18-يوليو-2023
gettyimages

أعرب الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش عن أسفه لقرار روسيا الانسحاب من اتفاق الحبوب (Getty)

تواصلت ردود الفعل الدولية على قرار روسيا الانسحاب من اتفاقية الحبوب في البحر الأسود، التي سمحت لأوكرانيا بتصدير عشرات الملايين من أطنان الحبوب خلال العام الماضي.

كانت أوكرانيا تستعد لخطة احتياطية لإخراج شحناتها من الحبوب دون اتفاق

​وأعرب الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، أمس الإثنين، عن أسفه لقرار روسيا الانسحاب من اتفاق الحبوب.

 وخلال مؤتمر صحفي عقده في مقر الأمم المتحدة في مدينة نيويورك، قال غوتيريش للصحفيين إن "قرار روسيا اليوم سيوجه ضربة للمحتاجين في كل مكان"، وأضاف أن "اتفاق الحبوب كان بمثابة شريان حياة للأمن الغذائي العالمي، ومنارة للأمل في عالم مضطرب".

وأوضح غوتيريش، قائلًا: "في الوقت الذي يتعطل فيه إنتاج الغذاء وتوفره بسبب النزاعات وتغير المناخ وأسعار الطاقة وغير ذلك، ساهمت هذه الاتفاقية في خفض أسعار المواد الغذائية بأكثر من 23% منذ آذار/مارس من العام الماضي".

تنا

وحذر الأمين العام للأمم المتحدة من أن "مئات الملايين من الأشخاص الذين يواجهون الجوع سيدفعون الثمن".

بدوره، عبر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، عن ثقته بأن الروسي فلاديمير بوتين، يرغب في استمرار اتفاقية الحبوب.

وأشار أردوغان، إلى أنه سيتواصل مع نظيره الروسي قريبًا، قائلًا: "رغم التصريحات الصادرة اليوم، أؤمن بأن صديقي الرئيس الروسي بوتين يرغب في استمرار هذا الجسر الإنساني"، وأضاف "ربما نتخذ خطواتنا عبر اتصال هاتفي مع بوتين دون أن ننتظر حلول آب/أغسطس"، في إشارة لموعد زيارة بوتين لتركيا، الذي أعلن عنه أردوغان في وقتٍ سابق. 

واعتبر أردوغان أن اتفاقية الحبوب دخلت التاريخ بوصفها "نجاحًا دبلوماسيًا هامًا"، مبينًا أنه تم "شحن أكثر من 33 مليون طن من الحبوب إلى الأسواق العالمية" بفضل هذه الاتفاقية.

getty

ونوه الرئيس التركي إلى أن "اتفاقية نقل الحبوب منعت انجرار كثير من الدول ذات الدخل المنخفض إلى أزمة غذائية".

من جهته، قال وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، إن قرار روسيا الانسحاب من صفقة الحبوب في البحر الأسود "غير معقول"، وأكد بلينكن، خلال مؤتمر صحفي عقده بمبنى وزارة الخارجية الأمريكية، أنه "يجب استعادة الاتفاق في أسرع وقت ممكن".

بدوره، دان الاتحاد الأوروبي، القرار الروسي، وكتبت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، في حسابها على تويتر: "أدين بشدة إعلان موسكو أن الاتفاق الخاص بتصدير الحبوب الأوكرانية انتهى عمليًا"، وأضافت: "هذه الخطوة الروسية تضر بالأمن الغذائي"، مؤكدةً على أن "الاتحاد الأوروبي يعمل على ضمان الأمن الغذائي للفئات الضعيفة في العالم. سنستمر في توفير منتجات الأغذية الزراعية من أوكرانيا إلى الأسواق العالمية".

من جهته، أعرب منسق السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل، عن أسفه حيال القرار الروسي، وأوضح قبيل مشاركة في قمة الاتحاد الأوروبي ومجموعة دول أمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي، في بروكسل أن هذا القرار "خطير للغاية، وسيخلق العديد من المتاعب لكثير من الناس في جميع أنحاء العالم". 

getty

وأضاف بوريل: "تعمل روسيا مرة أخرى على تسليح جوع الناس"، وتابع "سيؤدي هذا إلى تفاقم الصعوبات الاقتصادية، وانعدام الأمن الغذائي العالمي"، وأكد بوريل أنهم في الاتحاد الأوروبي سيبذلون قصارى جهودهم من أجل "توفير الحبوب الأوكرانية للأشخاص الذين يحتاجونها".

ومن جهتها، اعتبرت الحكومة البريطانية، القرار "مخيب للآمال"، لكنها ستعمل على "مواصلة المحادثات في سبيل إعادة العمل بالاتفاق"، وقال المتحدث باسم رئيس الوزراء البريطاني في تصريحات صحفية "إذا لم تجدد روسيا الاتفاقية فستحرم الملايين من إمدادات الحبوب الأساسية بالنسبة لهم".

