18-يناير-2020

الشعراء: علي رياض ولوسادا بارغاس وسميرة نقروش وسوليداد فارينيا (فيسبوك - الترا صوت)

إعداد: سفيان البالي ومها عمر

من اللحظات المثيرة في كواليس هذا الحوار الجماعي، كانت والشاعرة التشيلية سوليداد فارينيا، تخاطبنا قائلة: "أنا أحدثكم الآن وهناك مواجهات عنيفة تقع على مقربة مني!".

لطالما قدمت اللغة نفسها خلال الثورات كإحدى ساحات المعركة الأكثر أهمية، والشعراء في رحمها وكلاء الحساسية المفرطة والقدرة الخلاقة

إشارة كهذه وعلى عفويتها، تقع في عمق مسألة الإنتاج الفني والأدبي ومهمته التاريخية والاجتماعية. ومن هنا كان المنطلق للتوجه بالسؤال عن "دور الشعر والشاعر في زمن الثورة" لأربعة شعراء من تشيلي وكولومبيا والجزائر والعراق.

اقرأ/ي أيضًا: الشعر روح الرفض في زمن الاستبداد

سوليداد فارينيا، الشاعرة التشيلية التي وصفها النقاد بخليفة غابرييلا ميسترال المعاصرة، وسميرة نقروش، شاعرة جزائرية فرانكوفونية وواحدة من أبرز الأصوات الشعرية في الجزائر اليوم. ومارغاريتا لوسادا بارغاس، شاعرة من كولومبيا، في حصيلتها ثلاثة دواوين، ووردت نصوصها في العديد من أنطولوجيات الشعر الكولومبي. وعلي رياض، شاعر وصحفي شاب من العراق، من أعماله "حين استيقظتُ ميتًا" و"عالم الغريب".


  • ما دور الشعر في زمن الثورة؟ وما موقعه داخل عالم تتجاذب أطرافه الانتفاضات الاجتماعية من جهة وصعود الخطاب اليميني الشعبوي من جهة أخرى؟

سوليداد فارينيا: بشكل عام، يمكن القول إن الشعر والأدب يسبقان الثورات بخطوات عدة. هذا ما تثبته الموضوعات الشعرية التي قدمت في السنوات الماضية بشبه نبوءات حول الآتِ، وغدت اللغة تشي بها تباعًا، مجازًا أو صراحة، مشيرة بشكل واضح إلى الانتهاكات وسوء المعاملة والمظالم التي أدت الآن إلى هذا الغليان الاجتماعي.

وتأكدت كذلك في السنوات الأخيرة، من خلال المظاهرات التي ضجت بها الشوارع، والتي شارك فيها الشعراء بدورهم، كما حوت قراءات شعرية داخل المدارس والجامعات.

علي رياض: لا أعتقد أنه بقيت للشعر مكانة في أحداث كهذه، خاصة مع سيادة قصيدة النثر. الشعر في ثورات اليوم يعود إلى كلاسيكياته، ويستعيد شيئًا من اليسار الثوري القديم، ودون إدراك أحيانًا.

في لبنان مثلًا، ردد المحتجون قصيدة "شيد قصورك على المزارع" لزين العابدين فؤاد والتي غناها الشيخ إمام. وفي العراق رددوا قصيدة "صويحب" لمظفر النواب، فهل هي مصادفة أن كلاهما يساري؟ أم أن رومانسية الثورة لا تجد نفسها بغير هذا الجناح؟ أعتقد أنه لا يمكن الجزم الآن.

مارغاريتا لوسادا بارغاس: لطالما قدمت اللغة نفسها في أزمنة الثورات كساحة من ساحات المعركة الأكثر أهمية. والشعراء في رحمها وكلاء الحساسية المفرطة والقدرة الخلاقة على استخدام البناء الإبداعي للغة، مهمتهم جعلها أكثر قربًا من المطالبات الاجتماعية على الأرض؛ الصوت لما يريد الكثيرون قوله، والمدلول على احتياجات الجماعة الإنسانية.

سوليداد فارينيا
الشاعرة التشيلية سوليداد فارينيا

يقول نيكانور بارا (شاعر تشيلي مخضرم ومن الأكثر حضورًا عند جيل الشعراء الحاليين في بلاده الأم) بأن دور الشاعر هو أن يكون متحدثًا باسم عشيرته. يمكن ربط ذلك القول بالدور الطليعي المنوط به ثقافيًا وسياسيًا. هو في الواقع مختلفٌ على المستوى الأنثروبولوجي، حيث يكون الشاعر نقطة اتصال بين الأفكار والمعتقدات والمشاعر للجماعة الثقافية التي ينتمي إليها، وممثلًا لتراثها الاجتماعي من خلال اللغة.

