الترا صوت – فريق التحرير
كشف تحقيق لصحيفة نيويورك تايمز أن الولايات المتحدة كانت وراء استهداف سدّ الطبقة في سوريا الذي يُعدّ أكبر سدٍّ في سوريا على نهر الفرات، وكادت التفجيرات التي سبّبها القصف الأمريكي أن تؤدي إلى انهيار السد ومقتل عشرات الآلاف من المدنيين بحسب تحقيق الصحيفة الأمريكية الذي أعدّه كل من داف فليبس وعظمت خان وإريك شميت. وكانت الولايات المتحدة قد نفت جملة وتفصيلًا استهدافها للسد حينها، قبل أن تُعدّل القيادة المركزية الأمريكية عن الرواية الرسمية، في تفاعل مع تحقيق صحيفة نيويورك تايمز، بالإقرار بإلقاء ثلاث قنابل تزن الواحدة منها حوالي 910 كلغ على مناطق محاذية للسد.
كشف تحقيق لصحيفة نيويورك تايمز أن الولايات المتحدة كانت وراء استهادف سدّ الطبقة في سوريا الذي يُعدّ أكبر سدٍّ في سوريا على نهر الفرات
وكانت انفجارات قوية هزّت سد "الطبقة" الذي يُعدَ ركيزة استراتيجية في سوريا، وذلك في ذروة الحرب على تنظيم الدولة الإسلامية المكنّى "داعش"، بالتحديد يوم 26 آذار/مارس 2017. وأدى القصف حينها إلى احتراق غرفة التحكم الرئيسية في السد وإلحاق أضرار كبيرة به، وتسببت إحدى القنابل في تدمير خمسة طوابق من السد، وكنتيجة أدى القصف إلى توقف التدفق المائي، "حيث بدأ مستوى الماء في السد بالارتفاع بشكل مقلق، وأخذت القوى المسيطرة على الأرض تحذّر الناس في المناطق المحيطة عبر مكبرات الصوت بضرورة الإخلاء".
اقرأ/ي أيضًا: شتاء مأساوي تعيشه مخيمات النازحين في سوريا
وبعد الانفجارات اتّهم كلٌّ من تنظيم الدولة الإسلامية ونظام الأسد وروسيا الولايات المتحدة بالوقوف خلف عملية ضرب السد، لكن الأخيرة نفت ذلك بشدة مؤكدة أن السد مدرج في قائمة "الأهداف المدنية التي يُمنع ضربها بأي شكل كان"، بل إن قائد قوات التحالف الدولي في سوريا والعراق، الجنرال ستيفن تاونسند، قال إن مزاعم تورط الولايات المتحدة بقصف السد تستند إلى "تقارير مجنونة"، وأعلن بشكل قاطع أن السّد ليس هدفًا للتحالف الدولي.
شاهد: تغطية لهذا الملف والملفات الإخبارية الراهنة عربيًا ودوليًا على شاشة التلفزيون العربي أخبار
إلا أن صحيفة "نيويورك تايمز" كشفت في تحقيقها أن النفي الأمريكي كاذب، مؤكدةً أن أفرادًا من "الوحدة التاسعة"، التي هي وحدة سرية من القوات الخاصة مسؤولة عن العمليات البرية في سوريا وتعمل بسرية تامة إلى درجة أنها لم تكن تبلغ شركاءها في التحالف بتحركاتها، طالبت بضرب السّد بأكبر القنابل التقليدية في ترسانة الولايات المتحدة، بما في ذلك القنبلة BLU-109 الفراغية، المخصصة لاختراق التحصينات الخرسانية السميكة، وذلك رغم وجود تقرير من الهندسة العسكرية يحذر من ضرب السد، "لأن الأضرار قد تتسبب بفيضان قد يقتل عشرات الآلاف من المدنيين".
الصحيفة كشفت أن "الوحدة التاسعة" قامت بشكل متكرر باتباع نمط احتيالي سمح لها بتنفيذ الضربات التي تريدها بدعوى "الدفاع عن النفس"، وأكدت في تحقيق سابق دور الوحدة التاسعة في مجزرة الباغوز، وذكرت أن الوحدة توسعت في مفهوم "الدفاع عن النفس وصد الخطر الوشيك" ليشمل نسبة حوالى 80 بالمائة من الضربات الجوية التي طلبتها الوحدة، بحسب مصادر عسكرية راجعت سجل تلك الغارات.
وقد أدّت الضربات التي طلبت الوحدة تنفيذها على مواقع مثل المدارس والمساجد والأسواق إلى مقتل أعداد كبيرة من النساء والأطفال، بحسب "نيويورك تايمز" نقلًا عن عسكريين سابقين، والوثائق العسكرية التي حصلت عليها، إلى جانب تقارير مواقع الغارات الجوية للتحالف في سوريا. وترى الصحيفة أنه "ربما لا توجد حادثة واحدة تُظهر الاستخدام الوقح لقواعد الدفاع عن النفس والتكاليف المدمرة المحتملة أكثر من الضربة على سد الفرات".
إقرار من القيادة المركزية الأمريكية ولكن!