أما مستشار الرئيس الأوكراني ميخايلو بودولياك، فقال إن "التعليق كان متوقعًا، وهي مسرحية سياسية"، وأضاف بودولياك أننا "نتعامل مع الأساليب الكلاسيكية للاتحاد الروسي التي لم تعد تتطلب ردود فعل متبادلة كبيرة".

وكتب في صفحته على تويتر: "لا يمكن أن تكون الحبوب هدفًا عسكريًا مشروعًا"، وأضاف: "البحر الأسود ليس منطقة مائية داخلية لروسيا ولا يخضع لولايتها القضائية"، وأكد "تحتاج عدد من البلدان إلى الحبوب الأوكرانية بالمعنى الحرفي للكلمة"، وشدد على أنه "من المهم ضمان توريد الحبوب الأوكرانية إلى السوق".

getty

ويمثل القرار الروسي، نهاية لاتفاق توسطت فيه الأمم المتحدة وتركيا الصيف الماضي لشحن الحبوب والسلع الغذائية من الموانئ الأوكرانية إلى دول العالم، ما قد يفاقم أزمة الغذاء العالمية. 

ما هي اتفاقية نقل الحبوب؟

تعتبر أوكرانيا واحدة من أكبر مصدري القمح وزيت عباد الشمس في العالم، وكان يتم شحن حوالي 5 مليون طن من الحبوب والبذور الزيتية شهريًا عبر موانئها على البحر الأسود، وتكفي الصادرات الغذائية لإطعام 400 مليون شخص في العالم.  

وفي أعقاب الغزو الروسي لأوكرانيا في شباط/فبراير 2022، تم إغلاق ستة موانئ أوكرانية على البحر الأسود، وتعرض بعضها لأضرار بسبب القصف الشديد، ونزل مستوى الصادرات الأوكرانية إلى الصفر، دون مكان لتخزين أو بيع المحصول الوفير، ما كان له تأثير مباشر على الأمن الغذائي العالمي. 

وأدى هذا الوضع إلى توسط الأمم المتحدة وتركيا في اتفاق للسماح بمرور آمن لصادرات الحبوب الأوكرانية عبر البحر الأسود، في مقابل اتفاق منفصل يسهل حركة الأغذية والأسمدة الروسية. 

ونصت الاتفاقية الموقعة بين روسيا وتركيا وأوكرانيا والأمم المتحدة على إنشاء مركز تنسيق رباعي الأطراف في إسطنبول يقوم ممثلوه بتفتيش سفن الحبوب لمنع تهريب الأسلحة، وتقوم السفن الأوكرانية بتوجيه سفن الشحن إلى المياه الدولية للبحر الأسود، وتجنب المناطق الملغومة التي تم تلغيمها من الجانب الأوكراني لحماية سواحله من الهجمات الروسية، ثم تتجه السفن نحو إسطنبول على طول الممر الإنساني البحري المتفق عليه. 

وغطت الاتفاقية ثلاثة موانئ أوكرانية على ساحل البحر الأسود هي: أوديسا، تشيرنومورسك، ويوجني.

وساعدت الاتفاقية في تصدير 33 طن من الحبوب إلى العالم، أكثر من نصفها إلى الدول النامية، وفقًا لمركز التنسيق المشترك في إسطنبول.

وهو ما ساهم في دعم المزارعين الأوكرانيين، وأدى إلى خفض أسعار الحبوب في السوق العالمية التي شهدت ارتفاعًا كبيرًا مع بداية الغزو الروسي لأوكرانيا.

getty

تراجع عمليات شحن الحبوب 

واجه اتفاق نقل الحبوب مشاكل عديدة، فقد انسحبت روسيا لفترة وجيزة في تشرين الثاني/نوفمبر من العام الماضي قبل عودتها إلى الاتفاق والموافقة على تمديده بواسطة تركية.

وفي الأشهر الأخيرة، تراجعت كمية الأغذية المشحونة وعدد السفن التي تغادر أوكرانيا، بعد اتهام روسيا بمنع سفن إضافية من نقل شحنات الحبوب من الموانئ الأوكرانية.

وانخفضت كمية الحبوب المشحونة شهريًا بعد أن وصلت إلى ذروة 4.2 مليون طن في تشرين الأول/ أكتوبر من العام الماضي إلى 1.3 مليون طن متري في أيار/مايو من هذا العام، وهو أقل حجم منذ بدء العمل بالاتفاق.

ما هي الاعتراضات الروسية؟

كان القرار الروسي بالانسحاب من الاتفاقية، بسبب الادعاءات بأن الأمم المتحدة والدول الغربية فشلت في تلبية مطالبها لمواصلة الالتزام الاتفاق.

وعلى الرغم من أن العقوبات الغربية التي تنص على إعفاءات للمواد الغذائية والأسمدة، إلّا أن الكرملين يجادل بأن العقوبات التي تستهدف الأفراد الروس وبنك الزراعة التابع للدولة تعيق صادراتها، مما يخالف اتفاقًا ثانيًا تم التوصل إليه الشهر الماضي، والذي التزمت بموجبه الأمم المتحدة بتسهيل الصادرات الروسية.

