26-مايو-2024
الساعات الذكية ودقة ما تقدمه من قياسات

(freepik) يجب الحذر من اعتماد القياسات دون التشكيك فيها

 

في أيامنا هذه غدا الاعتماد على التكنولوجيا الحديثة في أوجه، وحتى تلك التقنيات التي يُسوق لها على أنها ابتكار تقني صحي مريح يقدم القياسات الدقيقة للمستخدمين، بالاعتماد على الساعات الذكية تحديدًا وذلك لسهولة لبسها ومتانتها والخصائص والمزايا التقنية العديدة التي تقدمها، من تتبع نبض القلب وتتبع أنماط النوم، وعداد الخطوات وحتى كل ما يتعلق في اللياقة البدينة التي تفيد الناس بكافة شرائحهم، العاملين والرياضيين وموظفي المكاتب والطلبة والأمهات. في هذا المقال سنلقي الضوء على مدى أهمية هذه التقنيات المقدمة في الساعات القابلة للارتداء، ومدى صحتها.

الساعات الذكية توفر بشكل عام تعدادًا دقيقًا للخطوات، إلا أنها يمكن أن تتأثر بعوامل مثل سرعة المشي وحركة الذراعين والأنشطة الأخرى

الساعات الذكية ودقة قياساتها

تعتمد الشركات المصنعة للساعات الذكية على الدعاية التي توحي بأن الأنظمة المتتبعة للياقة والتطبيقات الخاصة بتسجيل القياسات الحيوية هي قياسات دقيقة ومنضبطة وتعطي قراءات مفيدة للمستخدمين، فإلى أي مدى تبلغ دقة هذه القياسات؟

  1. دقة عدادات الخطى

تعتمد الساعات الذكية على الخوارزميات التي تعالج البيانات من مقاييس التسارع والجيروسكوبات لحساب الخطوات. وعلى الرغم من أن الساعات الذكية توفر بشكل عام تعدادًا دقيقًا للخطوات، إلا أنها يمكن أن تتأثر بعوامل مثل سرعة المشي وحركة الذراعين والأنشطة الأخرى التي قد تسبب قراءات خاطئة للخطوات. ففي دراسة نشرت في مجلة الجمعية الطبية الأمريكية قيست دقة عدادات الخطى في الأجهزة القابلة للارتداء وتطبيقات الهواتف الذكية. وتظهر النتائج أنه يمكن الاعتماد على هذه الأجهزة لتتبع عدد الخطوات التي يمشيها المستخدم بدقة.

  1. دقة مراقبة معدل ضربات القلب

لقياس معدل ضربات القلب، فإن أجهزة مراقبة معدل ضربات القلب بحزام الصدر هي من أكثر الأجهزة دقة لأنها تستخدم الإشارات الكهربائية من القلب لقياس عدد النبضات في الدقيقة. من ناحية أخرى، تستخدم الساعات الذكية أجهزة استشعار بصرية لمعدل ضربات القلب تقيس تغيرات تدفق الدم عبر الجلد. وقد يبدو للوهلة الأولى أن الساعات الذكية توفر قراءات دقيقة إلى حد معقول لمعدل ضربات القلب أثناء تمارين الحالة المستقرة، إلا أنها قد تواجه صعوبة في الدقة أثناء الأنشطة عالية الكثافة أو غير المنتظمة بسبب عوامل مثل حركة الذراع والعرق.

نشرت مجلة الطب الشخصي أبحاثًا بهدف قياس دقة الأجهزة التي يتم ارتداؤها على المعصم، بما في ذلك أجهزة Apple وFitbit وSamsung. وخلص البحث إلى أن معظم الأجهزة التي يتم ارتداؤها على المعصم دقيقة في قياس معدل ضربات القلب في الأنشطة المخبرية. ولكنها فيما يتعلق بدقة قياساتها في الواقع العملي، فالأمر مختلف؛ إذ أفاد باحثون من جامعة هارفارد أن الدقة تعتمد على النشاط. على سبيل المثال، أثناء المشي، تسجل الساعات الذكية والأجهزة التي تعتمد على المعصم معدل ضربات قلب أعلى من الحقيقي. أما أثناء الكتابة، فسجلت الأجهزة القابلة للارتداء معدل ضربات قلب أقل من المعدل الحقيقي. 

