26-أغسطس-2023
gettyimages

زار زعيم فاغنر مالي وأفريقيا الوسطى، وقابل قيادات من قوات الدعم السريع في السودان (Getty)

كشفت صحيفة "وول ستريت جورنال"، تفاصيل "الرحلة الأخيرة"، لزعيم مجموعة فاغنر العسكرية يفغيني بريغوجين، إلى أفريقيا، التي عاد منها إلى روسيا، قبل أن تتحطم طائرته شمال موسكو، مما أدى إلى مصرعه و6 من عناصر مجموعة فاغنر، بالإضافة إلى طاقم الطائرة.

وتشير الصحيفة إلى أنه، قبل أسبوع من سقوط طائرته ومقتله، وصل زعيم فاغنر بريغوجين إلى بانغي عاصمة جمهورية أفريقيا الوسطى، أولى الدول التي تعاقدت مع شركته الخاصة، حيث التقى برئيس الجمهورية فوستين أرشانغ تواديرا، ورئيس استخباراته وانزيت لينغيسارا  في القصر الرئاسي. 

في رحلته الأخيرة إلى أفريقيا، سعى بريغوجين، إلى الحصول على الذهاب، وإرسال مجموعته إلى دعم الانقلاب في النيجر

ووفق ثلاثة أشخاص مطلعين على الاجتماع، فإن بريغوجين أخبر تواديرا أن تمرده المجهض في روسيا لن يحول تجنيد المزيد من المقاتلين، والمضي قدمًا في استثماراته مع شركائه التجاريين في أفريقيا الوسطى. 

وقال شخص مطلع على ما دار في الاجتماع، إن بريغوجين قال لتواديرا: "إن فاغنر تستطيع تعزيز حضورها هناك لضمان الأمن، وتسهيل الاستثمارات الجديدة في الزراعة". 

ومع ذلك، لم يرد المتحدث باسم تواديرا على طلب "وول ستريت جورنال" التعليق على هذه الأخبار، كما رفض لينغيسارا التعليق على الأمر كذلك. 

وتقول الصحيفة الأمريكية، إنه بعد وقتٍ قصير، هبطت مروحية تابعة لمجموعة "فاغنر" في مكان قريب، على متنها خمسة من قادة قوات الدعم السريع السودانية، التي زودتها "فاغنر" بصواريخ أرض جو، حيث وصلوا من إقليم دارفور الذي يشهد مواجهات مسلحة واضطرابات إلى العاصمة بانغي، حاملين هدية لبريغوجين هي  عبارة عن صندوق سبائك ذهب من  منجم سونجو في دارفور، وهو أحد المناجم التي يشارك عناصر "فاغنر" في تأمينها غربي السودان.

ووفقًا لمسؤول سوداني مطلع على الاجتماع، قال بريغوجين: "أحتاج إلى المزيد من الذهب". وتشير سجلات الطيران إلى أن بريغوجين توجه إلى العاصمة المالية باماكو بعد ذلك، ثم سجَّل مقطعًا مصورًا من أمام شاحنات صغيرة تابعة للجيش المالي، ومن ثم عاد بعدها إلى موسكو. 

getty

وفد المخابرات الروسية إلى ليبيا

على الجانب الآخر من الصحراء، كانت وزارة الدفاع الروسية منافسة بريغوجين، بحسب وصف الصحيفة، ترسل رسالة إلى الجهات التي تتعامل مع "فاغنر" في ليبيا، مفادها أن الكرملين شرع رسميًا في السيطرة على شبكة فاغنر واسعة الانتشار .

وترأس الوفد الروسي، نائب وزير الدفاع يونس بك يفكوروف، وهو الرجل الذي سبق أن وبّخه بريغوجين علنًا، حين سيطرت فاغنر على مقر المنطقة العسكرية الجنوبية في مدينة روستوف بعد تمردها على سلطة موسكو في  24 حزيران/يونيو الماضي.

وقال المدير الإداري لشركة "ليبيا ديسك" للاستشارات الأمنية، محمد الجارح، التي لديها اتصالات في معسكر حفتر، إن "تمرد بريغوجين جعل الدائرة المقربة من حفتر متوترة بشأن وجود فاغنر في ليبيا". 

وأضاف الجارح، أن"الزيارة الروسية، ناقشت إقامة شراكة دفاعية رسمية مع الحكومة الروسية"، حيث سيتمركز  ضباط من المخابرات الروسية في بنغازي، وستحل شركة مرتزقة جديدة مكان "فاغنر"، مع الاحتفاظ بنفس العناصر الموجودين في البلاد. 