ورفضت موسكو حلًا وسطًا اقترحته الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي لإنشاء وحدة جديدة داخل البنك يُسمح لها بإجراء معاملات تتعلق بتجارة الحبوب.

وهددت روسيا بالانسحاب ما لم تُرفع هذه العقوبات، وإعادة البنك الزراعي الحكومي إلى نظام الدفع المصرفي الدولي "SWIFT".

ما تأثيرات انسحاب روسيا من الاتفاقية؟

تعتبر أوكرانيا أحد أكبر المصدرين الرئيسيين للحبوب في العالم، بحصة عالمية تبلغ 42% من صادرات زيت عباد الشمس، و16% من صادرات الذرة، وما يقرب من 10% من صادرات القمح العالمية.

 وكانت بعض البلدان تعتمد بشكل كبير على الإمدادات من أوكرانيا، التي وفرت حوالي 40% من إمدادات القمح لبرنامج الأغذية العالمي.

في الأشهر الأولى من الغزو الروسي لأوكرانيا، منعت البحرية الروسية حركة السفن من الدخول والخروج من الموانئ الأوكرانية على البحر الأسود، حيث حاصرت حوالي 20 مليون طن من الحبوب المعدة للتصدير، إلى جانب مواد غذائية أخرى؛ مثل الذرة وزيت عباد الشمس.

وقد ساهم ذلك في ارتفاع أسعار المواد الغذائية الأساسية حول العالم، إلى جانب الزيادات في تكلفة الطاقة، ووجدت أعداد متزايدة من الناس أنفسهم على شفا المجاعة، خاصة في الدول الفقيرة المعرضة بالفعل لخطر انعدام الأمن الغذائي. 

على سبيل المثال، قفز سعر القمح بعد الغزو الروسي لأوكرانيا بنسبة 50% منذ عام 2021، وكذلك شهدت الحبوب الأخرى قفزات كبيرة.

كما كان للإعلان الروسي عن تعليق مشاركتها في الاتفاقية في تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي كافيًا في ارتفاع أسعار القمح بأكثر من 5%، وهو ما أثار مجددًا القلق في أوكرانيا وخارجها من تداعيات هذا القرار.

ما هي التأثيرات على الدول الفقيرة؟

كانت صفقة حبوب البحر الأسود في قلب معركة دعائية استمرت لأشهر بين موسكو وكييف حول من يمكنه الادعاء بحق أنه يطعم العالم . 

زعم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الأسبوع الماضي أن الصادرات الأوكرانية التي تذهب إلى البلدان الفقيرة لا تمثل سوى 3% من مجمل الصادرات، لكن الأرقام التي جمعتها منصة بيانات الشحن "Kpler" تتناقض تمامًا مع هذه التصريحات.

ومع ذلك، فإن أي انخفاض في الإمدادات العالمية أو زيادة الأسعار مهما كان صغيرًا فهو يؤثر على البلدان الفقيرة التي تواجه انعدام الأمن الغذائي، وقالت منظمة المعونة "أوكسفام"، التي حثت على مزيد من الدعم لصغار المزارعين في البلدان التي تعتمد على واردات الغذاء: "الآن بعد أن تم إلغاء هذه الصفقة، أصبح من الملح للغاية إعادة التفكير في كيفية إطعام العالم".

زكي وزكية الصناعي

ما هي الحلول أمام أوكرانيا؟

كانت أوكرانيا تستعد لخطة احتياطية لإخراج شحناتها من الحبوب دون اتفاق، يتوقف هذا جزئيًا على صندوق ضمان قيمته 500 مليون دولار لتغطية أي أضرار أو نفقات تتكبدها السفن التي تتحرك عبر البحر الأسود، وجزئيًا على شحن المزيد من الحبوب عبر نهر الدانوب في أوروبا. 

قبل الغزو، كان يتم تصدير بضع مئات الآلاف من الأطنان شهريًا عبر هذا الطريق، وعلى مدار العام الماضي، ارتفع هذا الرقم إلى 2 مليون طن، وهناك احتمال لمضاعفة هذا الرقم، وفقًا لجمعية الحبوب الأوكرانية.

زعم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الأسبوع الماضي أن الصادرات الأوكرانية التي تذهب إلى البلدان الفقيرة لا تمثل سوى 3% من مجمل الصادرات، لكن الأرقام التي جمعتها منصة بيانات الشحن "Kpler" تتناقض تمامًا مع هذه التصريحات

بينما يمكن لأوكرانيا أن تستمر في التصدير بدون صفقة الحبوب في البحر الأسود، لكن الأمر سيسبب لأضرار للمزارعين الأوكرانيين في أوكرانيا. ويقول المحللون إن زيادة التكاليف اللوجستية تعني أنه سيتعين عليهم البيع بسعر مخفض.