أطلقت مجلة دفاتر السينما الفرنسية قائمة بأفضل عشرة أفلام في عام 2016، هذه المجلة التي تُعرف بعراقتها وأصالتها (منذ انطلاقتها إلى يومنا هذا) رغم التراجع الطفيف في شعبيتها إلاّ أنها مازالت تُعتبر كمجلة كلاسيكية أصلية في النقد السينمائي، يعود ذلك ربما لخروج الموجة الفرنسية الجديدة في السينما من عباءتها وقيام أسماء هامة من مخرجيّ تلك الموجة بإدارة وتحرير المجلة. اهتم السينمائيون بقائمة العشرة أفلام وبدؤوا يتناقلونها باهتمام، بعضهم رحبّ بخيارات المجلة واعتبرها دقيقة ومحقة وبعضهم استغرب بعض الخيارات في القائمة التي جاءت كالتالي.
المرتبة الأولى كانت للفيلم الألماني "توني إيردمان" لمخرجته مارين إده، والذي يحكي عن السبعيني وينفريد مدرس موسيقى متقاعد يعيش وحيدًا، وللتغلب على وحدته يبتكر طريقته التهريجية خلال لقاء الأصدقاء. إلى أن يحط رحاله عند ابنته إينيس الثلاثينية التي تحولت لآلة تتحرك دون مشاعر لانشغالها بالعمل طوال الوقت، سبب يدفع وينفريد للتحول إلى توني إيردمان.
والفيلم الثاني للممثلة المعروفة إيزابيل أوبير التي لاتمل السينما من إنجازاتها وحضورها فكان لها نصيب وفير من الأفلام هذا العام، قدمت في فيلم "هي" أداءً استثنائيًا جمعت فيه بين الكوميديا والغموض والدراما، هي حياة ميشيل التي تتعرّض للاغتصاب وتقرر أن تجد الفاعل بنفسها.
أمّا خيار المجلة الثالث فكان حول فيلم "شيطان النيون" الخيار الذي أثار استغراب وانتقاد العديد من المتابعين لأفلام هذا العام، نظرًا لوجود مشاهد عنيفة مبالغ فيها. يحكي الفيلم حكاية فتاة مراهقة بالغة الجمال تنتقل من بلدتها الصغيرة إلى لوس أنجلوس لدخول عالم الموضة والأزياء، تلقى هناك ترحيبًا يوصلها للاحتراف. ولكن لم يكن لها ما تريد حيث تقتل الفتاة وتؤكل.
اقرأ/ي أيضًا: فيلم "البئر".. هل يمنح الجزائريين أوسكار؟
رابعًا كان فيلم "أكواريوس" لعبت بطولته النجمة سونيا براغا، والتي لايمكن ذكر الفيلم دون التطرق إليها، كواحدة من أهم نجمات السينما في أمريكا الجنوبية وإحدى المبدعات اللواتي نذرن حياتهن من أجل السينما وقضايا المجتمع في أمريكا اللاتينية بشكل عام والبرازيل بشكل خاص. تقوم بدور كلارا، آخر قاطني مبنى أكواريوس الذي شيّد في الأربعينيات. شقتها في ذلك المبنى تعني لها الكثير من الذكريات والحنين، يحاول أحد العقاريين إخراجها منها مقابل عرض مغرٍ ولا تقبل به. فتبدو كامرأة وحيدة في متروبول.
جاء خامسًا الفيلم الفرنسي "ما لوت" للمخرج برونو دومون، والذي يتطرف برؤيته للشخصيات التي تبدو كبيرة على المكان والصورة، فاختار لها تصورًا كاريكاتيريًّا مبالغًا فيه حول الشكل واللباس حتى التصرفات والسلوك، هنا أيضًا لا تخلو الصورة من الدماء ومشاهد لأكل لحوم بشر، ضمن قوالب ساخرة من سلوك وأسلوب الحياة البرجوازيّة لسكان مدينة نائية في شمال فرنسا عام 1910.