  1. دقة السعرات الحرارية المحروقة

تقوم الساعات الذكية وأجهزة تتبع اللياقة البدنية مثل Fitbit بتقدير حرق السعرات الحرارية باستخدام خوارزميات تأخذ في الاعتبار متغيرات مثل معدل ضربات القلب والعمر والوزن ومستوى النشاط. يمكن أن تختلف دقة هذه التقديرات اعتمادًا على الفرد والنشاط المحدد، مما يجعلها أقل دقة من الاختبارات المعملية التي تقيس السعرات من خلال اختبار التمثيل الغذائي المعملي، وهو المعيار الأبرز لتقدير حرق السعرات الحرارية، واستهلاك الأكسجين وإنتاج ثاني أكسيد الكربون لحساب عدد السعرات الحرارية المحروقة.

قامت الأبحاث التي نشرتها المجلة الأوروبية لعلوم الرياضة بقياس الأجهزة من ثلاث شركات مصنعة بما في ذلك Apple وPolar وFitbit. وخلصت إلى أنه فيما يتعلق بقياس السعرات الحرارية المحروقة جاءت الدقة للأجهزة الثلاثة ضعيفة خلال الأنشطة جميعها. وهذا لا يعني أن الساعات الذكية لن تكون قادرة في يوم من الأيام على تتبع هذا المقياس بدقة، لكنها لا تتبع حاليًا السعرات الحرارية المحروقة بدقة.

  1. دقة تتبع النوم

تقيس معدات دراسة النوم السريرية، مثل تخطيط النوم، نشاط الدماغ وحركة العين ونشاط العضلات ومعدل ضربات القلب لتتبع النوم بدقة. هذا المستوى من الدقة لا يكون متاحًا إلا في العيادات، وسيتطلب الأمر من الشخص النوم في إحدى العيادات للحصول على هذا المستوى من القياس. من ناحية أخرى، فإن الأجهزة القابلة للارتداء والساعات الذكية تحديدًا التي تُلبس في المعصم محدودة في البيانات التي يمكنها جمعها من نقطة واحدة على الجسم. ولهذا السبب، تعتمد على مقاييس التسارع وبيانات معدل ضربات القلب لتقدير مراحل النوم، والتي قد تكون أقل دقة.

وفقًا لجونز هوبكنز ميديسن، يمكن أن تكون الأجهزة القابلة للارتداء مفيدة للمستخدم في مساعدته في التعرف على عادات النوم، ولكن لا يمكن لأي من الأجهزة القابلة للارتداء الموجودة في السوق قياس النوم بشكل مباشر. لذلك فحاليًا لا يوجد بديل للمعدات الطبية.

  1. تتبع اللياقة البدنية

أحدثت الساعات الذكية وأجهزة تتبع اللياقة البدنية ثورة في الطريقة التي يمكنك من خلالها مراقبة الصحة واللياقة البدنية، إذ حققت هذه الأجهزة نتائج غاية في الدقة. أكد التحليل الذي أجرته مجلة أبحاث الإنترنت الطبية في عام 2022 أن الأجهزة القابلة للارتداء يمكن أن تكون فعالة في قياس الخطوات ومعدل ضربات القلب (خاصة عند استخدام حزام الصدر للأخير)، ولكن ليس حرق السعرات الحرارية. كما تظل دقة تتبع النوم موضع شك أيضًا.

  1. قياس نسبة السكر في الدم

آخر تحديثات الساعات الذكية كانت متعلقة بخاصية قياس نسبة سكر الدم، وقد شددت إدارة الغذاء والدواء الأمريكية (FDA) من التحذير الموجه لمقدمي الرعاية الصحية والمستخدمين من اعتماد نتائج أي تقنية قابلة للارتداء من ساعات ذكية أو غيرها لأنها لا تعتمد على وخز الجلد، وأكدت على المخاطر التي تنطوي عليها قياسات هذه الأجهزة وبالتالي الخطورة المترتبة على اعتماد نتائجها خاصة لمرضى السكري، إذ يُخشى أن تؤدي قياسات نسبة الجلوكوز في الدم غير الدقيقة إلى أخطاء في إدارة مرض السكري، بما في ذلك تناول جرعة خاطئة من الأنسولين أو السلفونيل يوريا أو الأدوية الأخرى التي يمكن أن تخفض نسبة الجلوكوز في الدم بسرعة؛ إذ إن تناول الكثير من هذه الأدوية يمكن أن يؤدي بسرعة إلى انخفاض خطير في مستوى الجلوكوز، مما يؤدي إلى الارتباك العقلي أو الغيبوبة أو الوفاة في غضون ساعات من الخطأ.

