن وزارة الأوقاف هي التي توزع مضامين خُطب الجمعة على الأئمة، فغالبًا ما نجد المواضيع ذاتها تلقى في المساجد كلها.
الكثير من المراقبين والمهتمين بهذا الشأن، يعتبرون أن صلاة الجمعة في المغرب تدخل طرفًا في كثير من المظاهر السياسية، ربما أقلها إظهار المسؤولين في صلاوات الجمعة خلف الأئمة.
وسبق للملك المغربي منع الأئمة والخطباء وجميع المشتغلين في المهام الدينية، من ممارسة أي نشاط سياسي، ومنعهم من اتخاذ أي موقف سياسي أو نقابي، فضلًا عن منه قيامهم بـ"كل ما يمكنه وقف أو عرقلة أداء الشعائر الدينية"، على أساس أن اقتحامهم السياسة، أو إقحامهم الشؤون السياسية، قد تمثل عرقلة عن المهمة الدينية.
عقب تفجيرات الدار البيضاء في 2003، اتجهت المغرب لإجراء "إصلاحات" في الحقل الديني، يرتبط أغلبها بالفصل بين الدين والسياسة
ويحاول المغرب إجراء ما يسمى بالإصلاحات الدينية، انطلقت بعدة إجراءات عقب تفجيرات إرهابية هزت مدينة الدار البيضاء ربيع عام 2003، فبعد هذه التفجيرات جُعل الحقل الديني ضمن قائمة أولويات المسؤولين المغاربة، سواءً تعلق الأمر بمن يُوظِّف الدين في أغراض سياسية، أو من حيث العلاقة الجدلية بين الدين والدولة، علمًا بأن الدستور المغربي يؤكد أن المغرب "دولة إسلامية"، وأن الملك هو "أمير المؤمنين والمؤتمن على حماية الدين".
اقرأ/ي أيضًا: فتاوى المغرب.. كل شيء يثير الضجيج
وجدير بالذكر في السياق، أن القانون المغربي يمنع استغلال المساجد في الدعاية الانتخابية، أو استخدام رموز دينية لنفس الغرض.
موجز عن تاريخ الدين والسياسة في المغرب
في المغرب، تعد خطبة الجمعة واحدة من تمظهرات إعلاء هيبة السلطان أو الحاكم، وذلك على مر التاريخ تقريبًا، في بلد يحكمه نظام ملكي بشكل أساسي.
ويرى مراقبون أن الجزء الأخير من خطب الجمعة عامةً، سياسيٌ بامتياز، كونه يخص "ولي الأمر" بالذكر والإخبار بـ"لزوم طاعته". وكان الخطيب على مر أغلب أزمان التاريخ، ومن على منبره، يدعو لأن يبارك الله "ولي الأمر"، وكان عدم الدعاء للحاكم في على المنبر يعني ببساطة خلعه.
الجزء الأخير من خطبة الجمعة عمومًا، يُمثل مظهرًا سياسيًا بامتياز، كونه يخص بالذكر "ولي الأمر" ويدعو لطاعته
إلا أنّ هناك استثناءات لذلك، إذ كانت هناك حالات عارض فيها علماء وأئمة سياسات الحكام، فعلى سبيل المثال عارض بعض العلماء السلطان السعدي محمد الشيخ المأمون، لما تخلى عن مدينة العرائش لصالح الإيبيريين في أوائل القرن السابع عشر.
اقرأ/ي أيضًا: المغرب يمنع تسويق "البرقع".. هل حان دور النقاب؟
بل إن بعضهم قاد تمردًا، مثل ابن أبي محلي، الفقيه الذي استولى على مراكش، وأعلن نفسه أميرًا عليها. كما شهدت نهاية القرن التاسع عشر مجادلات شديدة بين رجال دين والسلطان حسن الأول، على سياساته الجبائية، رغم ما عرف عن الحسن الأول من قوة.
اقرأ/ي أيضًا:
"الأربعين دخلات"، "لعشور" وغيرها.. طقوس المغاربة للمناسبات الدينية