25-مايو-2021

إسرائيل تنتهج أسلوب الخداع والكذب على نطاق واسع (MEE)

في غمرة الحرب الإسرائيلية الأخيرة على الفلسطينيين في القدس المحتلّة وفي قطاع غزّة والمدن والأحياء الفلسطينية في الأراضي المحتلة، كان كبار المسؤولين الإسرائيليين على جبهة حرب مفتوحة أخرى، تتمثل في نشر وترويج محتوى مضلل وكاذب بخصوص الأوضاع في فلسطين، مصمم خصيصًا من أجل تشكيل صورة عن الفلسطيني بأنه المعتدي والهمجي، وأنه لا يفهم سوى لغة العنف والقوّة، وذلك من أجل تسويغ مستوى الوحشيّة التي تستخدمها إسرائيل في حربها عليهم. 

 حرب المعلومات المضللة التي تتقنها إسرائيل هي جزء أساسي من مشروعها الإيديولوجي الهادف إلى طمس الوجود الفلسطيني وكتم كلّ صوت يدافع عنه

وهكذا ترافق مع الحرب الأخيرة على قطاع غزّة، والتي راح ضحيتها أكثر من 254 شهيدًا، بينهم عشرات الأطفال والنساء، حرب بروباغاندا غير مسبوقة، تعتمد على المعلومات المضللة والمغلوطة، بهدف تشويه الحقائق والتلاعب بها، خدمةً للمصالح الإسرائيلية وإقناع الرأي العام عبر وسائل التواصل الاجتماعي بنسخة مضللة حول الأحداث الجارية وخلفيتها، من أجل دفعهم نحو اتخاذ موقف معيّن، وهو شجب الفلسطينيين بشكل مطلق، والتضامن مع إسرائيل بلا أدنى تحفّظ.

في هذا المقال المترجم بتصرف عن موقع "ميدل إيست أونلاين" يسلّط الأكاديمي المختص بالكشف عن حملات التضليل على وسائل التواصل الاجتماعي، مارك أوين جونز، والأستاذ المساعد في دراسات الشرق الأوسط والعلوم الإنسانية الرقمية، بجامعة حمد بن خليفة، الضوء على بعض حالات التضليل الأكثر خطرًا في الحرب الأخيرة على قطاع غزّة. 


في واحد من أكثر الأمثلة الفاضحة التي شهدناها مؤخرًا على حملات التضليل الإسرائيلية، نجح المتحدث باسم جيش الاحتلال الإسرائيلي، جوناثان كونريكس، بدفع العديد من الصحف ووسائل الإعلام العالمية المرموقة، ومن بينها نيويورك تايمز، والواشنطن بوست، وول ستريت جورنال،  إلى نشر أخبار كاذبة، حيث اندفعت بناء على المعلومات التي قدّمها إلى نشر أخبار تدّعي أن الجيش الإسرائيلي يتأهّب لشنّ هجوم بريّ على قطاع غزّة.

لكن وبعد فترة وجيزة من نشر تلك الأنباء، انتشرت تقارير أخرى على وسائل إعلام إسرائيلية، تفيد بأن ذلك كان تضليلًا متعمدًا، تم الترويج له من أجل دفع حماس لتوجيه عناصرها للخروج من الأنفاق، بما يسهّل عملية استهدافهم من قبل الجيش الإسرائيلي. كونريكس صرّح لاحقًا بطبيعة الحال بأن ما حصل لم يكن سوى "خطأ غير مقصود"، ولا يتوقّع منه أن يقول سوى ذلك. فبوصفه المتحدث الرسمي الأساسي باسم المؤسسة العسكرية الإسرائيلية، لا يسعه أن يقرّ أمام وسائل الإعلام أنّه لقّنهم بشكل متعمد معلومات مضللة. وعلى الرغم من فعلته الفاضحة تلك، واصلت وسائل الإعلام المختلفة التواصل معه لاحقًا، للحصول على المعلومات والتعليق على آخر العمليات.

تشويه صورة المقاومة

أهمّ الحملات الإعلامية المضللة التي تقوم بها إسرائيل ترتبط بشكل مباشر بالرغبة بتشويه صورة حماس، وادعاء أنها منظمة شريرة تستخدم المدنيين دروعًا بشرية، ليكون ذلك بمثابة تسويغ قانوني وأخلاقي لإسرائيل، يبرر قتلها المدنيين في قطاع غزّة وحصارهم. 

ومن الوسائل المضللة التي اتبعتها إسرائيل، ما قام به أوفير جينلدمان، المتحدث باسم رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، حين نشر تغريدة على حسابه الرسمي تشتمل على مقطع فيديو يدعي أن حماس تطلق صواريخ باتجاه إسرائيل، من مناطق مأهولة ذات كثافة سكانية عالية. إلا أن الفيديو الذي حاز على تفاعل واسع جدًا على تويتر وغيرها من المنصّات، لم يكن صحيحًا، بل يعود إلى العام 2018، وتم التقاطه إما في سوريا، أو ليبيا.

