مثل كل الأمكنة للشام حكاية. لكن لماذا لم ترو علينا حتى اليوم؟ عرفنا الكثير من قصصها المتفرقة، لكن لغاية اللحظة لم يأت راو عليم يجمع خطوط الحكي ويتمم الحكاية للآخر. أهي عصية لتلك الدرجة؟ أين الشام؟ ما هي حكايتها؟
الشام ليست جنّة طينًا ولكن قبلةٌ ضاعت على خدّ الوحامْ
ربما هي لعبة ما أقوم بها الآن، وهي جمع القليل من خيوط ذلك المكان المتخيل جغرافيًا واسمه الشام.
تبدأ اللعبة بكاميرا "زوم أوت"، تصور بلاد الشام التي يعرفها الجميع، والممثلة بفلسطين ولبنان والأردن وسوريا. قليلًا من "الزوم إن" لتلك الكاميرا لتحط بنا في فلسطين. يأتي الجواب غريبًا بعض الشيء، ففلسطين تشير إلى جهة الشمال الشرقي، قائلة: الشام هناك. وتعطينا الشاهد بلسان شاعرها محمود درويش: " الشام تبدأ مني/ أموت/ ويبدأ في طرق الشام أسبوع خلقي/ وما أبعد الشام، ما أبعد الشام عني".
اقرأ/ي أيضًا: أي مصير للسوريين العالقين في اليونان؟!
بنفس "الزوم إن" تنتقل الكاميرا إلى لبنان، لكن بيروت ذاتها، تقول: الشام هناك، مشيرة إلى الشرق. وأيضًا تؤكد معلومتها شعريًا مع سعيد عقل هذه المرة: "يا شـامُ عادَ الصّـيفُ متّئدًا وعادَ بي الجناحُ/ صـرخَ الحنينُ إليكِ بي: أقلعْ، ونادتني الرّياحُ".
هكذا راحت الكاميرا بذات "الزوم" إلى الأردن. وها هي عمان تشير شمالًا وتهتف الشام هناك. وتعطينا الشاهد أيضًا من شعر حكمت النوايسة: "الشام ليست جنّةً طينًا ولكنْ حيرة المعنى إذا انتبه الكلامْ/ والشام ليست جنّة طينًا ولكن قبلةٌ ضاعت على خدّ الوحامْ/ والشام ليست حصّة في النرد لكن سهمةٌ للمستهامِ/ الشام أهلي في الشروقِ وفي الغروبِ وثورة الزيتون في عطش الظلامِ".
اقرأ/ي أيضًا: اقتلوا الطاغية الذي نحيا بفضله!
لم يبق إلا سوريا أيتها المصورة الباحثة عن ذاك المكان المشتهى. تتحرك الكاميرا ببطء، موجهة عدستها إلى من يجب أن تكون. "زوم إن" آخر، وحلب قصدنا. لكن حلب تلتف جنوبًا لتقول الشام هناك. الرقة، الحسكة، دير الزور، ينظرون باتجاه الجنوب الغربي، ويهتفون الشام هناك. اللاذقية، طرطوس، حمص، كلها تشير إلى الجنوب، ويهمسون الشام هناك. السويداء، درعا، القنيطرة تمد أذرعتها شمالًا. الشام باتجاه الشمال الشرقي-الشمال الغربي. إلى دمشق أيتها الشام.
كل الاتجاهات تشير إليك، ولا من جهة لك. أي المستحيلات أنت يا شام!؟
ولتبدأ الكاميرا "بالزوم إن" إلى دمشق. لكن أحياء دمشق تزيد حيرة تلك الكاميرا، فها هي تنتقل من المهاجرين إلى المزة وقاسيون والجسر الأبيض والبرامكة، لتخبرنا بلسان قاطنيها أنهم عندما يخرجون من بيوتهم يتوجهون تحديدًا إلى الشام. أين أنت أيتها البلد المتخيلة؟ أتكونين فقط داخل السور؟ إلى الأبواب إذا، وكثيرا من "الزوم إن". من باب شرقي إلى باب توما إلى باب الفراديس إلى باب الصغير وباب الفرج وكل تلك الأبواب وساكنيها يقولون عندما يأتي السؤال إلى أين؟ إلى الشام.
كل الاتجاهات تشير إليك، ولا من جهة لك. أي المستحيلات أنت!؟ أي متاهة جغرافية تغرقين العالم بها. أيكون لك مركز في السماء لا ندركه نحن سكان الأرض؟ شامة مكة، هكذا كانوا يسمونك. ولكن لا شامة لمكة. فشامة من أنتِ؟ أأنت بوابة الله حقًا؟
لا أدري إن كان هناك بلد في العالم فيه كل هذه المتاهة الجغرافية! ما أدريه أن الشام تصغر وتضيع، في داخلها تشير إلى كل الأمكنة من حولها، وفي خارجها لا أحد يريد الانتماء إليها.
اقرأ/ي أيضًا: