26-يوليو-2023
gettyimages

أصدرت الولايات المتحدة عقوبات على مسؤولين في مالي بتهمة التعاون مع فاغنر (Getty)

نشرت منظمة هيومن رايتس ووتش تقريرًا جديدًا حول الانتهاكات المستمرة في مالي، ورصد تقرير هيومن رايتس ووتش الذي شارك فيه موقع إنترسبت الأمريكي، عمليات إعدام خارج القانون بالإضافة للإخفاء القسري لعشرات المدنيين، وأشارت أصابع الاتهام في هذه الانتهاكات إلى الجنود الماليين وعناصر مليشيا فاغنر الموجودين في البلد منذ كانون الأول/ديسمبر 2021.

وبالتزامن مع إصدار هيومن رايتس ووتش تقريرها الجديد فرضت وزارة الخزانة الأمريكية عقوبات على 3 مسؤولين عسكريين ماليين لدورهم في إدخال فاغنر إلى مالي وتوسيع عملياتها في البلد الأفريقي غير المستقر منذ فترة.

ويغطي تقرير هيومن رايتس ووتش الجديد الانتهاكات التي وقعت منذ كانون الأول/ديسمبر 2022 وحتى آذار/مارس 2023، وهي انتهاكات حدثت في أربعة قرى وسط مالي. 

ذكر شهود العيان لهيومن رايتس ووتش أن "مسلحين أجانب لا يتحدثون الفرنسية وصفوهم بـالبيض أو الروس أو فاغنر شاركوا في معظم الهجمات"

واستند التقرير على مقابلات هاتفية مع 40 شخصًا كان جلهم شهود عيان على الانتهاكات التي نفذها الجيش المالي وقوات فاغنر.

ووجد معدو التقرير أن الجيش المالي الذي كان مدعومًا من طرف الولايات المتحدة منذ فترة طويلة، نفّذ انتهاكات عديدة تشمل التعذيب ونهب الممتلكات التي تعود لمدنيين، في إطار حملته ضدّ من يصفهم الجيش بمسلحين إسلاميين متشددين.

وذكر شهود العيان لهيومن رايتس ووتش أن "مسلحين أجانب لا يتحدثون الفرنسية وصفوهم بـالبيض أو الروس أو فاغنر شاركوا في معظم الهجمات".

ويذكر التقرير أنه في شباط/فبراير الماضي "انتقل عشرات المقاتلين الذين يرتدون ملابس مموهة بيضاء، وجندي مالي واحد على الأقل، إلى قرية سيغيلا على متن مروحيات"، وبحسب سكان محليين "فإنه لم يكن هناك متشددون إسلاميون في القرية في ذلك اليوم. ورغم ذلك توغل الجنود في القرية واعتقلوا الرجال وضربوا النساء ونهبوا الأموال والممتلكات".

زكي وزكية الصناعي

وقال أحد الشهود "لم يكن هناك سوى جنود بيض من فاغنر، وهم الذين قادوا العملية برمتها. وكانوا مدججين بالسلاح وملثمين ويرتدون زيًا مموهًا ويتحدثون لغة لم نفهمها، لكنها لم تكن فرنسية".

وبحسب موقع إنترسبت الأمريكي، فإنه  منذ دخول فاغنر إلى مالي أواخر العام 2021 شاركت المجموعة إلى جانب الجيش المالي في مئات انتهاكات حقوق الإنسان "بما في ذلك مذبحة عام 2022 أسفرت عن مقتل 500 مدني. والنتائج الجديدة التي توصلت إليها هيومن رايتس ووتش تزيد من هذه الخسائر المروعة"، حسب الموقع.

وتعليقًا على التقرير الجديد نقل موقع إنترسبت عن رئيس قيادة العمليات الخاصة الأمريكية في أفريقيا الأدميرال ميلتون ساندز قوله "إن وجود فاغنر وأنشطتها يتعارضان مع بقاء أفريقيا آمنة ومستقرة ومنيعة"

لكن الموقع لفت الانتباه إلى أن العقيد آسيمي غويتا، الذي قاد الانقلاب على حكومتي مالي عامي 2020-2021، والذي دربته الولايات المتحدة، هو الذي أبرم صفقة مع فاغنر في أواخر 2021.

كما لفت الموقع النظر إلى عدم اعتراف القيادة العسكرية الأمريكية "أفريكوم"، بأنّ "التحديات الأمنية في منطقة الساحل زادت مع نشر الولايات المتحدة نخبة الكوماندوز في مالي وجيرانها، وضخت المساعدات العسكرية فيها، وسبقت بكثير التدخل الروسي الكبير في المنطقة".

هذا ولم ترد "أفريكوم"، حسب إنترسبت على على الأسئلة المتعلقة بالخطوات التي جرى اتخاذها لمواجهة نفوذ فاغنر في مالي. 

getty

عقوبات أمريكية

في سياق متصل، أعلن في واشنطن أمس الثلاثاء عن عقوبات ضد 3 مسؤولين عسكريين ماليين، هم وزير الدفاع الحالي ساديو كامارا ورئيس أركان القوات الجوية الكولونيل ألو بوي ديارا، ونائبه أداما باجايوكو.

