شهدت حركة الطيران العالمية الأسبوع الماضي واحدًا من أسوء الحوادث الجوية في تاريخها، والذي أودى بحياة مائتين وأربعة وعشرين مسافرًا على متن طائرة روسية إثر سقوطها في صحراء وسط سيناء المصرية. ورغم عدم إصدار لجنة التحقيق لتقريرها النهائي بشأن ملابسات الحادث، بل رجحت حتى الآن أن سقوط الطائرة قد نجم عن انفجار قنبلة كانت على متنها، سارعت الكثير من الحكومات إلى تعليق رحلاتها إلى مطار شرم الشيخ ومنه، مع إصدار تلميحات وتحذيرات منطوية على وقوف عمل إرهابي وراء الحادث.
أعلن مسؤولون أمريكيون عن تطبيق إجراءات وقائية، غير محددة الطبيعة، لتعزيز أمن رحلات الطيران القادمة من الشرق الأوسط
كانت الحكومتان البريطانية والأمريكية على رأس تلك الحكومات. حيث أعلنت الحكومة البريطانية عن تعليق رحلاتها من وإلى مطار شرم الشيخ، ودشنت إجراءات طارئة لإجلاء رعاياها بشكل خاص عن المدينة. يأتي ذلك في إطار تلميحات قوية من قبل الحكومتين عن امتلاكهما لمعلومات استخباراتية بشأن طبيعة الحادث. فقد أيدتا احتمالية وقوف عمل إرهابي وراء سقوط الطائرة. إلا أن الحكومة البريطانية قررت استئناف رحلاتها من شرم الشيخ يوم الجمعة، السادس من شباط/فبراير، بعد اتخاذ تدابير أمنية إضافية في المطار. بينما أعلنت الولايات المتحدة تعليق الرحلات التجارية المباشرة من أي مدينة أمريكية إلى شرم الشيخ.
تشديد الإجراءات
رغم اتفاق الحكومتين، البريطانية والمصرية، على تشديد إجراءات تأمين مطار شرم الشيخ، إلا أن الحكومة البريطانية لم تعلن، حتى الآن، عن أي تدابير لتعزيز أمن مطاراتها على الأراضي البريطانية. وفي غضون ذلك، وسط مخاوف أمريكية من أن تكون الطائرات الأمريكية هدفًا مستقبليًا للتنظيمات الإرهابية عبر زرع قنابل على متنها، أعلن مسؤولون أمريكيون عن تطبيق إجراءات وقائية، غير محددة الطبيعة، لتعزيز أمن الرحلات القادمة من الشرق الأوسط. حيث أوضح جيه سي جونسون، وزير الأمن الداخلي الأمريكي عن تطبيق سلسلة من التحسينات الوقائية المؤقتة، بالاشتراك مع بيتر نيفنجر، مدير إدارة أمن النقل، فيما يتعلق بالرحلات التجارية المتوجهة للولايات المتحدة من مطارات أجنبية محددة في المنطقة، دون توضيح لمواقع تلك المطارات أو لأي تفاصيل عن تلك التحسينات.
أضاف جونسون أن سلطات الطيران الأوروبية ستتبنى تلك الإجراءات أيضًا، والتي تهدف إلى "توفير طبقة إضافية من التأمين لجمهور المسافرين، وستنفذ بالتشاور مع الحكومات الأجنبية، وشركات نقل الركاب والشحن، المعنية"، حسبما أوضح جونسون. وتشتمل تلك التدابير على توسيع عمليات الفحص، وتدابير أمنية أخرى "مرئية وغير مرئية". كما صرح مسؤول بوزارة الأمن الداخلي الأمريكية، طلب عدم ذكر اسمه، بأن تلك الإجراءات ستطبق في أسرع وقت ممكن. وأوضح أنه من الآن فصاعدًا ستحدد بعض الأغراض كمصدر للتهديد، وسيمنع حملها على متن الطائرات، وهو ما ستطلبه السلطات الأمريكية من الدول الأخرى، وفي حال رفض تلك الدول، يمكن للسلطات الأمريكية أن ترفض استقبال الطائرات القادمة من تلك الدول.
