28-أغسطس-2022
FUKUSHIMA

ما تزال كارثة فوكوشيما تلقي بظلالها على مسألة الطاقة النووية في اليابان (Getty)

بفعل ارتفاع أسعار الوقود عالميًا، بدأت اليابان تبحث في إمكانية العودة إلى تشغيل محطاتها النووية المتوقفة عن العمل بهدف استدرار الطاقة الكهربائية، لا سيما بعد ارتفاع الطلب الكبير من قبل السكان هذا الصيف ما أدى إلى تعثر شبكات الكهرباء في العديد من المدن، في ظل ما تشهده البلاد من موجات طقس حارة لم تشهد مثلها منذ أكثر من قرن.

اليابان بحاجة إلى الطاقة النووية لأن شبكتها الكهربائية غير متصلة بالدول المجاورة، كما أنها غير قادرة على زيادة إنتاج الوقود الأحفوري المحلي

وزارة الاقتصاد والتجارة في اليابان كانت قد حثت السكان على الاقتصاد في استهلاك الكهرباء بسبب التكاليف الباهظة للوقود بعد تضاعف الأسعار في جميع أنحاء العالم ووصولها إلى مستويات استثنائية، وهو ما دفع الدولة إلى التفكير في حلول سريعة لأزمة قد تتفاقم قريبًا. 

خيارات عديدة

تبحث اليابان في إمكانية تطوير مفاعلات جديدة أكثر تطورًا، وذلك انعكاسًا لسياسة جديدة ستشهد عودة الدولة اليابانية نحو استخدام الطاقة النووية بعد إيقاف العمل بها منذ عام 2011. حيال هذه المسألة، صرح وزير الاقتصاد والصناعة، ياسوتوشي نيشيمورا، وأشار إلى أنه "من المهم للغاية تأمين جميع الخيارات لتأمين إمدادات طاقة مستقرة لبلدنا. وانطلاقًا من هذا المنظور، سنبحث في جميع الخيارات المتعلقة بالطاقة النووية".

ونقلت وكالة رويترز عن البروفيسور في كلية الدراسات العليا للسياسة العامة بجامعة طوكيو، جون أريما، قوله "اليابان بحاجة إلى الطاقة النووية لأن شبكتها الكهربائية غير متصلة بالدول المجاورة، كما أنها غير قادرة على زيادة إنتاج الوقود الأحفوري المحلي".

من جانبه، صرح رئيس الوزراء الياباني، فوميو كيشيدا، بالقول أنه أصدر تعليماته للمسؤولين باتخاذ اجراءات مناسبة وملموسة في هذا الإطار مع نهاية العام الحالي 2022. وأضاف كيشيدا في حديثه نقلًا عن وكالة بلومبيرغ الإخبارية "الطاقة النووية ومصادر الطاقة المتجددة ضرورية للمضي قدمًا في خطتنا للتحول الأخضر  الهادف إلى إعادة تجهيز اقتصادنا الكبيرة لتحقيق الأهداف البيئية في نفس الوقت" وبغية ضمان الالتزام بشروط مؤتمر التغير المناخي في البلد الذي يعد كثالث أكبر اقتصاد في العالم. وتابع كيشيدا مشيرًا إلى أن "الغزو الروسي لأوكرانيا أدخل تغييرات على مشهد الطاقة العالمي"، وتابع "على اليابان أن تضع في اعتبارها سيناريوهات الأزمات المحتملة في المستقبل والاستعداد لأي حالة طوارئ".

وكان كيشيدا قد عبر عن رؤيته من خلال دعوات لتقليل اعتماد البلاد على هذه الأنواع من الوقود، أي الغاز والفحم والنفط، ووضع خططًا تهدف لضمان الالتزام بالحياد الكربوني في عام 2050 أثناء حضوره قمة Cop 26 العام الماضي. وتبعًا لذلك، قامت اليابان بإجراء تحديثات صارمة للسلامة العامة في المحطات النووية في جميع أنحاء البلاد. وتجدر الإشارة إلى أن أعداد المحطات النووية العاملة في البلاد بلغت سبعة مفاعل حتى الشهر الماضي، فيما هناك ثلاثة مفاعل قيد الصيانة، وذلك نقلًا عن شبكة CNN الإخبارية. ومع حلول الصيف المقبل سيكون هناك 17 محطة طاقة نووية تعمل في البلاد من أصل 33 محطة قابلة لإعادة التشغيل.