وإذا ما تأملنا الحركات الاجتماعية المختلفة، في أمريكا اللاتينية أو أي مكان آخر من العالم، نجد أن اللغة هي العنصر المحفز لهذه الاحتجاجات، والتي من خلالها يتم بناء التصورات والرموز والشعارات التي يتشكل منها الشعور الهوياتي لكل حركة، مطالبها ومعارضاتها، وشروط الانتماء لها. والنتيجة أن اللغة منحت هذه الحركات الاجتماعية الأداة لخدمة النبض الاجتماعي، وإيضاح سياقاتها ومطالبها وأفكارها.

سميرة نقروش: ليس للشعر دور في الثورة. الشعر ليس آلة أو أداة. مكانه داخل حيواتنا جدًا حساس، أو بالأحرى هكذا يجب له أن يكون. الشعر يغذي، يتساءل، ويعمق إحساسنا باللغة وبالعالم. على العموم، للشعر القدرة على جعل حياتنا أفضل.

  • كيف يعيش الشاعر الحالة الثورية التي تعرفها شوارع بلدانه؟ هل المطلوب منه التموقع داخلها؟

علي رياض: في العراق شهدت الثورة نوعان من الشعراء، الأول الذي يتمسك بوهم كونه مرجعية ثقافية، ويخاطب الجماهير باللغة المتعالية التي اعتاد أن يكتب بها مقالاته محدودة القراءة، ويواصل بسلوكياته هذه استفزاز محيطه حتى توقفه هجمات الإدانة والسخرية.

أما النوع الثاني فهو الذي يركن الشاعر الذي في داخله على جنب، ويدخل ميادين الاحتجاج بوصفه متظاهرًا، فنجده تارة على السواتر الأعكثر خطورة، وتارة في خيام الاعتصام. هذا النوع الثاني يعرف أن تواجده مهم بقدر تواجد الأمي، لذلك يعتاد على مشاركة الطعام والشراب وأحيانًا الملبس مع زملاء الميدان.

سوليداد فارينيا: لطالما استلهمتُ القصائد التي كتبتها طوال سنوات ممارستي الشعرية، من التهميش الذي يعانيه شعب المابوتشي، أو الحياة المحفوفة بالمخاطر التي يعيشها مواطنوا تشيلي، وخاصة الشباب منهم.

وعلى مدار هذه السنوات التي مضت، نظّم العديد من الشعراء المشاهير، من ذوي الخبرة والتجربة، ورش عمل للأطفال الذين يعيشون في أوضاع متردية. كما نُظمت كذلك ورش عمل خاصة بالسينما والشعر والموسيقى بين المهمشين الذين استطاعوا بدورهم التعبير عن معاناتهم بلغتهم الأم، أي لغة القطاعات المجهولة بالنسبة الطبقة التشيلية الوسطى أو العليا، بفعل الاختلافات الطبقية والإقليمية المجحفة بين سكان البلاد.

وهذا ما يؤكد رأيي بأن معظم الشعراء منغمسون في الواقع الاجتماعي. ولهذا السبب كذلك، وخلال ما يسمى بالغليان الاجتماعي، كان الشعر والشعراء حاضرون في المسيرات وفي قراءة الشعر، في المواقف واللحظات المختلفة.

مارغاريتا لوسادا بارغاس: من الصعب التمييز بين ظاهرتي الثورة والتمرد، خاصة إذا كنّا ممن خاضوا غمار التجربتين عميقًا. لا أعتقد حقيقة أن هناك ثورة تتطلع الآن إلى السيطرة على مؤسسات الدول.

لكن، وإذا أمكننا فهم شيء مما يحدث الآن، فهو المحاولات المستمرة إلى خلق تمرد يسعى إلى تغيير بعض التوجهات داخل مؤسسات الدول. تمرد قادته أكثر الفئات الاجتماعية تعرضًا للقمع والظلم الوحشي تحت نير النظام الأبوي السائد، والسبب هو غياب الأمن الاجتماعي الذي يطال الجوانب الأساسية للحياة كالتغذية والضمان الاجتماعي والتعليم والصحة، وأمور أخرى كثيرة يعاني منها السواد الأعظم.

فيما تميل الثورة إلى تعديل القوالب وإعادة هيكلتها عن طريق سياسة الإخضاع للمطالبات، ومن الأمثلة الواضحة على ذلك دأب الحركات النسوية إلى تفكيك منطق المؤسسات، التي عادةً ما تكون متحيزةً جنسيًا، لتدفعها إلى تغيير الممارسات اليومية تجاه النساء كوسيلة للبدء في إحداث تغييرات حقيقية.

من هذا المنطلق، فالشاعر معنيّ بكل ما يحدث، ومن التزامه الأول بالكلمة والتأمل، يقيس نبضه من خلال عمله الشعري، واضعًا عناصره الفنية والسياسية والاجتماعية رهن ما يؤمن به ويستوجب النضال من وجهة نظره، مستفيدًا من ذلك باسمه وبالواجهة الاجتماعية التي أتاحت له مساحة التواجد تلك. هذه هي مهمة الشاعر، وما يمكن أن يفعل ليس فقط في بلده الأم، بل في أي مكان بالعالم.

الشاعر العراقي علي رياض
الشاعر العراقي علي رياض

سميرة نقروش: على الشاعر أن يعيش حياته كمواطن، دون أن يتمسك بصفة الشاعر تلك في قلب العاصفة، كي لا ينغلق داخل نرجسيته الثقافية. وليس عليه أن يتأمل نفسه كشاعر، بل أن يتأمل العالم من حوله، مستشعرًا ما يطبعه هذا العالم في داخله وفي محيطه.

لكن هل على الشاعر أن يتّخد موقفًا؟ نعم، بروحه ووعيه المواطني، إذا شعر حقًا بأن فعله ذاك قد يفيد، وأحس الحاجة الصادقة لذلك الفعل. مع الإدراك التام لأن بعض الأفعال قد تشوش على كلماته.

  • ما مدى تغلغل أصوات الشارع والاحتجاج في لغة الشعر؟ وما هو الحقل الدلالي الذي تفرضه الثورات المعاصرة عليها؟

سميرة نقروش: الكتابة الأدبية، وخاصة الشعرية منها، دائمًا ما تخضع لتوترٍ عالٍ وقت الهزات السياسية والاجتماعية الكبيرة. والشاعر بوصفه شرخًا زلزالي لهذه الهزّات، فإنها تتضخم في نظره، لذا وجب عليه الحذر من أن يسقط في فخ الخطابة السطحية والزبد الأجوف. وعلى عمله أن يلتزم الصمت والمسافة والعمق والمقاومة.

سوليداد فارينيا: الشعر، بما فيه الشعر التشيلي، يضم تنوعات كثيرة. وفي تشيلي لطالما كان الشعر السياسي حاضرًا، خاصة خلال حقبة الديكتاتورية إبان عهد بيونشيه، حيث كان في الصف الأول من المقاومة السياسية.

وحتى مع عودة الديمقراطية إلى البلاد، ظل المشهد محافظًا على العديد من موروثات تلك الحقبة، ما زاد من تعقيده. وعلى إثرها نشأ نوع من الشعر أشبه بالشعر السياسي والاجتماعي، وأقرب إلى تصوير التناقضات الاقتصادية والاجتماعية الكبيرة التي نشأت خلال هذه السنوات الأخيرة. 

وعلى الرغم من عدم وجود جرائم أو انتهاكات أو قضايا تعذيب ارتكبتها الدولة لاحقًا، إلا أنه كان هناك نوع آخر من العنف، مثل اللامبالاة تجاه القضايا الكُبرى كالتعليم الصحي والمعاشات التقاعدية، والأجور القليلة، وهي أمور يعاني منها غالبية السكان في نظام سياسي واقتصادي الغلبة فيه لإمبراطورية السوق.

علي رياض: في الحقيقة أن لغة الشعر هي من تغلغلت داخل لغة الثورة دون قصد، لكن بسبب المناخ الرومانسي. لغة الشعر تسود بشكل هائل في لغة الثورة، تمنحها العاطفة والروح، وهي في الحقيقة تحمل نفس جوهر لغة الشعر. 

بمعنى آخر: الاحتجاج يصنع ماكينة شعرية داخل المحتج، وأكبر دليل على ذلك هو شعرية تحدي الموت، إذ كانت إحدى أكثر الشعارات انتشارًا "أنا الشهيد القادم". هذه لغة لا يمكن توصيفها إلا بأنها لغة شعرية.

وأركز هنا على المقاومة، كون الثورات حقل للعاطفة، تحتشد فيها وحولها طبقات العواطف. وفي المقابل، وعكس ما نتخيل، عمل الشاعر هو خلق مسافة بينه وبين العواطف، يهضمها، ويحيلها لغة.