اقرأ/ي أيضًا: الطيران فوق عش داعش
تعاون دولي وخطر منظور
جدير بالذكر أن تلك الإجراءات المشددة قد خُطط لها بالتنسيق مع وكالات أمنية في أوروبا والشرق الأوسط، حسبما أوضح المسؤول، إلا أنه لم يحدد هوية تلك الوكالات، أو إن كانت أي وكالات أمنية مصرية ضمنها. وأضاف: "ليس الأمر أننا سوف ننشر عناصر لإدارة أمن النقل في الخارج، بل إن هناك وكالة مشابهة لإدارة أمن النقل في كل دولة، وهناك محادثات واستشارات مستمرة معها".
وفي ذات السياق، أعلن البيت الأبيض عن إجراء "تقييمات للمطارات" بمساعدة دول أخرى، بالإضافة إلى تقديم "عروض للمساعدات الأمنية" لبعض الدول الأجنبية. وأضاف أن تلك المساعدات ستؤول إلى أقل من عشرة مطارات في الشرق الأوسط، دون ذكر لمواقعها تحديدًا. وعلى صعيد آخر، ترفض إدارة أوباما حتى الآن الإعلان بشكل رسمي وقاطع عن أن الطائرة الروسية قد تعرضت للتفجير في الجو من قبل متطرفين على صلة بتنظيم الدولة الإسلامية في العراق وسورية (داعش).
تأتي تلك الجهود الأمريكية وسط انتقادات لإدارة أوباما لفشلها في احتواء خطر التنظيم في الشرق الأوسط، ومخاوف حول امتداد خطر التنظيم ليمس أرواح المواطنين الأمريكيين خارج معاقل التنظيم في الشرق الأوسط، أو على الأراضي الأمريكية.
وعلى الجانب الروسي، أعلن القنصل الشرفي الروسي في شرم الشيخ عن تشديد الإجراءات الأمنية في مطار شرم الشيخ، حيث صرح: "دائمًا ما كانت الإجراءات الأمنية في المطار صارمة، ولكنها الآن أصبحت أكثر صرامة". جدير بالذكر أن روسيا تعتبر المصدر الأول للسياح في منتجع شرم الشيخ، وتليها بريطانيا.
ضغوط على إدارة أمن النقل
وفي سياق آخر، عزز المشرعون الأمريكيون، بمجلس النواب الأمريكي، ضغوطهم على إدارة أمن النقل إثر اكتشاف ثغرات "مثيرة للقلق" في أمن المطارات الأمريكية، وجاء ذلك عقب إجراء مراقبين فيدراليين لاختبارات داخلية لتأمين المطارات. حيث فشل العاملون في الإدارة، سابقًا من العام الحالي، في اكتشاف متفجرات وأسلحة مزيفة مررت عبر معظم المطارات الأمريكية الأكثر ازدحامًا. علق النائب الأمريكي جون ميكا، بشأن إدارة أمن النقل، التي تأسست منذ أربعة عشر عامًا في أعقاب هجمات الحادي عشر من أيلول/سبتمبر، بأنه: "مع الأسف، لم نحقق الكثير من النجاح بصدد الأهداف الرئيسية التي حددناها". ورغم استمرار سرية تفاصيل الاختبارات، كُشف عن نجاح العناصر الفيدرالية السرية في تمرير المحظورات المزيفة في جميع الاختبارات تقريبًا، سبعة وستين اختبارًا من أصل سبعين اختبارًا، بما في ذلك اختبار نجح فيه أحد العناصر في تمرير قنبلة مزيفة ملصقة بظهره.
بغض النظر عن تلك الإجراءات، لم تلمح أي دولة حتى الآن عن نيتها تشديد سياسات منح تأشيرات دخولها. ويبقى أن نعرف المزيد بشأن طبيعة تلك الإجراءات الأمنية الجديدة، وإن كان ذلك سيتسبب في المزيد من التضييق، الذي بدأ بشكل خاص بعد أحداث الحادي عشر من أيلول/سبتمبر، على المسافرين من الشرق الأوسط. كذلك تثير تلك الأنباء تساؤلات حول طبيعة المساعدات الأمنية المقدمة من البيت الأبيض للمطارات الأجنبية، وإن كان ذلك سيشتمل، في المستقبل المنظور بشكل محتمل، على إيفاد أفراد أمنيين أمريكيين إلى تلك المطارات الشرق أوسطية.
اقرأ/ي أيضًا: سجون أمريكا.. فضيحة الديمقراطية