25-ديسمبر-2016

لقطة من فيلم اليوم السادس لـ يوسف شاهين

الزمن غير محدد، إذا سألناه لن يذكر هل حدث هذا في 2004 مثلًا أو في أي عام. المكان معلوم بالطبع لأن وقتها كانت الوسيلة المتاحة لمشاهدة فيلم هي البيت. الوقت مساء، الثامنة تقريبًا واليوم هو يوم الخميس. يذكر جيدًا أن باقي العائلة كانت نائمة أو مشغولة بشيء ما لا يتذكره، لذلك وجد التلفاز متاحًا له. ولكن هذا الطفل قرر وبشكل مفاجئ ألا يشاهد الكارتون أو مسرحية العيال كبرت. توقف عند قناة الأفلام العربي، رأى تلك السيدة التي ترتدي عباءة وحجاب، ملامحها غريبة، ليست مصرية على ما يبدوا: دي داليدا.
أخبرته والدته.

داليدا كانت جالسة في قاعة سينما تشاهد فيلم وتبكي بحرقة، وخلفها كان ذلك الرجل العجوز يجلس خلفها: مين ده؟ سأل. 
- ده يوسف شاهين المخرج.

ما الذي يجعل طفل في هذا السن يتوقف عند هذا الفيلم؟ هكذا سأل نفسه بعد أعوام. المهم، كان يتابع الفيلم بتركيز شديد، ويسأل نفسه عن اسمه يا ترى. حين قرأ "اليوم السادس" في زاوية الشاشة تعجب من الاسم الغريب "صدّيقة" كما يناديها العجوز تترك السينما بسرعة وهي تداري دموعها بعدما انتهت السينما، وصديقنا مازال "مبلم" أمام الشاشة.

يأتي استعراض "عُكا" كما يناديه أهل الحتة، ذلك الشاب ورفيقه القرد، الشاب الطائش الذي يحب "صدّيقة" برغم فارق السن. حين يبدأ استعراض "حدوته حتتنا" يتفاعل صديقنا الصغير معه حيث ابتسم وبدأ جسده الصغير يهتز بهدوء غير ملحوظ.

ما يذكره صديقنا الصغير جيدًا أنه لم يكن يفهم أي شيء من الفيلم، هناك الكوليرا، وهناك إسكندرية، وهناك "صدّيقة"، لكن رغم ذلك كان مستمتع بشدة. لكن حين جاء مشهد موت زوج صديقة حيث حرق البيت الصغير وهو جالس بداخله ظل صديقنا غير مصدق ما تراه عينه الواسعة. وظل ينتظر أي شخص يأتي لنجدة الرجل، لكنه في النهاية مات.
-عاجبك الفيلم؟
-عاجبني.

في الاستعراض يرى صاحبنا أطفال تغني وراء "عُكا" وترقص معه، فيتمنى لو كان موجودًا في ذلك المشهد. لفتت نظره موسيقى الفيلم، لأول مرة يهتم بالموسيقى في الأفلام، موسيقى الناي الجميلة التي كان يبتسم كلما لُعبت في أي مشهد.

بعد موت زوجها تذهب "صدّيقة" إلى إسكندرية برفقة "عُكا"، لماذا؟ لتعالج الواد الصغير كما سمعها تقول. يحاول ربط الأحداث ببعضها والخروج بنتيجة مفهومة. الواد الصغير عنده الكوليرا كما يبدو، هذا يفسر خوف "عُكا" منه. يبتسم صاحبنا حين يظهر "محمد منير" قرب نهاية الفيلم، والسر أنه كان يحب أغنية "حبيبي عايز سكر" الأغنية غير المفهومة على الإطلاق. وصديقنا كان ينتظر "منير" أن يغنيها لكنه لم يفعل!

تصل "صدّيقة" للإسكندرية، ويكون آخر كادر في الفيلم هو كالآتي: "صدّيقة" مبتسمة تلوح مودعة "عُكا" الذي يلوح لها في حزن، بينما يلوح صديقنا هو الآخر لها. وصديقنا الصغير لم يتوقع أن يكون توديع "صدّيقة" حقيقي، لأنها ماتت بعد هذا الفيلم بفترة قصيرة.

 

اقرأ/ي أيضًا: 

مقبرة الحجارة

روحي كرسي انتظاركِ