وقد تكرّر هذا الأسلوب في مقطع فيديو آخر، يدّعي أن حماس تنقل صواريخها في مناطق سكنيّة، ويقول المتحدث بالمقطع: "نرى هنا أيضًا كيف تستخدم حماس المدنيين دروعًا، كي تتمكن من قتل اليهود، وهي تعلم أن إسرائيل لن تردّ بسبب خشيتها من إلحاق الضرر بالناس الأبرياء". وقد تبين أن مقطع الفيديو يعود كذلك إلى العام 2018، وقد صوّر في منطقة الجليل التي تسيطر عليها إسرائيل، ولا علاقة لحماس به.

كما عملت آلة الدعاية الإسرائيلية على ترويج ادعاءات تتهم الفلسطنيين بالقيام بتضخيم حجم الضحايا المدنيين بسبب الهجمات الإسرائيلية، وذلك لعلم الإدارة الإسرائيلية بأن ارتفاع حصيلة الضحايا المدنيين سيزيد من مستوى التضامن العالمي مع الفلسطينيين وسيسلط الضوء على الوحشية الناجمة عن الاعتداءات الإسرائيلية واحتلالها لأراضي الفلسطينيين.

ناتاليا فاديف، وهي من مجنّدات الاحتياط في الجيش الإسرائيلي، ولها حساب يتابعه أكثر من مليون حساب على تيك توك، نشرت مقطع فيديو يدّعي أن الفلسطينيين يسيرون بجنازة زائفة، من أجل استدرار العطف، إلا أن المقطع الذي نشرته فاديف، وغيرها الكثير من الحسابات الإسرائيلية الشهيرة، لم يكن إلا مقطعًا ساخرًا متداولًا أنشأه حساب أردني قبل فترة تسبق الأحداث في غزّة.

أسلحَة الكذب

لم تلجأ إسرائيل إلى المعلومات المضللة وتمنح نفسها الحريّة باستخدامها على هذا النطاق الواسع والمتكرر؟ الإجابة التي يقدمها مارك أوين جونز، هي أن المعلومات المضللة تضحي ضرورة حين لا يعود من الممكن تقديم رواية صحيحة لما يجري دون الاعتراف بارتكاب انتهاكات جسيمة لقوانين وأعراف دولية تتعلق بحقوق الإنسان.

في سياق حرب غزّة والعدد الصادم من الضحايا وحجم الدمار الذي نجم عنها، تضحي عبارة "معلومات مضللة" عبارة تلطيفية للواقع، لا تفي ببيان حجم الجريمة والواقع الذي خلقته، لذلك يرى أوين جونز أن الأجدر في هذه الحالة استخدام عبارة "الكذب الفتّاك"، بمعنى الكذب الذي يفوق في أثره سلاح الجريمة نفسه، أو ربما يمكن القول إنها "الإدارة بالكذب"، بحسب تعبير الأكاديمي مايكل بيترز، وهي المنهجية التي باتت تلجأ إليها العديد من الأنظمة عبر الترويج للمعلومات المضللة والكاذبة.

وردًا على التحفّظ القائل بأن طرفي الصراع يستخدمان المعلومات المضللة، يقول جونز إن هذا النوع من التحفّظ مضلل هو الآخر رغم ما قد يشتمل عليه من حقيقة. فادعاء أن كلا الطرفين يستخدمان القدر نفسه من المعلومات يوحي بشكل مضلل بتعادل أثر التضليل الصادر من كل منهما، في حين يتجاهل بأن أحد هذين الطرفين هو دولة متقدّمة تحاول أن تروّج صورة عن نفسها بأنها قوة مدنيّة، بالرغم من أنها دولة محتلّة لأراضي الآخرين، بشكل مخالف للقوانين الدولية.

في سياق حرب غزّة والعدد الصادم من الضحايا وحجم الدمار الذي نجم عنها، تضحي عبارة "معلومات مضللة" عبارة تلطيفية للواقع، لا تفي ببيان حجم الجريمة والواقع الذي خلقته

الواقع هو أن حرب المعلومات المضللة التي تتقنها إسرائيل هي جزء أساسي من مشروعها الإيديولوجي الهادف إلى طمس الوجود الفلسطيني وكتم كلّ صوت يدافع عنه، في عمليات معقّدة ومستدامة من سوء الاستخدام المتعمّد للكلمات والتلاعب بالمعلومات، من أجل إسقاط حق الفلسطينيين وتهميشهم والسيطرة على الصورة التي تصل إلى العالم عنهم.

 

اقرأ/ي أيضًا: 

برلمان إيرلندا يصوت على مقترح لطرد السفير الإسرائيلي من البلاد