مرّت الاحتفالات بالمولد النبوي في الجزائر، مخلّفة عشرات الحوادث، بسبب التعامل العنيف مع المفرقعات التي باتت من الطقوس المقدّسة لدى الشباب، حتى أن بعضها ذكّر الجزائريين بسنوات العنف والإرهاب في تسعينيات القرن لعشرين، بالنظر إلى الدوّي القوي الذي يهزّ الجوارح والنوافذ والجدران، وهو وضع يجعل هذه الأسئلة مبرّرة تمامًا:
من سمح بدخول هذه المفرقعات الفتاكة من الميناء أصلًا، قادمة من دول بعيد منها الصّين؟ هل يُعقل أن يُسمح بإدخالها، في نفس الفترة التي تسبّبت فيها في أن فقد طفل عينه في أحد الملاعب؟ هل بات بارونات المال الفاسد متحكمين في الاقتصاد الوطني على حساب الصحة والأمن العموميين إلى هذه الدرجة؟
مرت احتفالات المولد النبوي بالجزائر مخلفة عشرات الحوادث، بسبب التعامل العنيف مع المفرقعات التي باتت من الطقوس المقدسة لدى الشباب
في السياق، تزامنت هيمنة المفرقعات على الشارع الجزائري، مع هيمنة منتج صيدلاني، أطلقه أحد الخواص المدعين أنهم حصلوا على دكتوراه في الطب من جامعة سويسرية، ثم ظهر أنه لم يحظ بذلك، وكان هذا المنتج يُقدّم مرة على أنه دواء للسكري والصدفية ومرة على أنه مكمّل غذائي، ثم فجأة منعته السلطات على مستوى الصيدليات، بحجة أنه مضر بالصحة العامة.
اقرأ/ي أيضًا: قدماء المحاربين.. خط أحمر في الجزائر
الأسئلة التي تطرح نفسها هنا: لماذا سُمح لهذا المنتج بأن يدخل الصيدليات قبل أن يعطي المختصون كلمتهم فيه؟ هل منع فعلًا لأنه تبّين بأنه مضر، أم لأن منتجين نافذين دفعوا الحكومة إلى منعه، من باب المنافسة غير الشريفة؟
مهما يكن السبب، فإن هذا السلوك يشير إلى أن الحكومة الجزائرية اليوم، باتت خاضعة لإملاءات أصحاب المال الفاسد، مما جرّدها من هيبتها وأخرجها من سياق الخدمة العامة إلى سياق الخطر العام، وهو مقام يجعلها تعجز عن محاربة الأخطار الأخرى التي تهدد البلاد والعباد، إذ كيف يحارب من هو خطير عليك خطرًا عليك؟
الحكومة الجزائرية باتت خاضعة لإملاءات أصحاب المال الفاسد، مما جردها من هيبتها وأخرجها من سياق الخدمة العامة إلى سياق الخطر العام
لقد وجد وزير التجارة الحالي الجرأة قبل شهور قليلة، على الاعتراف بأنه لا يملك القدرة على أن يغلق مطعمًا لا يتعامل بالمعايير المطوبة، فكيف بفضاءات أهم وأخطر، لأن هناك أطرافًا أقوى من الحكومة نفسها تعمل على حماية الفساد والمفسدين، من غير أن تتحرك النيابة العامة ولا البرلمان ولا الحكومة ولا الرئاسة ولا المؤسسة الأمنية ولا هيئات المجتمع المدنى، في اتجاه تأكيد ما قاله الوزير أو نفيه، واتخاذ الإجراءات التي يقتضيها المقام في حالة كان كلامه صحيحًا.
إن هذا الوضع الذي يسوده التسيّب، يضرّ أول ما يضر هيبة الدولة نفسها، بين مواطنيها الذين يجدون أنفسهم خاضعين لحكم لا يستطيع حمايتهم، بل إنه بات متسامحًا مع من يضر بهم، وهو ما يدفع بهم إلى الاستقالة المعنوية من أداء واجباتهم تجاه الفضاء العام، كما يدفع شطرًا واسعًا منهم إلى الانخراط في مسعى الفساد العام.
هذا هو الحاصل اليوم في بلد بدأت الأبواق فيه تدعو إلى عهدة رئاسية خامسة لرئيسه الذي لا يستطيع أن يقول لشعبه: صباح الخير.
اقرأ/ي أيضًا:
"رحمة ربي" الجزائري.. جدل وتصعيد متواصل
تامالت.. آخر شهداء الجزائر