في المقابل، طلب حفتر من الوفد الروسي، قطع غيار وتدريب وصيانة لأسطول طائراته المتقادم، علاوة على مطالبته بمساعدة روسيا في تزويده بطائرات إيرانية مُسيّرة تماثل تلك المستخدمة في الحرب بأوكرانيا. 

وقال مسؤول أمني ليبي: "أرادت روسيا إن تبعث برسالة مفادها أن الأمر قد تحول الآن إلى شراكة بين جيشين". 

وكشف يفكوروف لحفتر، أن بوتين أخبره بأن "ليبيا مهمة جدًا لنا، ولذلك فإنها أول دولة نزورها"، من الدول التي ينتشر فيها عناصر "فاغنر".

وتقول "وول ستريت جورنال"، إن بريغوجين عاد إلى روسيا وهو لا يدرك أن جولته هذه كانت جولة الوداع، فقد توقف في مالي، ومنها شق طريقه عبر المجال الجوي للدول التي تدور فيها خفية محاولات الكرملين للسيطرة على إرث الشركة، ويحاول بريغوجين إنقاذها.

getty

مصير مجهول لـ"فاغنر"

ارتبطت شهرة "فاغنر"، والشركات الوهمية لبريغوجين، التي يبلغ عددها نحو 100 شركة، في الغالب بعمليات المرتزقة التي تتولاها المجموعة، ولكن أعمال بريغوجين توسعت في آخر حياته لتشمل التمويل والبناء والإمداد والخدمات اللوجستية والتعدين والموارد الطبيعية، وحتى تجارة الخيول الأصيلة، وشركة لتنظيم سباقات الخيول تسيطر عليها ابنته بولينا.

وقال مسؤولون غربيون وأفارقة، إن دخل "فاغنر" يأتي من صادرات الذهب السوداني إلى روسيا، والألماس والخشب من جمهورية أفريقيا الوسطى إلى الإمارات والصين. 

وبعد مقتل بريغوجين، أصبح مستقبل هذه الشركات مجهولًا، فيما يسعى الكرملين الآن إلى تأميم هذه الشبكة المترامية الأطراف، والتي كان يتحكم فيها بريغوجين بنفسه. 

المخابرات الروسية وإرث فاغنر

يتحدث ديفيد لويس، من جامعة إكستر البريطانية لـ"وول ستريت جورنال"، قائلًا: "ربما تحاول المجموعات المختلفة المرتبطة بالجيش الروسي الاستيلاء على هذه العقود التجارية المربحة، وإنشاء قوات جديدة تعمل بالوكالة عنها"، وأضاف: "أبدى بريغوجين مهارة قلَّ نظيرها في إدارة هذه الشبكات العابرة للحدود، لكنه ليس عنصرًا لا غنى عنه". 

وكانت شركات المرتزقة الجديدة، التي تديرها مديرية المخابرات الرئيسية الروسية، بدأت بالفعل في التنافس للاستيلاء على عقود فاغنر. وأخبر بوتين بنفسه رئيس جمهورية أفريقيا الوسطى، أن الوقت قد حان للابتعاد عن بريغوجين. وذلك، عندما زار تواديرا مسقط رأس بريغوجين في سانت بطرسبرغ لحضور القمة الروسية الأفريقية التي عقدت الشهر الماضي، حيث تجنب رئيس أفريقيا الوسطى التقاط صورة شخصية مع زعيم "فاغنر". 

في حين أخذت وزارة الدفاع الروسي منذ فشل التمرد في حزيران/يونيو الماضي، ترسل وفودًا لإخبار الدول التي تتعامل مع  "فاغنر"، بأن عليها أن تتعامل من الآن فصاعدًا مع الدولة الروسية مباشرةً. 

getty

بريغوجين لا يستسلم

سابقًا، قلل بريغوجين من الأخبار التي تحدثت عن قرب وفاته، وقال في مقطع فيديو غير مؤرخ، نشرته قناة "Gray Zone" على تليغرام، والتي درجت على نشر بيانات فاغنر الرسمية: "سنذهب جميعًا إلى الجحيم، ولكننا سنكون الأعلى مرتبة في الجحيم".

