صدر حديثًا عن دار "الآن ناشرون وموزعون" في عمّان رواية "طرقات بمزاج سيئ" للكاتب المغربي مصطفى النفيسي، وهي الرواية الأولى بعد سنوات من كتابة القصص القصيرة، حيث صدرت له مجموعة قصصية بعنوان "تطريزات على جسد غيمة".
تعتبر هذه التجربة الروائية إبحارًا في خبايا الذات الإنسانية وتعرجاتها، وكأن الأمر يتعلق بتطبيق حرفي لحكمة سقراط الشهيرة: "اعرف نفسك بنفسك". فصحيح أن هاته الرواية ليست سيرة ذاتية، وهي تخص الغير الذي ليس نحن، أو الأنا الذي ليس أنا بلغة سارتر. ولكن هذا الغير هو نحن. الغير الذي ينوب عنا في صنع التاريخ بتعبير سارتر نفسه. لكن أي تاريخ يصنعه الإنسان المعاصر بشكل عام، وبطل رواية طرقات بمزاج سيئ؟
إن التاريخ الذي يصنعه بطل الرواية هو تاريخ هزائم بدلًا من أن يكون تاريخ انتصارات. تاريخ مليء بالنكسات والإحباطات. وهو واقع الإنسان المعاصر الذي يبحث عن مخرج من مأزقه التاريخي، فلا يجد أمامه سوى طرقات سيئة المزاج تقوده لمآزق أخرى. فحارس المرمى الذي قرر الاختفاء من ساحة الوغى، أي من ملعب المباراة حامية الوطيس، كان يهرب في الحقيقة من زوجته البرجوازية التي لا تتوافق معه طبقيًا. فهو من قاع المجتمع وهي من عَلِيَّتِه. هو من الهامش، وهي من المركز. لذلك سيجد نفسه بدون دخل يمنحه القدرة على الاستمرار في الحياة. وهكذا سيجد نفسه مدفوعًا للمضي في طرقات خرقاء ستقوده إلى القاع من جديد، حيث سيفقد كرامته، بل سيصبح بدون أمل، خاصة بعد علمه بخيانة زوجته له مع حارس العمارة التي كانا يقطنان بها معًا.
هكذا سيرتمي في أحضان مغامرة غير محسوبة العواقب، وهي التصميم على المشاركة في الحرب في سوريا، ليجد نفسه قد تحول إلى مهاجر سري يتم القبض عليه في ختام الرواية، قبل أن يعم العالم الخوف والقلق نتيجة انتشار فيروس كورونا اللعين الذي سيربك حسابات، ليس فقط حارس المرمى، بل حسابات الإنسان المعاصر بشكل عام.