نقلت الصحيفة في تحقيقها أن القيادة المركزية الأمريكية، ردًّا على تساؤلاتها، أقرّت بإلقاء ثلاث قنابل تزن الواحدة منها حوالي 910 كلغ على مناطق محاذية للسد نافية أن تكون قد استهدفت السد بشكل مباشر، وفي هذا الصدد قال المتحدث باسم القيادة المركزية الأمريكية العقيد بيل أوربان، "إن تحليل الضربات أثبت أنها استهدفت الأبراج الملحقة بالسد، ولم تكن لتلحق ضررًا هيكليًا به، ودليل ذلك أن السد لم ينهَر، وأن تلك الضربات سرّعت بالسيطرة على السد وتجنيب الشعب السوري المزيد من المعاناة" على حدّ تعبيره.
بيد أن هذا التصريح لم يكن مقنعًا بالمرة حسب الصحيفة، فقد أكّد مسؤولون عسكريون سابقون، وخبراء في السدود، وشهود عيان أن الحقيقة مغايرة تمامًا لما نقله المتحدث باسم القيادة المركزية الأمريكية، فقد دمّرت الضربات معدّات أساسية، جعلت السد يتوقف عن العمل بشكل كامل، كما ارتفع منسوب المياه بشكل مضطرد 50 قدمًا، وانسكب تقريبًا فوق السد، الأمر الذي أنذر بوقوع كارثة، وفوق ذلك عثر عمال السد على مفاجأة مخيفة، تتمثل في قنبلة BLU-109 المضادة للتحصينات، وقد اخترقت خمسة طوابق من برج المراقبة في السد ولم تنفجر. كانت القنبلة محترقة ولكنها سليمة، وبحسب الخبراء فإنها لو انفجرت ربما كان السد بأكمله قد انهار.
ونظرًا لمأساوية الوضع قامت السلطات التركية بقطع تدفق المياه إلى الأراضي السورية بشكل كامل عبر سدودها على نهر الفرات في محاولة لكسب الوقت، كما سجّلت صحيفة نيويورك تايمز وقوع أمر نادر وهو قيام من وصفتهم بالأعداء الألداء في تنظيم "داعش" وقوات النظام السوري والولايات المتحدة وقوات سوريا الديمقراطية بوقف إطلاق النار حتى يتمكن المهندسون المدنيون من التدخل قبل وقوع كارثة انهيار السد. وبحسب تصريحات نقلتها تايمز عن مدير سابق في السد فإنه: "لو انهار السد لكان الدمار لا يمكن تصوره.. كان عدد الضحايا سيتجاوز عدد السوريين الذين لقوا حتفهم طوال الحرب".
إرهاصات عملية قصف السد
أفادت صحيفة نيويورك تايمز في تحقيقها أن قوات "الوحدة التاسعة" وقبل بدء العمليات البرية كانت تحاول طوال أشهر إيجاد طريقة للاستيلاء على السد، وفي هذا الصدد طلبت "الوحدة التاسعة" من مهندسين متخصصين في مكتب الموارد الدفاعية والبنية التحتية، التابع لوكالة الاستخبارات، تقييم حجم القنابل التي يمكن استخدامها بأمان في الهجوم، لكن التقييم الذي طلبته جاء سلبيًا وطالب بعدم ضرب السد.
واعتبر المهندسون أنه بدلًا من ضرب السد يمكن استخدام أسلحة صغيرة مثل صواريخ Hellfire الموجهة، التي تحتوي على رؤوس حربية تزن حوالي 10 كلغ لضرب الأجزاء الترابية من السد، لكن استخدام أية قنابل أو صواريخ مهما كان حجمها ضد جسم السد الخرساني ليس آمنًا.
وحذّر تقرير المهندسين الذي جاء في 4 صفحات حسب نيويورك تايمز من أن الضربة قد تتسبب في عطل خطير وفيضانات مدمرة قد "تقتل عشرات الآلاف من الأشخاص". وتكررت التحذيرات ذاتها في تقرير للأمم المتحدة صدر في كانون الثاني/يناير/ 2017، ذكر أنه إذا تسببت الهجمات على السد في انهياره فإن المجتمعات المحلية التي توجد على مساحة أكثر من 160 كلم على جانبي النهر ستتعرض للغرق.
حذّر تقرير المهندسين الذي جاء في 4 صفحات حسب نيويورك تايمز من أن الضربة قد تتسبب في عطل خطير وفيضانات مدمرة قد "تقتل عشرات الآلاف من الأشخاص"
المصادر العسكرية لصحيفة نيويورك تايمز أكدت أن التقرير أُرسل قبل العملية بأسابيع لـ"الوحدة التاسعة"، وبدلًا من احترامه قررت الوحدة التاسعة ضرب السد على أي حال، وباستخدام بعض أكبر القنابل التقليدية المتاحة. وأفادت صحيفة نيويورك تايمز في تحقيقها أيضًا بأن الضربات الجوية استمرت دون توقف حتى سيطرت "قوات سورية الديمقراطية" على المنطقة، علمًا بأن قوات "قسد" تعتبر من الحلفاء الرئيسيين لواشنطن في سوريا.