14-يوليو-2019

غرافيتي في روما

في قصيدته الثقيلة "الخرافة"، يحكي الشاعر نزار قباني قصة الخوف، لا مجال للاستغراب، فالخوف الذي سبب انهيارنا ليس نابعًا من أسباب منطقية بل من خرافات، سرعان ما تتحول إلى أسباب ودوافع للخوف، حتى أننا نخاف الحب.

خوّفونا من عذاب الله إن نحن عشقنا

قضيت سنوات طفولتي الأولى في السعودية، ورغمًا عن بعد السنين، أذكر جيدًا كيف كان يتعامل المجتمع السعودي مع المرأة، فالمرأة هناك اسمها "حُرمة"، حينما كنا صغارًا كان مسموحًا لنا بالدخول إلى أماكن النساء، ثم حينما كبرنا قليلًا علمنا أنه لا ينبغي لنا التواجد هنا، فالنساء لا يجتمعن بالرجال، لا في المدرسة ولا في الأفراح ولا في أي مكان، الميزة كانت أن الرجال يستطيعون الذهاب إلى أي مكان، بينما لا تستطيع النساء أن تخطو باب البيت إلا في صحبة "محرم".

ها نحن في القرن الحادي والعشرين ولا يزال شيوخ السلفية الوهابية مقتنعين أن المرأة عورة

اقرأ/ي أيضًا: نيكي ميناج الأكثر انسجامًا مع ذاتها من مضيفيها

ها نحن في القرن الحادي والعشرين ولا يزال شيوخ السلفية الوهابية مقتنعين أن المرأة عورة. حينما تخرج لا يظهر منا شيء ولا تختلط بالرجال مطلقًا، لا تحادثهم ولا تختلط بهم ولا تدرس أو تعمل معهم، بل إن البعض منهم حرّم تعليم المرأة وعملها، ولنتحدث بشكل أكثر وضوًحا، هم كانوا يرون ذلك حتى أتى محمد بن سلمان فغيّر كل هذا، وكأنه يبشر بدين جديد غير ذلك الذي كانوا يدعون إليه.

لك أن تتخيل أن هؤلاء الذين يغيّرون دينهم بدين الحاكم، هم من تحكموا في مستقبل أجيال، هم من صنعوا الخوف من المرأة والحب والجنس، ثم حينما اتتهم السياسات الجديدة بدّلوا كل شيء، كيف نصدقهم وقد كذّبوا أنفسهم؟

هدّدونا بالسكاكين إذا نحن حلمنا

الحب في جوهره إحساس ثمين للغاية، كيان لا يُرى بالعين المجردة، لكنه محلق فوق كل التفاصيل، فعندما تحب لا ترى من أحببت كما يراه غيرك، الحب سيجعلك مفتونًا بملامح وجهه وتفاصيله التي لا يعلم هو عنها شيئا، إمساكه بكوب القهوة وطريقته الأثيرة في المشي، مخارج حروفه وحركة رأسه عندما يضحك، وأهم من كل ذلك: لمعة أعينه التي لا تعلم إن كانت دموعا أم فرحة!

نحلم أن نتزوج ممن أحببنا لنقضي معه ما تبقى من العمر، فمن أحب تغلق في وجهه كل أبواب السعادة إلا بابُ من أحب. يملك المحبوب مفتاح القلب وسره الأبدي، حتى إننا نشعر بالنقصان إذا غاب، وبالتمام إذا حضر، هذه الحروف أثارت لدى غصة في الحلق ومرارة، كلنا نعلم سببها: نحن لا نتزوج من نحب!

عندما نحب يقف العالم في وجوهنا وقوف الغزاة في أعين الشعوب، هم يريدون جعلنا تروسًا تدور في حلقة مفرغة، يسرقون قوت يومنا ثم يدفعوننا للبحث عن عمل يوفر بالكاد ثمن الخبز، تدفعنا الظروف للقهر فنكسر قلوب بعضنا البعض، منقسمون نحن، بعضنا أحب من لم يحبه، والبعض الآخر منعه المال والأهل من الزواج بمن بادله الحب، معذبون كسيزيف نصعد الجبل بالصخرة ثم نهوي إلى الأرض، تعيينا مرارة الفراق لكننا أحيانًا ننتصر!

الحب في جوهره إحساس ثمين للغاية، كيان لا يُرى بالعين المجردة، لكنه محلق فوق كل التفاصيل

ننتصر بقوة الحب التي تخبرنا أننا لن نقضي آخر أيامنا مع من أحببنا إلا بالحرب، لا سبيل إلا أن تحارب العالم من أجل تلك الفتاة التي أصابتك طلتها الأولى برعشة سرت بين أضلعك، وأنتِ كذلك لن تتزوجي ذلك الرجل الذي يُخيل لكِ أنه يملك أمان قلبك إلا بالحرب.

اقرأ/ي أيضًا: الحب الرقمي

لنخض جميعًا حربنا ضدهم، هزمنا أم انتصرنا، في الحالتين: لم نستسلم لكارهي الحياة، وحاولنا. ذلك أننا نحب الحب.

 

اقرأ/ي أيضًا:

"وصفوا لي الحب".. أيديولوجية العاطفة في القرن الـ21

درجات الحب عند العرب