تحول دراماتيكي

وتأتي هذه العودة بعد تحول الرأي العام الياباني مجددًا لتأييد إعادة تشغيل المحطات النووية المتوقفة عن العمل وذلك بسبب رخص أسعارها مقارنة بغيرها من مصادر الطاقة. يشار إلى أن الحكومات اليابانية المتعاقبة كانت قد تعهدت بعدم بناء مفاعلات نووية جديدة خوفًا من رد فعل شعبي عنيف، إلا أن مسار الأوضاع قلب الموازين وباتت خطط رئيس الحكومة فوميو كيشيدا بمثابة تغير دراماتيكي لما كانت عليه المواقف في السابق، بحسب ما نقلت صحيفة الغارديان البريطانية. وإذ تبدو القرارات الحكومية واضحة إلا أن هناك عقبات تقف في وجهها ومنها موافقة البلديات المحلية على القرارات الحكومية وهو ما يشير إلى وجود لوبي معارض للمسألة في بعض المدن سيشكل حاجزًا في وجه تسهيل الخطط الحكومية.

FUKUSHIMA
ما تزال كارثة فوكوشيما تلقي بظلالها على مسألة الطاقة النووية في اليابان (Getty)

وتعد هذه الخطوة تحولًا مهمًا بالنسبة لليابان، والتي كانت قد تعرضت لكارثة إنسانية عام 2011 بعد أن ضرب تسونامي هائل البلاد ووصل إلى محطة فوكوشيما متسببًا بأضرار مادية وبشرية كبيرة (20 ألف لقوا حتفهم)، وكما أدت إلى انبعاث كميات هائلة من الإشعاعات النووية مجبرة عشرات الآلاف من السكان على الفرار من منازلهم، فيما لا تزال بعض المناطق المحاذية للمفاعل محظورة على السكان، وصنفت الكارثة بكونها الأسوأ منذ كارثة تشيرنوبيل التي أصابت البلاد عام 1986. وأدت الكارثة إلى تشكيك اليابانيين بجدوى الاعتماد على الطاقة النووية، وعلى إثر ذلك، توجهت الحكومة إلى الاستعاضة باستيراد كميات أكبر من الغاز الطبيعي والفحم والنفط لتلبية احتياجاتها من الكهرباء.

رفع مستوى إنتاج الكهرباء

في هذا السياق، قامت كبرى الشركات الصناعية والتي تدير مفاعلات الطاقة النووية إلى رفع مستوى إنتاجها من الكهرباء في محطاتها. شركة طوكيو إلكتريك رفعت الإنتاج بنسبة 10%، فيما شركة ميتسوبيتشي للصناعات الثقيلة رفعت إنتاجيتها بنسبة 6.9%، وشركة المعادن اليابانية وسعت إنتاجها بنسبة 5.5%، كما أفادت وكالة بلومبيرغ الإخبارية.

وقد حددت الحكومة اليابانية هدفًا لتحقيقه يكمن في توليد ما بين 20% إلى 22% من الطاقة الكهربائية عام 2030 من خلال المحطات النووية. فيما مضى، وقبل كارثة فوكوشيما، كان حوالي 30% من إنتاج الطاقة في اليابان يتم من خلال المحطات النووية، إلا أن نسبة توليد الكهرباء لم تتعد 5% عام 2020.

العديد من الدول حول العالم بدأت بإعادة النظر في إنتاج الطاقة الكهربائية عبر تشغيل محطات الطاقة النووية وذلك بعد الحرب العسكرية التي طال أمدها بين روسيا وأوكرانيا مما قلب سوق النفط والطاقة رأسًا على عقب وأعاد الجاذبية لسوق إنتاج الكهرباء من خلال المحطات النووية.

فقد كانت هذه السوق دومًا مثار جدل، وهي توفر 10% من مجمل الكهرباء عالميًا، بينما كانت توفر 18% في منتصف تسعينات القرن الماضي. وكانت المخاوف بشأن سلامة المفاعلات النووية جعلت العديد من الدولة تفرمل من تشغيل المفاعلات وتتجه صوب أنواع اخرى من الطاقة. ولكن اليوم، وبعد أزمة المناخ العالمية وارتفاع أسعار النفط، تبحث هذه الدول في إعادة تنشيط وتشغيل مفاعلاتها، سيما وأنها تعد مصدرًا خاليًا من انبعاثات الكربون، ومن هذه الدول الصين والهند وألمانيا وفرنسا وبريطانيا.

العديد من الدول حول العالم بدأت بإعادة النظر في إنتاج الطاقة الكهربائية عبر تشغيل محطات الطاقة النووية

في أوروبا، تتصدر المملكة المتحدة وفرنسا مجموعة الدول الساعية لإعادة تشغيل محطات الطاقة النووية. المملكة المتحدة، التي أنتجت 16% من الكهرباء في محطات الطاقة النووية عام 2020، تريد زيادة إنتاجها إلى 25% بحلول عام 2050 وذلك عن طريق بناء ثمانية مفاعلات نووية كبيرة. وأما فرنسا، فتخطط لبناء ستة مفاعلات نووية وإطالة عمر جميع المفاعلات الحالية حيث يكون القيام بذلك آمنًا. حاليًا تولد فرنسا بالفعل 70% من احتياجاتها من الكهرباء من خلال محطات الطاقة النووية.