وبعد تمرده، رفض بريغوجين التقاعد بهدوء، وسافر إلى الشرق الأوسط، وأوروبا الشرقية، وأفريقيا، سعيًا لإبقاء علاقاته التجارية حية. 

وكان الكثير من تعاملات بريغوجين تمر عبر العشرات من الشركات الوهمية الخاضعة لعقوبات شديدة من الحكومات الغربية، والتي كانت تمارس أعمالها المصرفية بطرق  غامضة، وتضيف الصحيفة "لقد كان التعتيم هو الذي منح الكرملين القدرة على الإنكار، حيث ساعدت مجموعة "فاغنر"، روسيا على حشد نفوذها، وتنظيم احتجاجات في أفريقيا ضد الحكومات الموالية للغرب، وتجاوز  العقوبات".

ووفق الصحيفة الأمريكية: "تم إبرام العديد من الصفقات التي  مع الحكومات الأجنبية على أساس المصافحة، مع عدم معرفة التفاصيل خارج نطاق دائرة صغيرة من قيادات فاغنر الذين اختارهم بريغوجين بعناية. وكان أحدهم ديمتري أوتكين، ضابط المخابرات العسكرية الروسية السابق الذي يمكن رؤية وشمه النازي في الصور، والذي قتل أيضًا في حادث تحطم الطائرة  يوم الأربعاء".

ومع انقلاب النيجر، جاءت فرصة جديدة لبريغوجين الطامح باستمرار للعبث في أفريقيا، وحول ذلك قالت "وول ستريت": "نشر بريغوجين رسائل صوتية يعرض فيها مرتزقته على المجلس العسكري الذي استولى على السلطة في النيجر، وظهر في مقطع فيديو بمالي، وهو يحمل بندقية قناصة، و4 مخازن محمولة على سترة مضادة للرصاص، متعهدًا بـ’جعل روسيا أعظم… وأفريقيا أكثر حرية’". 

وتوضح الصحيفة الأمريكية، أن بريغوجين، كان لا يزال يأمل في الحفاظ على مواقع النفوذ التي بناها في أفريقيا والشرق الأوسط، ومناطق أخرى، وكان من المقرر أن تتنقل وحدة جديدة من مجموعة" فاغنر" إلى جمهورية أفريقيا الوسطى لتأمين الأمن في البلاد قبل استفتاء آب/أغسطس، الذي سيسمح للرئيس تواديرا الاستمرار في منصبه دون التقيد بمدة لولايته. 

كما انتشرت وحدة أخرى لتدريب قوات الدفاع المحلية. ويقول مسؤولون أمنيون غربيون إن "فاغنر" زادت من انتشارها على طول الحدود مع الكونغو، للتصدي لأية هجمات من المتمردين عبر الحدود.

وقال زعيم "فاغنر"، في مقابلة أجريت معه في تموز/يوليو الماضي: "نحن لا نقوم بتخفيض عددنا، بل نحن على استعداد للمضي قدمًا وزيادة وحداتنا المختلفة، وقد أوفينا بجميع تعهداتنا في الوقت الحالي، وسنواصل ذلك مهما كانت العقبات في طريقنا". 

تاريخ حافل بالمخاطرة والسرية

كان بريغوجين، الذي فرضت عليه أكثر من 30 حكومة عقوبات، معتادًا على العيش هاربًا، وفق تعبير  الصحيفة الأمريكية. التي تضيف في وصفه تنقلاته، بالقول: "استقل بريغوجين طائرات كانت تغلق بانتظام أجهزة الإرسال والاستقبال الخاصة بها، وتتجنب المجال الجوي حيث يمكن أن تطالب الحكومات المتحالفة مع الغرب بمكافأة قدرها 10 ملايين دولار من وزارة الخارجية الأمريكية، مقابل معلومات عن الرجل المزعوم بأنه مسؤول عن التدخل في الانتخابات الرئاسية الأمريكية عام 2016".

وحول نمط عمل زعيم فاغنر، تقول الصحيفة: "كثيرًا ما كان يعقد اجتماعات على مدارج المطار في حالة اضطراره إلى الخروج سريعًا. لقد سافر بجوازات سفر مزورة، وأرسل مجموعات متقدمة من خبراء الأمن السيبراني في فاغنر للبحث عن الأخطاء. لقد فضل اطلاع متابعي وسائل التواصل الاجتماعي على أخباره عبر الرسائل الصوتية -التي يتعذر تحديد موقعها الجغرافي- أو من خلال مقاطع الفيديو في المواقع التي يصعب تحديدها".

