29-سبتمبر-2019

للغريب سلطة نادرة التذوق سينمائيًا كما له سلطة على حبكة الشريط (pokisense)

يلتقي في فضاء محدد مجموعة شخصيات، تتعرف على بعضها البعض للمرة الأولى،  يدور بينها الكثير من الأحاديث التي تتطور إلى حوارات مستفزة، صادمة وكاشفة في آنٍ معًا. هذه هي المفردات الأساسية للسيناريوهات المكتوبة على أساس وجود شخص غريب أو دخيل على عالم شخصيات أخرى، يثير الضيف الكثير من الأسئلة التي من شأنها تصدير حالة من الصراع أو خلق حالة استنفار قد يصل حد العنف، ويترتب عليه كشف حقائق، وتغير أدوار وحدوث طارئ، وقول كل ما هو مسكوت عنه. 

يثير الضيف الكثير من الأسئلة التي من شأنها تصدير حالة من الصراع أو خلق حالة استنفار قد يصل حد العنف في الحبكة السينمائية

إذًا ما هذه السلطة غير المحسوسة التي يجلبها الغريب إذ ما حلّ ضيفًا في الأفلام؟

هناك جانب وظيفي لا يمكن إغفاله في شخصية الغريب الضيف الذي يحلّ على المكان، غرابته كعنصر طارئ أو جديد في فضاء جديد تساعد على فهم سياق الأحداث وتعمل على تطوير الحدث وبناء الحكاية، كذلك الأمر بالنسبة لجماليات السرد التي يضيفها عامل المفاجأة والترقب الذي نعيشه خلال وجود هذا الغريب.

اقرأ/ي أيضًا: 5 أفلام مصرية ممنوعة من العرض.. نماذج من تاريخ الرقابة

 

 كثيرة هي الأمثلة التي تطرقت إلى هذه الحالة في أرشيف السينما العالمية، نذكر هنا مجموعة من الأفلام التي تدور أحداثها في أمكنة محددة وتشغل فيها شخصية الدخيل أو الغريب مكانًا هامًا، ويتم إيلاء كل الأهمية لهذه الفرضية في بناء الحبكة التي تبنى على تراكم الأحداث التي تقود إلى الاكتشافات والتعرف. 

1- فيلم من يخاف فيرجينا وولف  Who is afraid of virginia woolf المأخوذ عن النص المسرحي الذي يحمل نفس الاسم للكاتب الأمريكي إدوارد آلبي. كُتب النص  ليطرح فكرة الحلم الأمريكي وخوائه والوصول لاكتشاف أنه كان أكذوبة، وهو عبارة عن هواجس وكوابيس. عن طريق حكاية زوجين من الطبقة الوسطى يستعدان لاستقبال زوجين شابين بعد قضاء أمسية احتفالية.

مشهد من الشريط

يصل الضيوف ويتم تجاذب أطراف الحديث المغطى بقشور اللباقة واللطافة إلى حين تتراكم الانفعالات وتخلق توتر بين الأزواج الأربعة، الأمر الذي من شأنه الكشف عن تعقيدات وأكاذيب تغص بها حياتهم. ويتم ذلك عبر استحضار الذكريات ووقوع حوادث عنف لفظي ونفسي وأحيانًا جسدي وممارسة الإكراه والإجبار. كل تلك الممارسات منشأها تراكم ضغط نفسي يعبر عنه خلال تلك الزيارة. يقدم الفيلم صورة عن عالم عدم البوح والقلق والممارسات العنيفة التي قد تعتبر طريقة للتواصل والتعبير بين الأشخاص.

 

 الفيلم من إخراج مايك نيكولز صاحب فيلم الخريج، وأداء إليزابيث تايلور وريتشارد بيرتون، يعتبر واحد من أشهر الأمثلة في السينما التي اعتمدت على النص المسرحي ونقلته إلى الشاشة الكبيرة. 

مشهد آخر من ذات الشريط

2- في مكانٍ آخر نكتشف تأثير وجود الضيف الغريب عن المكان والطريقة التي تتم بها تناول شخصيته، فهو يمسك بحبال الصراع أحيانًا يشدها ويفلتها بحسب أسئلته وشخصيته الطارئة. هذا ما نراه في فيلم كارنيج أو مذبحة للمخرج البولندي رومان بولانسكي المستوحى أيضًا عن مسرحية للكاتبة الفرنسية ياسمينا ريزا تحمل نفس العنوان.

اقرأ/ي أيضًا: المخرج خارج البيت.. السينما في المكان الغريب

يدور الفيلم حول أربعة آباء يجتمعون لمناقشة شجار دائر بين أبنائهم. في حقيقة الأمر، بعد وصول الضيوف لا شيء يحدث إلاّ الكلام، أربعة شخصيات تتحدث وتتواصل مع العالم الخارجي بواسطة التليفون الذي له تأثير كبير على مسار الحدث. كلام عن المشاجرة الحاصلة وطريقة حلّها ومن ثم تُفتح الزيارة على مناقشة أمور ذات شأن أكبر في الحياة. في كل مرة يقرر بها الضيوف المغادرة يعودون لأسباب مختلفة إلى الداخل، ويعيدون فتح السير والنقاشات غير المنتهية.

المخرج رومان بولانسكي

وهكذا ينتهي الفيلم دون أن نصل إلى مكان، ولكننا قضينا رحلة تعرف على شخصيات مختلفة ومتنوعة تملك مخاوف واضطرابات تكشف عن حقيقة الإنسان وطريقة تعبيره عن مخاوفه أمام الغريب الذي يدخل إلى البيت، ويلعب أدوار متعددة أمامنا. 

3- تلعب شخصية الضيف الغريب في فيلم ألعاب مضحكة للمخرج الألماني مايكل هاينكيه أبعادًا مؤثرة في رسم وتأسيس الرعب، حتى أنه يلجأ إلى الخيال ويقوم بإعادة الزمن في إحدى المشاهد من أجل أن تكتمل لعبة الضيف الذي يتسلل إلى بيت عائلة برجوازية تقضي إجارتها في إحدى البلدات، وريثما يتحول طلب صغير مثل ماء أو بيض من جار قريب  إلى عملية اقتحام وتدخل تتطور لتصبح جريمة قتل.

يدخل مراهقان إلى بيت تلك الأسرة ويدفعون أفرادها على قبول لعبتهم بالإجبار، ذلك النمط من الألعاب التي لا تبدو مضحكة بالنسبة لأفراد الأسرة التي  يمارس عليها الضغط والتعنيف وتتلقى الضربات التي تؤدي بها إلى الموت، إنما بالنسبة للضيوف فهي أكثر الألعاب إمتاعًا وإثارة. لا مبررات ولا أسباب واضحة لكل ما يجري سوى نقمة على نموذج حياة الترف والرفاهية. وما يعطينا انطباعًا بأنها لعبة اجتماعية انتقامية مخطط لها هو استمرار اللعبة بزيارة بيت آخر لعائلة أخرى. 

 

اقرأ/ي أيضًا:  

5 من أفلام فؤاد المهندس.. الكوميديا لا تموت أبدًا

أدوار المرأة العربية في الصناعة السينمائية