ومن أجل هذا، لا يجب على الشاعر التردد في قبول الوقت الكافي لاختمار ما يمكن كتابته. هذه هي أفضل مساهمة يمكن أن نمنحها زمن الثورة، أي ألا نعتزل ما يحدث، بل نعيشه بعمق، ثم ننزوي إلى الكتابة الأدبية في اللحظة التي تستوجب ذلك.

مارغاريتا لوسادا بارغاس: هناك توتر دائم بين الاثنين. وفي كثير من الأحيان يؤثر إغراء الموقف السياسي الثوري على مستوى التعبير الشعري. لكن، ودون شك، فالتعبئة الاجتماعية والنضال ضد السلطة، محاور أساسية لأي تعبير شعري، لأن الشعر يخترق الأفكار والمصالح، وطرق حياة وعمل كل شاعر. والشعر في جوهره تمرد وفكرة، والثورة هي محرك الإلهام ومحفز المقاومة.

  • كيف يطرح شعر اليوم موضوعات الثورة؟ وأي مقاربة يقاربها؟

سوليداد فارينيا: من السابق لأوانه الحديث عن الشعر الثوري الذي ينتج الآن، كونه في طور التكوين، وكذلك لتنوعه الكبير. لكن مع ذلك يمكنني التطرق لبعض الأمثلة. فمن ناحية، اختار الشعر الشارع وجدران المدينة مساحة لتعبيره، مثبتًا في نفس الوقت حضوره الدائم على المسرح في الأغاني وشعارات الثورة. وبالتالي برز لنا تعبير شعري جديد، يضع نفسه مقاومًا في وجه وحشية قوى القمع.

وقد استلهمتُ موضوع نص من إمرأة شابة فقدت عينها خلال المظاهرات التي تجتاح البلاد، بعد أن استهدفت قوات القمع وجهها بقنبلة مسيلة للدموع، واعتمدت على شهادتها في كتابة القصيدة التالية:  

"العين الثاقبة المتنبهة

التي تميز دقائق الليل،

تخمش في الوساخة اللامرئية،

تملأ الذاكرة بالصور،

تصرخ

تحت قصفات النور

الذي اختطف منها النور:

انظري! تقول للعين الباقية

أنت منارتي الآنية!

اسأليه: لماذا أركض؟

وأركض، يشدني إليه

التفت إلى الوراء، وثبة دموية حادة

والظلام يسيل الألم

أنت منارتي الآنية،

خاطبيه من محجري الأجوف:

هل للدم في الفم طعمُ الاضطهاد؟"

تجدر الإشارة إلى أن هذه القصيدة كُتبت خلال الأسابيع الأولى من الاحتجاجات التي تعرفها البلاد. وقد تضاعف عدد المصابين منذ ذلك الحين، ليصل حتى الآن إلى أكثر من 300 شاب أصيبوا في عيونهم بسبب قنابل الغاز المسيل للدموع، وفقد اثنان منهم البصر كليًا.

مارغاريتا لوسادا بارغاس: على ما أعتقد لا يمكن التحدث عن طريقة واحدة لإثارة القضايا الثورية من خلال الشعر. وبشكل عام، اللغة الشعرية شكل من أشكال الثورة، ومن هنا يبدأ كل شيء. ويمكننا أن نجد أمثلة عديدة على ذلك في شعرية أمريكا اللاتينية.

الشاعرة الكولومبية مارغاريتا لوسادا بارغاس
الشاعرة الكولومبية مارغاريتا لوسادا بارغاس

مثلًا هناك روكي دالتون، الذي لقي حتفه على أيدي رفاقه، وكتب قصيدة شعر غير موزونة، مشيرًا فيها إلى الهياكل الداخلية لمجموعته الثورية. وكان من أهم إسهاماته الشعر السياسي غير الشعبي، والمقلق للمتحيزين للبنى المحافظة التي لا تزال قائمة ضمن تلك المجموعات التي تعتبر ثورية.

كذلك كشف بيدرو ليمبل (كاتب تشيلي معروف بميوله المثلية، ونقده الساخر والقوي للسلطة الشمولية) عن كراهية خالصة للمجموعات المرتبطة بالحزب الشيوعي. ولم يتوقف أبدًا عن محاربة الاستغلال والفاشية التي تم تأسيسها، ليس فقط في الديكتاتورية، ولكن أيضًا داخل إطار الجماعات السياسية الثورية. وحاول من خلال تمرده، التعبير عن صوت المجموعات المضطهدة بكل أبعادها.

