19-مايو-2019

لا يفوت ولد عبد العزيز فرصة ليعبر فيها عن دعمه لولد الغزواني (تويتر)

لا يترك الرئيس الموريتاني الحالي محمد ولد عبد العزيز فرصة للضغط باتجاه انتخاب رفيقه ووزير دفاعه محمد ولد الغزواني إلا وانتهزها، آخر ذلك ما كان على هامش إفطار سياسي أقامه ولد عبد العزيز في القصر الرئاسي لمجموعة من النواب والأحزاب المشكّلة للموالاة. حيث قال الرئيس الموريتاني بالحرف الواحد، نقلًا عن عدد من النواب الحاضرين في الإفطار السياسي: "مستقبل البلاد في خطر إذا لم يفز المرشح محمد ولد الغزواني".

اتُّخذ الاستقرار الأمني في موريتانيا ذريعة للتقليل من شأن الديمقراطية، بل وصل الأمر بآلة الدعاية السلطوية إلى مقايضة أحدهما بالآخر

ممارسة أعلى هرم في السلطة التنفيذية للدعاية السياسية لصالح مرشح معيّن، قد لا تكون منكرًا سياسيًا كبيرًا في عرف السياسة الموريتانية، لكن ربط تلك الدعاية بأبعاد أمنية تتعلق بمصير البلد ومستقبله، هو توظيف مستغرب، بل ومستهجن في نظر بعض الأطراف، لأنه يستغل شأنًا حسّاسًا مثل الشأن الأمني لتخويف الجمهور من مغبّة عدم اختيار مرشّح بعينه، وهو ما يتنافى مع الأعراف الديمقراطية.

اقرأ/ي أيضًا: فوضى أحزاب موريتانيا.. تعددية غير ديمقراطية

من بين المرشّحين الستة الذين أودعوا ملفات ترشحهم لدى المجلس الدستوري وتحصّلوا على التزكيات المطلوبة، وحده ولد الغزواني هو المرشّح العسكري. ولعلّ إحدى الرسائل الكامنة وراء دعاية ولد عبد العزيز هي أنّ الاستقرار الأمني لن يتأتى إلا مع رئيس من داخل المؤسسة العسكرية، وأن المؤسسات الأمنية والعسكرية قد لا تتعامل بالكفاءة المطلوبة مع أي مرشّح مدني لا ينتمي لجمهورية الضبّاط. ما قد يفتح الباب أمام العودة للانقلابات العسكرية، التي كان آخرها انقلاب السادس من آب/أغسطس 2008، الذي أطاح بأول رئيس مدني منتخب.

في الآونة الأخيرة اتُّخذ الاستقرار الأمني ذريعة للتقليل من شأن الديمقراطية، بل وصل الأمر بآلة الدعاية السلطوية إلى مقايضة أحدهما بالآخر، من خلال معادلة قائمة على المقابلة بين الأمن والديمقراطية، وكأن الأمن لا يمكن أن يستتب إلا بالدكتاتورية والحكم العسكري، مع أن الفترة الأخيرة من حكم ولد عبد العزيز، شهدت انفلاتًا أمنيًا غير مسبوق، اعتبره البعض ترسيخًا لقناعة أن الديمقراطية تجلب الفوضى والتفلّت.

 لكن هاجسًا آخر قد يكون وراء تصريحات ولد عبد العزيز، حيث يُتهم الرئيس الموريتاني من طرف معارضته بالإثراء الشخصي وإثراء محيطه القرابي والعائلي، من خلال استغلال السلطة، والتدخل في توجيه صفقات الدولة.

تبييض الأموال

منذ تسريب ما تُعرف بتسجيلات أكرا وتُهمة تبييض الأموال تطارد الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز. وتعود قضية أكرا لشهر نيسان/أبريل من العام 2005، أيّام كان ولد عبد العزيز قائدًا لكتيبة الحرس الرئاسي، حيث ضلع في مفاوضات مع خلية عصابات في العاصمة الغانية أكرا، تبيّن لاحقًا أنها عصابة احتيال. قام أحد أفراد العصابة بانتحال شخصية رجل أعمال عراقي، ادّعى أن لديه أموالًا طائلة محتجزة في دولة غانا ويودّ نقلها إلى موريتانيا، مقابل تقديم رشى مالية كبيرة، وبالفعل تدخّل ولد عبد العزيز لإيجاد منفذ لتلك الأموال، ودفع مقابل ذلك مبلغ 427 ألف دولار كتعويض طالبت به المجموعة المسؤولة عن متابعة ومراقبة الأموال التي يراد تهريبها، وقد سلّمت وزيرة سابقة للثقافة والرياضة ومستشارة خاصة لولد عبد العزيز ذلك المبلغ لممثّل عن العصابة، قبل انكشاف عملية الاحتيال، التي أعقبتها عملية مطاردة كلّف فيها ولد عبد العزيز وحدات مسلحة في الجيش والاستخبارات بتعقب الخلية المسؤولة عن النّصب عليه، أثمرت اعتقال عمر محمود المعروف بعمر اليمني في دولة مالي، والذي استُجلب إلى موريتانيا في عملية سرية.