يجب الحذر من اعتماد القياسات دون التشكيك فيها خاصة تلك التي تتطلب قياسات غاية في الدقة والحساسية

العوامل المؤثرة على دقة التتبع القابلة للارتداء

تتعدد العوامل التي تلعب دورًا في دقة الساعات وقياساتها، وفيما يأتي أبرز هذه العوامل:

  1. الخوارزميات المستخدمة: تعد الخوارزميات وطرق التتبع الخاصة التي تستخدمها الشركات المختلفة من أهم العوامل التي تلعب دورا هامًا في مدى دقة القياسات. كل علامة تجارية، سواء كانت Apple بتركيزها على العافية، أو Samsung بمستشعر BioActive، أو Fitbit بموديلاتها المتنوعة، أو أي علامة تجارية أخرى، لديها خوارزميات خاصة بها تعالج البيانات الأولية من أجهزة الاستشعار لتزويد المستخدمين بمقاييس الصحة. والعائق هنا أنه غالبًا ما يتم إخفاء هذه الخوارزميات، مما يجعل من الصعب تقييم دقتها ومقارنتها بعضها ببعض.
  2. الاختلافات الفسيولوجية للأفراد: لدى الأشخاص أنواع مختلفة من الأجسام، ومستويات اللياقة البدنية، والحالات الصحية، والتي يمكن أن تؤثر على كيفية استجابة أجسامهم للتمرين والأنشطة الأخرى. ونظرًا لكون معظم الأجهزة القابلة للارتداء مصممة استنادًا إلى البيانات السكانية العامة، فقد لا تأخذ في الاعتبار دائمًا هذه الاختلافات الفردية. لذا يمكن أن يؤدي هذا إلى تناقضات في المقاييس الصحية، خاصة بالنسبة للأشخاص الذين تقع قياساتهم خارج النطاق "المتوسط".
  3. تحديد المواقع وارتداء الساعة الذكية: يمكن أن تؤثر الطريقة التي تُرتدى بها الساعة الذكية أيضًا على دقة التتبع. توصي معظم الشركات المصنعة للساعات الذكية بارتداء الجهاز بشكل مريح على المعصم، فوق عظمة المعصم مباشرةً. ومع ذلك، فإن عوامل مثل حجم المعصم وشكله وحتى الطريقة التي تتحرك بها الذراع يمكن أن تؤثر على القياسات. وذلك لأن ارتداء الساعة الذكية بطريقة فضفاضة جدًا، قد لا تحافظ على اتصال ثابت بالجسم؛ مما يؤدي إلى قراءات غير دقيقة لمعدل ضربات القلب.
  4. القيود في تكنولوجيا الاستشعار: تلعب القيود المفروضة على تكنولوجيا الاستشعار دورًا مهمًا في دقة التتبع. على الرغم من أن أجهزة الاستشعار في الأجهزة القابلة للارتداء قد قطعت شوطًا طويلًا، إلا أنها ما تزال بحاجة إلى تطوير. لذا يمكن أن يؤثر نوع أجهزة الاستشعار وجودتها بشكل كبير على دقة البيانات المجمعة.

 

بكل الأحوال لا يمكن إغفال أهمية الساعات الذكية والتقنيات الحديثة في تشجيع المستخدمين إلى تتبع مؤشراتهم الحيوية والوعي بصحتهم أكثر والسعي لتحسينها، ولكن في كل الأحوال لا يمكن اعتماد قياساتها كأمر مسلم به وغير قابل للشك، بل على العكس، يجب الحذر من اعتماد القياسات دون التشكيك فيها خاصة تلك التي تتطلب قياسات غاية في الدقة والحساسية كمؤشرات ضغط الدم، ويظل الحصول على القراءات الدقيقة من مراكز العناية الصحية هو الطريقة المثلى للحصول على القياسات الصحية الموثوقة للحصول على العلاج الملائمة بناء عليها.