وبررت الخزانة الأمريكية العقوبات بمساعدة الثلاثي مجموعة فاغنر العسكرية الروسية على بدء أنشطتها في مالي، وتوسيع نطاقها.

وذكرت وزارة الخزانة الأمريكية أن وزير الدفاع المالي زار روسيا عدة مرات في 2021 لتوقيع اتفاق بين مجموعة فاغنر والحكومة الانتقالية المالية، تنشر بموجبه المجموعة قواتها في الدولة الواقعة غربي أفريقيا.

وأردفت وزارة الخزانة في بيانها أن القادة العسكريين الثلاثة: "ساهموا في أنشطة خبيثة لمجموعة فاغنر في مالي"، وأضافت أن هؤلاء المسؤولين "جعلوا شعبهم عرضة لأنشطة مزعزعة للاستقرار ولانتهاكات حقوق الإنسان تمارسها مجموعة فاغنر، وفتحوا المجال أمام تسخير موارد سيادية لبلادهم لصالح عمليات مجموعة فاغنر في أوكرانيا".

وقضى قرار العقوبات بتجميد أي أصول يملكها المسؤولون الماليون الثلاثة في الولايات المتحدة، كما بات محظورا التعامل بينهم وبين شركات أمريكية أو أفراد أمريكيين.

اتهامات أخرى لفاغنر

وأصدرت مفوضيّة الأمم المتّحدة السامية لحقوق الإنسان تقريرًا جديدًا خلُص إلى أنّ مؤشرات قوية تدلّ على ضلوع قوات محسوبة على فاغنر وقوات من الجيش المالي في مقتل أكثر من 500 شخص، أعدم غالبيتهم بإجراءات موجزة، على تلك القوات في سياق عملية عسكرية استمرّت خمسة أيام ونُفِّذَت في قرية مورا في منطقة موبتي بوسط مالي في آذار/ مارس 2022، كما شملت الانتهاكات  اغتصاب ما لا يقل عن 58 امرأة وفتاة.

وبحسب مفوّض الأمم المتّحدة السامي لحقوق الإنسان فولكر تورك فإن: "نتائج التقرير مروّعة للغاية. فعمليات الإعدام بإجراءات موجزة والاغتصاب والتعذيب أثناء النزاع المسلح ترقى إلى مستوى جرائم الحرب وقد تصل بحسب الظروف إلى مستوى الجرائم ضد الإنسانية".

وتولت بعثة مكثفة لتقصي الحقائق في مجال حقوق الإنسان مكونة من موظفي الأمم المتحدة في مالي إجراء التقرير المذكور على مدى عدة أشهر. 

واستند التقرير إلى مقابلات مع الضحايا والشهود، وإلى الأدلة الجنائية ومصادر معلومات أخرى، على غرار صور الأقمار الصناعية، بعدما رفضت السلطات المالية طلبات الفريق الأممي بالوصول إلى قرية مورا نفسها، وفقًا للأمم المتحدة.

getty

تفاصيل مجزرة مورا

ونقل التقرير تفاصيل المجزرة في قرية مورا، يوما بيوم، حيث انطلقت العملية التي وصفتها السلطات بأنها عملية عسكرية لمكافحة الإرهاب ضد مجموعة تابعة لتنظيم القاعدة تُعرف باسم كتيبة ماسينا، يوم 27 آذار/ مارس 2022، وهو يوم يصادف تنظيم سوق أسبوعي مزدحم في مورا.

وأفاد شهود عيان، حسب التقرير، بأن مروحية عسكرية حلقت فوق القرية وأطلقت النار على الناس، فيما هبطت أربع مروحيات أخرى نزل منها عدد من الجنود قاموا باقتياد الناس إلى وسط القرية، وأطلقوا النار بشكل عشوائي على من حاولوا الفرار. 

كما أفاد التقرير أن بعض مقاتلي كتيبة ماسينا ممن كانوا في الحشد أطلقوا النار على القوات، "فقُتِل ما لا يقل عن 20 مدنيًا بالإضافة إلى عشرات الأفراد الآخرين الذين زُعم أنهم ينتمون إلى كتيبة ماسينا".

وعلى مدى الأيام الأربعة التالية، "أُعدم ما لا يقل عن 500 شخص بإجراءات موجزة على ما يبدو"، بحسب ما جاء في التقرير. 

وجمع فريق تقصي الحقائق "تفاصيل كثيرة تتعلق بالهوية الشخصية، بما في ذلك أسماء ما لا يقل عن 238 من هؤلاء الضحايا".

وأفاد شهود عيان بأنهم رأوا "رجالًا مسلحين من ذوي البشرة البيضاء" يتحدثون لغة غير معروفة ويعملون إلى جانب القوات المالية ويبدو أحيانًا أنّهم يشرفون على العمليات. 