 وبعد شهور من التحقيق اعترف عمر باستلام المبلغ الذي بعثه ولد عبد العزيز مع وزيرته، لكنه  صرّح بعد إطلاق سراحه في مقابلة مع صحيفة الأخبار الموريتانية بأنه اعترف بالتهمة الموجهة إليه وعوض المبلغ الذي طالبه به ولد عبد العزيز تحت التعذيب والابتزاز بأطفاله الذين جرى اعتقالهم معه.

على إثر الأزمة التي نشبت بين ولد عبد العزيز وأكبر داعميه الماليين رجل الأعمال محمد ولد بوعماتو، سُرّبت التسجيلات التي كان يُجريها ولد عبد العزيز مع العصابة إلى الإعلام، وأصبحت قضية رأي عام وطني كادت تعصف بحكمه خاصة بعد تشكيل معارضته السياسية للجنة تحقيق واستقصاء في البرلمان، لكن ولد عبد العزيز استطاع الخروج من عنق الزجاجة من خلال الذود بالصمت المطبق، ليعترف بعد مرور العاصفة سنة 2013 بصحة التسريبات، لكنه جعلها ضمن إطار محاولة احتيال شخصية عليه لا علاقة لها بمنصبه واستغلاله لموقعه في السلطة.

لكن تسريبات أكرا أو فضيحة أكرا كما يسميها البعض ما تزال تطارد فترة حكم الرئيس ولد عبد العزيز، الذي قد يخضع للمساءلة القانونية حولها بناء على ضلوعه في مجريات العملية وموقعه النافذ حينها في المؤسسة العسكرية، واستخدام موظفين حكوميين في عملية الدفع والقبض فضلًا عن توريط المؤسسة الأمنية في مطاردة العصابة التي ادعى ولد عبد العزيز احتيالها عليه بشكل شخصي.

إمبراطورية مالية

خصوم ولد عبد العزيز يصفونه بالرئيس التاجر والسمسار في إشارة إلى إثرائه الشخصي من خلال إنشاء شركات، والاستحواذ على صفقات الدولة وتصعيد نخبة جديدة من رجال الأعمال المقربة منه والمرتبطة به، تكون مهمة بعضها إدارة ثرواتها ومهمة البعض الآخر منها ضمان إشراكه في الصفقات، وذلك بعد تحييد عدد من الأسماء البارزة في مجال الأعمال بموريتانيا.

دفع ذلك بعض الأوساط الإعلامية الفرانكفونية المهتمة بالشأن الموريتاني إلى القول بأن ولد عبد العزيز أمضى فترة حكمه 2009 - 2019 في مراكمة ثروته الشخصية عبر استغلال قطاعات الاستثمار الرئيسية في موريتانيا، بدءًا بقطاع الإنشاءات والأشغال، مرورًا بقطاع البنوك والمصارف وانتهاء بقطاع الصيد والتصنيع.

اقرأ/ي أيضًا: موريتانيا بين جنرالين

ثروات الرئيس الشخصية وثروات محيطه العائلي أصبحت موضوع رأي عام في موريتانيا، ومؤخّرًا تكبّد ناشطان عناء السجن، هما محمد محمود ولد ودادي وأحمد ولد جدّو، على إثر حديثهما عن محاولة الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز تهريب ملياري دولار إلى حساب بنكي في دبي، "قبل أن تتدخل الخزانة الأمريكية لتجميد الحساب في إطار حربها على تبييض الأموال". ومن المعروف أن الرئيس الموريتاني الحالي تربطه علاقات استراتيجية بأبوظبي، التي زارها أكثر من مرة والتقى ولي عهدها محمد بن زايد، الذي افتتحت موريتانيا كلية عسكرية باسمه، هذا فضلًا عن مسايرة موريتانيا لسياسات أبوظبي مؤخرًا وقطعها لعلاقتها مع دولة قطر، وشن حملة قوية على تيار الإسلام السياسي في موريتانيا بإغلاق أهم جمعياته.

ما تزال تسريبات أكرا تطارد فترة حكم الرئيس ولد عبد العزيز، الذي قد يخضع للمساءلة القانونية حولها بناء على ضلوعه في مجريات العملية وموقعه النافذ حينها في المؤسسة العسكرية

هذه المعطيات المحدقة بفترة حكم ولد عبد العزيز جعلت البعض يعتبر أن تصريحاته بشأن مستقبل البلد إنما تعكس خوفًا شخصيًا لدى الرجل على مستقبله الخاص بعد تنحيه عن الحكم.

 

اقرأ/ي أيضَا:

موريتانيا.. تنديد واسع إثر اعتقال محتجين سلميين

ناشطون محرومون من الحرية والعلاج في موريتانيا