 أمّا عن تنقل، فقد كان مشهورًا بظهوره متنكرًا في عدة مرات، "ففي تشرين الأول/أكتوبر من العام الماضي، وصل بريغوجين إلى قاعدة جوية في شرق ليبيا، للقاء اللواء المتقاعد خليفة حفتر، التي تسيطر ميليشياته على شرق ليبيا. كان بريغوجين يرتدي زيًا ليبيًا، ويرتدي نظارات شمسية رياضية داكنة ويضع لحية كثيفة للتمويه. وكان محاطًا في 6 عناصر من فاغنر، واعتقد السكان أنه من أتباع الحركة السلفية الإسلامية الأصولية. وقال أحد الليبيين الذين شهدوا وصوله: كل من رآه أعتقد أنه سلفي".

وحول ذلك الاجتماع مع حفتر، تقول الصحيفة: "تظهر صور من الاجتماع، بريغوجين وهو يبتسم، وبعد وقت قصير، صرخ في وجه حفتر عبر المترجم، وطالب بنحو 200 مليون دولار لمساعدة فاغنر في تأمين مناطق نفوذ أمير الحرب الليبي، بما في ذلك آبار النفط. وفي وقت لاحق أرسل بريغوجين طائرة خاصة أخرى لاستلام الأموال. كان بريغوجين مقتنعًا بأن مليشيات حفتر مخترقة من قبل المخابرات الفرنسية، ووكالة المخابرات المركزية. وحتى الزي الليبي الذي كان يرتديه في رحلاته إلى ليبيا كان مصنوعًا في سوريا، ويتم إحضاره من هناك، مما يضمن عدم إدخال أي أخطاء أو أجهزة تتبع".

getty

إقصاء بريغوجين

التمرد والخروج من روسيا لم يوقف زعيم فاغنر، وبحسب "وول ستريت جورنال": و"بعد خمسة أسابيع من التمرد على سلطة الكرملين، تواصل بريغوجين مع الزعماء الأفارقة الذين حضروا القمة الروسية الأفريقية في سانت بطرسبرغ. لكن التقارير الواردة لم تنقل أي مشاهد لاجتماع بريغوجين مع هؤلاء الزعماء. والواقع أن الرؤساء الأفارقة أدخلوا إلى قاعة اجتماعات الكرملين المذهبة، حيث التقوا الرئيس بوتين، ورئيس وحدة العمليات الهجومية السرية التابعة لمديرية المخابرات الرئيسية الروسية الجنرال أندريه أفريانوف".

وفي تفاصيل ذلك الاجتماع: "شارك فيه أيضًا فيكتور بوت، تاجر الأسلحة الذي كان يزود أمراء الحرب في ليبيريا بالأسلحة، الذي كان مسجونًا في الولايات المتحدة، وعاد مؤخرًا إلى روسيا بعد عملية تبادل للسجناء. أما بريغوجين فكان يعاني وطأة الإقصاء عن هذه اللقاءات في الخارج".

قبل أسبوع من سقوط طائرته ومقتله، وصل زعيم فاغنر بريغوجين إلى بانغي عاصمة جمهورية أفريقيا الوسطى، أولى الدول التي تعاقدت مع شركته الخاصة

وذكرت قناة "VchK-OGPU" الروسية على تليغرام، والمعروفة بتسريبات عن جهاز الأمن الفيدرالي "FSB"، أن بريغوجين بات يخشى نقل عملياته في أفريقيا إلى المخابرات العسكرية الروسية. وعرض بريغوجين إرسال مرتزقته لدعم قوات الانقلاب العسكري في النيجر، واجتمع حلفائه في مالي بالقيادة الجديدة للنيجر. وقال مسؤولون من غرب أفريقيا والولايات المتحدة، إن التقارير الواردة حتى الآن تقول بأن المجلس العسكري في النيجر وافق على العرض. فيما قال مسؤول في المخابرات النيجرية إن مقتل بريغوجين "لن يغير شيئًا. روسيا لا تزال هناك".

وتقول الصحيفة الأمريكية: "حتى لو توفي زعيم فاغنر، فإن المجموعة ما تزال نشطة في أفريقيا، لكن ربما أصبحت قبضة الكرملين أكثر قوة الآن"، مضيفةً: "لقد بدأ الكرملين في فرض سيطرته على شبكة الأعمال التي أسسها بريغوجين".