قال الصحفي الفلسطيني وائل الدحدوح، مراسل قناة "الجزيرة" ومدير مكتبها في قطاع غزة الذي غادره في منتصف كانون الثاني/يناير الفائت إلى الدوحة لتلقي العلاج؛ إن "إسرائيل" تقتل الصحفيين عمدًا في غزة، مؤكدًا أنه لم يحدث أن استُهدف المراسلون بهذه الطريقة في أي حرب أخرى.
وأكد الدحدوح، في مقابلة أجرتها معه صحيفة "إل باييس" الإسبانية، أن "إسرائيل" لا تريد من الصحفيين توثيق ما يحدث في غزة: "لكن الصحفيين الفلسطينيين قرروا مواصلة التغطية، ويعيشون في خوف ويعلمون أننا قد نصبح خبرًا".
وذكر أنه لا يجد أي تفسير لقصف المنزل الذي لجأت إليه عائلته في مخيم النصيرات وسط قطاع غزة، حيث استُشهدت حينها زوجته واثنين من أبنائه وحفيده، أو الهجوم الذي أدى إلى استشهاد ابنه حمزة، وكذلك الهجوم الذي كاد يموت فيه.
قال وائل الدحدوح إن "إسرائيل" تقتل الصحفيين عمدًا في غزة، مؤكدًا أنه لم يحدث أن استُهدف المراسلون بهذه الطريقة في أي حرب أخرى
ولفت إلى أن: "أغلب هذه التفجيرات تتم بطائرات بدون طيار، وهي طائرات دقيقة للغاية وتعرف من يتواجد في ذلك المكان في تلك اللحظة"، مضيفًا: "نحن نتنقل في سيارات تحمل علامة (صحافة) أو (تلفزيون). نحن نرتدي خوذات وسترات الصحفيين".
وأشار إلى أنه كان يتوقع منذ البداية أن تستمر الحرب طويلًا، مدة أربعة أشهر، وكان الآخرون يقولون حينها إنه يبالغ. لكنه الآن يشعر أنه كان في حينها متفائلًا، إذ إن: "المصائب التي تعرضنا لها في الهجمات الإسرائيلية السابقة لا تمثل حتى ربع ما نعانيه في هذه الحملة. منذ البداية، كان الدمار أعمى: أغلقت إسرائيل جميع المعابر الحدودية، وحرمت غزة من الغذاء والماء والكهرباء والدواء، وقصفت المنازل دون سابق إنذار".
وعن سؤاله عما إذا كانت هناك لحظة أثرت فيه بشكل خاص أثناء تغطيته للحرب، قال الدحدوح إنه غارق في الصور المؤلمة، ولكن: "ما يبرز بشكل هو الأطفال الموتى، وبعضهم أطفال رضّع، الذين يتم انتشالهم من تحت الأنقاض، ويموتون أمام أعيننا".
وأكمل قائلًا: "بالطبع، على الرغم من أنني لم أكن هناك عندما ماتوا، إلا أنني لا أنسى جثث زوجتي وأولادي وحفيدي.. ماذا يمكنني أن أقول لك؟ كانت كل صورة اضطررت إلى تسجيلها أسوأ من الصورة السابقة".
وشدّد الدحدوح على إيمانه بالمهمة الإنسانية للصحافة، مؤكدًا أن مهمة الصحفيين هي الاستمرار في تقديم التقارير. ولكن: "في الوقت الحالي، وبغض النظر عن مدى صعوبة محاولتهم، لا يستطيع الصحفيون في غزة سوى نقل جزء صغير من الهمجية".
وأضاف: "ولكن في مواجهة جثث أطفالي وزوجتي، التي كانت ركيزة الأسرة، كانت لدي شكوك حول ما إذا كان ينبغي عليَّ الاستمرار أم لا. قررت الاستمرار. زوجتي وأولادي قدموا التضحيات دائمًا من أجلي. لم يكن لديهم حبي وحمايتي أثناء الحروب، حتى أتمكن من مواصلة العمل وتحمل مسؤوليتي لإحداث فرق".
ولفت الدحدوح إلى أن استشهاد أطفاله وزوجته وضعه أمام سؤال ما إذا كان عليه الاستسلام لأنهم استُشهدوا؟ والإجابة كانت لا، إذ عاد بعدها إلى العمل، وكان الأمر: "تحديًا، لأنني لم أرغب في الظهور أمام الكاميرا حدادًا ولم أرغب في التحدث عن نفسي. أردت أن أنقل الحرب بطريقة احترافية، وكأن شيئًا لم يحدث لي. أعتقد أنني نجحت، لكن ذلك أزعج إسرائيل".
وحول سؤاله عما إذا كان صوته قد فقد قوته وشرعيته بعد خروجه من القطاع، قال وائل الدحدوح: "نعم بالفعل. شعوري هو الألم والإحباط لأنني لم أعد قادرًا على القيام بواجبي".
وتابع: "لا أستطيع أن أكون هناك حيث تحدث الأمور، ولا أستطيع مساعدة مواطني الذين يعانون والصحفيين الذين بقوا في الخلف، بدءًا من فريقي. أشعر أحيانًا أنني لم أعد قادرًا على فعل الكثير، لكنني أستمر في محاولة القيام بواجبي من خلال المجيء، على سبيل المثال، إلى قرطبة".
وأكد أن أهالي قطاع غزة الذين يعيشون الحياة اليومية للحرب يحتاجون إلى المزيد من الدعم والإغاثة. وأثنى، في هذا السياق، على موقف الحكومة الإسبانية الذي حظي: "بترحيب كبير من قبل الفلسطينيين وسط هذه الحرب الوحشية".
وعن مستقبل غزة وما ينتظرها، قال: "من المستحيل التنبؤ. لا أحد في القطاع يعرف ما الذي سيحدث، هل ستنتهي هذه الحرب بعد أسبوع أم ستستمر لأشهر. في بعض الأحيان يتم الحديث عن اتفاق أو هدنة، لكن لا شيء يحدث والتفجيرات تتزايد".
وأضاف أن: "سكان غزة على حافة الهاوية، لكنهم يخشون أن يستمر هذا لفترة طويلة، وأن تستمر الحرب لفترة أطول".
وأجاب الدحدوح عن سؤاله حول شعوره الجسدي ومستقبله: "أنا متعب جدًا. لقد خضعت لعملية طويلة ومعقدة لمحاولة الحفاظ على أكبر قدر ممكن من القدرة على الحركة في يدي اليمنى".
وأكمل: "قد أتعافى بنسبة 60%، لكن أمامي سنة من النقاهة. أريد أن أشفى وأن أستمر في العمل كصحفي. وهذا هو الشيء الأكثر أهمية بالنسبة لي. أريد الاستمرار في القيام بعملي".