وفي حالة شعر السكان الأصليين لأمريكا اللاتينية، هناك أيضًا رغبة ملحَّة لاستعادة اللغات الأصلية لصوتها العالي، ووضعها على قدم المساواة مع لغة المستعمر السائدة، والمطالبة بإلقاء نظرة عن كثب على واقع الثقافة الأصلية لأمريكا، ومدى  الضرر الذي أحدثه الاستعمار داخلها، وانتهاكه لها بمؤثراته الثقافية والدينية.

هناك أيضًا مقاوِمات، مثل خوانا إينيس دي لا كروز، وهي أول إمرأة في تاريخ الشعر اللاتيني تكتب شعرًا يتمرد على السلطة البطريركية للرجل والمجتمع. وقد أبدعت أشكالًا رائعة في اللغة، ومارست الحرية الفكرية وحرية التعبير. ومنذ ذلك الحين، مثلت بلا شك أحد أعمدة العديد من التعبيرات الشعرية الثورية الحالية.

علي رياض: البوابة الوحيدة بين الشاعر والتظاهر، وهنا أعني بوابة الاتصال الأدبي؛ فُتحت عبر شعر الرثاء، في كل من الناصرية وبغداد. أما الطرح العام فيأتي معزولًا عن التأثير، كما هو حال الشعر في أيامه الاعتيادية.

سميرة نقروش: يمكنني القول بأن الشعر بوصفه أدبًا للهوامش وإعادة اكتشاف لأشكال الكتابة، هو في ذاته ثورة دائمة. ومن هكذا المنطلق نجده دائمًا في صدارة الثورات وقت خروجه إلى الفضاء العام.

  • كيف يحضر الشعر والشاعر في الخطاب الاحتجاجي للثورات الراهنة؟

علي رياض: في العراق غائب تمامًا، بل غاب المثقف أيضًا، لأن الثورة لم تكن ثورة لسانيات ولا ثورة باحثين عن مكاسب شخصية، كحال المثقف العراقي للأسف، إلا من رحم ربي. الثورة في العراق ثورة شباب سحقهم الظلم ماديًا واجتماعيًا وثقافيًا.

سميرة نقروش: هناك دائمًا حاجة إلى إيجاد الكلمات اللازمة للتعبير عن العواطف الجامحة كالتي يمكن لها أن تعاش في زمن الثورات أو الأخطار الوشيكة. ونلحظ تلك الحاجة في عدد الاقتباسات الشعرية التي تجوب وسائل التواصل الاجتماعي في جزائر هذه اللحظات.

الشاعرة الجزائرية سميرة نقروش
الشاعرة الجزائرية سميرة نقروش

نلحظها كذلك في مدى انتقائية تلك المصادر الشعرية، فنادرًا ما تكون معاصرة، ما يدفع للتساؤل عن واقع الإيصال عند الشعراء الأحياء، وماهية الصورة التي تمنح لهم. لكن ما يجب علينا الأخذ به، هو أن الشعر ناطق، وإليه وإلى لسانه دائمًا نعود في لحظات المحن كما في لحظات الفرحة.

  • هل هناك محاولات إعادة تنظيم الساحة الشعرية على أسس الحركات الاحتجاجية؟

سميرة نقروش: يجب مقاومة الاندفاعية. هناك عمل سياسي واجتماعي ضخم يتحقق على أرض الواقع، بينما الشعر يتبع توقيته خاص، لذا يجب أن نترك ساعته حرّة. مع هذا لا أنفي ضرورة أن نوجه الانتباه للشعر الذي سينتج في بلادنا خلال الخمس أو الـ10 سنوات القادمة.

علي رياض: لا. من شارك في ثورة تشرين العراقية، اكتفى بكونه ثائرًا بين شباب الثورة، ولم ألاحظ أي محاولة كهذه. رغم أن المسرحيين والسينمائيين قد فعّلوا محاولة كهذه، وامتلك كل منهم خيمة اعتصام تستضيف الفعاليات والندوات.

الشعر بوصفه أدبًا للهوامش وإعادة اكتشاف لأشكال الكتابة، هو في ذاته ثورة دائمة، لذلك نجده دائمًا في صدارة الثورات

ماغاريتا لوسادا بارغاس: نعم هناك. على الرغم من أن البيئة الشعرية والمؤسسات التي يتم إنشاؤها من حولها، تقع غالبًا، ولسوء الحظ، في خطأ اتباع نوايا الليبرالية الجديدة، وتحويل الشعر إلى عمل تجاري، باستثناء بعض الموضوعات والتوجهات الفنية.

 

اقرأ/ي أيضًا:

حوار| يولاندا غواردي: مهمة الأدب تدمير الكليشيهات

أفونسو كروش: لا يمكن ترك الشعر أبدًا