21-فبراير-2018

غاليري كلمات

"لا يؤطّر الفنّ في جغرافيا مُعيَّنة"، لعلّ هذا ما يريد تأكيده الفنان عدنان الأحمد من خلال افتتاحه مؤخّرًا لدار نشر وغاليري تحت اسم "كلمات" في العاصمة التركيّة إسطنبول؛ مُكملًا بذلك مشروعه الثقافي الذي بدأه قبل أكثر من عشرين عامًا من الآن في مدينة حلب، حيث أسَّس آنذاك مؤسَّسةً ثقافيّة مستقلّة سعى من خلالها إلى الاشتغال على تطوير الفنّ السوري بمختلف أشكاله، لا سيما الفنون التشكيليّة التي تشغلُ حيِّزًا واسعًا من اهتماماته، إلى أن توقّف نشاطها إبّان الحرب واشتداد وطأتها على المدينة.

انتقلت دار نشر وغاليري كلمات من حلب إلى إسطنبول في سياق الرحيل السوري

نلمسُ في اختيار عدنان الأحمد لموقع الدار ربّما رغبةً منه في استعادة أجزاءً من ذكرياتٍ سابقة، وهدوءٍ يتَّسمُ به حيّ كوزكونجوك الواقع في الشطر الآسيويّ لمدينة إسطنبول، بالقرب من جسر البوسفور، حيث يتواجد الغاليري هناك، مُستوقفًا المارّة الذين يدفعهم الفضول لاستكشاف المكان الذي يصفهُ عدنان الأحمد بالمهيب، والاطّلاع على محتوياته التي تُمثِّل ما يُمكننا تسميته جزءًا من تاريخ الفنّ التشكيليّ السوريّ، فضلًا عن أنّ الغاليري يُتيح لزوَّاره الاطّلاع على أعمالٍ فنيّة تركيّة ومشرقيّة متنوّعة، حرص عدنان الأحمد على اقتنائها وعرضها كجزءٍ من مشروعه الهادف إلى دمج ثقافاتٍ هي في الأساس، من نواحٍ عدّة، متَّصلة فيما بينها.

اقرأ/ي أيضًا: هاني عباس.. هل صعد اللاجئون سفينةَ نوح؟

عن الهدف من افتتاح هذه المؤسَّسة، يقول عدنان الأحمد لـ"ألترا صوت" إنّ غايته هي العمل على توطيد مكانة الثقافة السوريّة الآخذة بالاتِّساع والانتشار في المشهد الثقافي التركيّ، خصوصًا في مدينة إسطنبول، التي تحوّلت إلى حاضنة للمشاريع الثقافيّة العربيّة بشكلٍ عام، والسوريّة بشكلٍ خاص. ومن خلال ذلك، تسعى الدار أيضًا إلى أن تكون وجهة ثقافيّة وإبداعيّة تستقطب المهتمّين بالفنون الحديثة والمعاصرة، بالإضافة إلى إثبات كفاءة الفنون الشرقيّة في حيازة مواقع مهمّة في المشهد الثقافيّ العالميّ، وذلك أيضًا من خلال تقديم الدعم اللازم لمشاريع الشباب السوريّ والتركيّ معًا، واشهارهم إلى العلن.

عدنان الأحمد

يضيف عدنان الأحمد أنّ اختياره لمدينة إسطنبول جاءَ انطلاقًا من كون ثقافتها قريبة من الثقافة السوريّة، لا سيما أنّ جزءًا كبيرًا من ثقافة المدينة هو امتداد للحضارة العربيّة الإسلاميّة وثقافتها. ناهيك عن أنّ الأتراك منفتحون على جميع الثقافات العالميّة، وتعدّ تركيا اليوم حلقة وصل بين الثقافتين الشرقيّة والغربيّة.

ويؤكّد مُحدِّثنا عدنان الأحمد على أنّ العمل على هذا المشروع بدايةً لم يكن أمرًا سهلًا، وأنّه كان مغامرة كبيرة غير واضحة النتائج، بيد أنّ اصراره على إعادة إحياء مؤسَّسته في بيئة مختلفة، واستعراض التجارب الفنيّة السوريّة في تلك البيئة، جعل منها لاحقًا واحدة من كبرى المؤسَّسات الثقافيّة في المدينة، ما جعلها، بحسب عدنان الأحمد، مؤسَّسة تتطلّع نحو المستقبل، ومنصّة للفنون الشرقيّة على اختلاف هويّاتها.

وحول نشاطات المؤسَّسة، يقول عدنان الأحمد إنّها لا تقتصر على إقامة المعارض الفنيّة فقط، بل تساهم أيضًا في صناعة الفن من خلال عملها على تطوير آلياته عبر رؤيتها الحداثيّة والساعية للانفتاح وانشاء جسور تواصل مع الفنون العالميّة. وهنا يؤكّد أيضًا أنّ المؤسَّسة لا تتدخّل في شؤون الرسّام، أو تُملي عليه ما يقوم به، بل تشتغل على تطوير أدواته الفنيّة فقط.

الأتراك منفتحون على جميع الثقافات العالميّة، وتركيا تلعب دور حلقة وصل بين الثقافات لشرقيّة والغربيّة

يُشير عدنان الأحمد إلى مدى التفاعل التركيّ مع المشروع الذي حظيَّ باحترام كبير جدًا من المُتلقّي، بالإضافة إلى المؤسَّسات الثقافيّة والجامعات التركية. ويرى أنّ هذا التفاعل والحضور الدائم في الغاليري يعود، كما ذكرنا سابقًا، للتشابه بين الثقافتين السوريّة والتركيّة، ولكون الفن في هاتين الدولتين مفتوحًا على جميع الاتِّجاهات ومدارس الفنّ بالعالم، الأمر الذي أغنى، بحسب عدنان الأحمد، التجربتين السوريّة والتركيّة.

اقرأ/ي أيضًا: إلى من ينتمي الفن؟

كما يرى عدنان الأحمد أنّه من الضروري اليوم العمل على رؤية متطوّرة ومواكبة للأحداث الحاصلة في العالم، وهذا ما تسعى إليه المؤسَّسة المتّجهة نحو التجدّد.

 

اقرأ/ي أيضًا:

كهف تمّام عزّام

تصوير القدس في الحرب.. صورٌ من سنة 1948