فيلم "خوليتا" جاء سادسًا وهو أكثر الخيارات منطقية برأي المتابعين، الفيلم الأخير للمخرج الإسباني بيدرو ألمودوفار والذي أُثير حول شخصه لغط كبير ريثما جاء الفيلم ليمحوه. خوليتا فيلم ألمودوفاردي الحكاية والشكل. يقوم على سلسلة مصادفات تخضع لها حياة البطلة التي تقرر أن تواجه قدرها المتمثل بفقدان أقرب الأشخاص، بعد محاولة تناسي الألم وفهم هذا الفقد ومعالجته في يومياتها.
اقرأ/ي أيضًا: أليسيا فيكاندر: الألم الذي يمكنك احتماله يتغيّر
سابعًا وليس بعيدًا عن المسابقة الرسمية لمهرجان كان، والتي أخذت منها قائمة مجلة دفاتر السينما أغلب ترشيحاتها ومراتبها العشرة، فيلم "البقاء عموديًا" الذي يرويّ حكاية طفلٍ موهوب، تخلت أمه عنه، واقتنع بموهبته أحد صناع الأفلام وجعله بطلًا لفيلمه.
تعرف مجلة دفاتر الفرنسية بعراقتها وأصالتها، فرغم تراجع شعبيتها إلا أنها ما زالت تعتبر مجلة كلاسيكية أصلية في النقد السينمائي
كان الاختيار الثامن كوميديًا أيضًا، في الفيلم الفرنسي "قانون الغاب" الذي تدور أحداثه حول شخصية الموظف مارك والذي يعمل بإحدى الوزارات ويتم إرساله إلى غابات الأمازون لتطبيق المعايير الأوروبية في التدبير السياحي في بيئة مختلفة.
أمّا الترتيب ما قبل الأخير فذهب لفيلم "كارول" للمخرج توود هاينز. الفيلم الذي غصت به مجلات السينما والمتابعات السينمائية في العام الفائت، حيث حضره كل من أحب أعمال المخرج وبطلتيه كيت بلانشيت وروني مارا، وترشحت على إثره بلانشيت لأوسكار أفضل ممثلة. ولكن أكثر مايثير التساؤل لماذا اختارت مجلة دفاتر السينما فيلمًا من عام مضى لوضعه بين قائمة أفضل عشرة أفلام. والسبب يعود لأن توقيت عرض الفيلم في صالات السينما الفرنسية صادف قبل نهاية العام الفائت، واختارت دفاتر السينما قائمتها من الأفلام المعروضة بين 16 كانون أول/ديسمبر 2015، 15 كانون أول/ديسمبر 2016.
اقرأ/ي أيضًا: وخز الجروح القديمة في فيلم "متاهة الأكاذيب"
تدور أحداث الحكاية في الخمسينيات تحديدًا في نيويورك، حين تجد امرأتان نفسيهما في علاقة حب، رغم غرابة العلاقة واختلافهما عن بعضهما عمريًّا واجتماعيًا. كارول امرأة متزوجة وتيريز فتاة في مقتبل العمر، تلتقيان في محل لبيع الألعاب. وأمام تابوهات اجتماعية تعيشان علاقة حبّ متمردة على الذكورة وأشكال التهميش الاجتماعي للمرأة.
لم يغب الفيلم الوثائقي عن القائمة الفرنسية فحضر بالترتيب الأخير، فقد أعطت دفاتر السينما تقييمًا جيدًا للفيلم الوثائقي "الأخشاب التي تصنع منها الأحلام" للمخرجة كلير سيمون، والذي لم يُعرض بعد في الصالات الفرنسية، غير أنه من إنتاج عام 2015 كما هو حال فيلم "كارول" فلربما وجد القائمون على المجلة تأثيرًا ما للفيلم الذي يقول أحد شخوصه بأنها كالكون الصغير أو الجنة الصغيرة هي الغابة التي يمكنك أن تأخذ فيها مكانًا لك لممارسة كل ما تحب وتفضل من العبادة إلى الجنس.
على رغم كل الاختلاف والتباين الذي حملته القائمة إلاّ أنها حاولت استيعاب وحصر أغلب ماقد مرّ في صالات السينما الفرنسية وترك انطباعًا استثنائيًا لدى الجمهور.
اقرأ/ي أيضًا:
دليلك السينمائي لفهم أمريكا في عهد دونالد ترامب
أفضل أفلام عام 2016