ووفقًا للشهود، قامت القوات المالية بالتناوب يوميًا داخل مورا وخارجها، لكن العناصر الأجانب بقوا داخل القرية طوال مدة العملية، في إشارة إلى قوات فاغنر.

وبعد يوم واحد من الاعتداء، بدأ الجنود بتفتيش المنازل بحثًا عن "الإرهابيين المفترضين"، ويقول التقرير إنهم "اختاروا على ما يبدو الأشخاص أصحاب اللحى الطويلة وأعدموهم، والأشخاص الذين يرتدون سراويل بطول الكاحل، والذين يحملون علامات على أكتافهم فُسرت بأنها نتجت عن حمل السلاح، وكلّ من ظهرت عليه علامات الخوف حتّى".

كما نقل التقرير عن شهود "أنّ الجنود اقتادوا مجموعة من الرجال تم اعتقالهم في جنوب شرق القرية وأطلقوا النار عليهم مباشرةً على الرأس أو الظهر أو الصدر، ثمّ ألقوا جثثهم في حفرة. 

وأضاف الشهود أنّ من قاوموا أو حاولوا الفرار أعدموا أيضًا على يد القوات المسلحة المالية و"الرجال البيض المسلحين وأُلقي بهم في الحفرة".

اغتصاب وعنف جنسي وتعذيب واعتقال

كشف التقرير الأممي عن "تعرض 58 امرأة وفتاة للاغتصاب أو لأشكال أخرى من العنف الجنسي. وفي إحدى الحوادث المروعة، ورد أن الجنود أحضروا أغطية وبياضات من أحد المنازل، وفرشوها تحت الأشجار في الحديقة وتناوبوا على اغتصاب النساء".

تنا

كما تمّ اعتقال عشرات الأشخاص، وقد تعرض بعض المحتجزين، حسب التقرير الأممي "للتعذيب وغيره من ضروب المعاملة السيئة أثناء الاستجواب وأثناء الاحتجاز في قرية مورا، وكذلك في الوكالة الوطنية لأمن الدولة في العاصمة باماكو".

وأشار التقرير الأممي إلى إعلان السلطات المالية "عن فتح تحقيق في هذه الحوادث بعد وقت قصير من وقوع الاعتداء، لكن بعد مرور أكثر من عام وبانتظار النتيجة النهائية للتحقيق، واصلت إنكار ارتكاب قواتها المسلحة أي خطأ".

وتعليقًا على موقف السلطات المالية الإنكاري، قال المفوض السامي لحقوق الإنسان فولكر تورك "يجب إجراء التحقيقات في مثل هذه التقارير الخطيرة عن انتهاكات حقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني، بطريقة مستقلة وحيادية وشفافة وبهدف محاسبة المسؤولين والجناة".

مردفًا القول إنه: "من الضروري للغاية أن تتخذ السلطات المالية جميع الخطوات اللازمة لضمان أن تحترم القوات المالية المشاركة في أي عمليات عسكرية وعمليات إنفاذ القانون، بمن فيهم العناصر العسكريون الأجانب الخاضعون لقيادتها أو سيطرتها، قواعد القانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان بالكامل".

أصدرت مفوضيّة الأمم المتّحدة السامية لحقوق الإنسان تقريرًا جديدًا خلُص إلى أنّ مؤشرات قوية تدلّ على ضلوع قوات محسوبة على فاغنر وقوات من الجيش المالي في مقتل أكثر من 500 شخص

موقف أمريكي 

تفاعلًا مع التقرير الأممي الجديد أصدرت وزارة الخارجية الأمريكية بيانا جاء فيه، أنّ الولايات المتحدة "تشعر بالذهول من التجاهل للحياة البشرية الذي أبدته عناصر من القوات المسلحة المالية بالتعاون مع مجموعة فاغنر المدعومة من الكرملين".

ووصف البيان الأمريكي مجموعة فاغنر بكونها "قوة مزعزعة للاستقرار، حيث شارك أفرادها في نمط مستمر من الانتهاكات، بما في ذلك القتل على غرار الإعدام والعنف الجنسي والتعذيب في مالي والدول الأخرى التي تكافح مع عدم الاستقرار".

يذكر أنه بعد الإطاحة بالرئيس المالي المنتخب إبراهيم بوبكر كيتا آب/أغسطس 2020 من قِبل ضباط في الجيش أبرمت السلطات الجديدة في باماكو "اتفاقا تم بموجبه نشر نحو 1000 مقاتل من مجموعة فاغنر في قواعد عسكرية بمعظم أنحاء البلاد"، ومن حينها والاتهامات تطارد فاغنر بارتكاب فظائع ومجازر في مالي وعدة مناطق أخرى في العالم بما فيها مناطق أوكرانية من بينها باخموت على سبيل المثال حسب تقرير لصحفية الغارديان البريطانية.