23-أكتوبر-2016

علماء المغرب أمام سؤال يتعلق بمهامهم الاجتماعية أولًا، أي واجباتهم الدنيوية (فرانك لوكاتسيك/أتلانتيك برس)

صحيح أن الفتاوى الدينية بالمغرب ينظمها المجلس العلمي الأعلى، وهو بمثابة مؤسسة دينية تعنى بالإفتاء، ويترأسها العاهل المغربي، ويضم في عضويته أزيد من أربعين عالمًا وعالمة. إلا أن هذا لا يمنع بالضرورة بروز فتاوى تثير الجدل بين المغاربة. آخرها فتوى عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، وعضو حركة التوحيد والإصلاح الذراع الدعوي لحزب العدالة والتنمية، محمد بولوز، مفادها جواز الأخذ برخصة التخلف عن صلاة الجمعة في الانتخابات المنصرمة، وأداء الصلاة ظهرًا، أي أربع ركعات، مبررًا ذلك إلى تأثير الشأن السياسي الكبير على دين الناس، وتعليمهم، وصحتهم، وإدارتهم، وإعلامهم، واقتصادهم، وذلك في مقال له نشرته عدة مواقع إخبارية بالمغرب.

بين الحقوقي والسياسي والديني تتوزع المواقف والآراء في تقييم الفتاوى في المغرب واتخاذ مواقف منها

واعتبر بولوز "حراسة إرادة المواطنين يوم الاقتراع، مصلحة كبيرة أكثر من حفظ مال النفس ومال الغير من الأفراد"، مستطردًا أن "الخوف من التزوير، والتلاعب بالنتائج، وتغيير الصناديق، يعد عذرًا شرعيًا واضحًا لا لبس فيه لمن استحضر مقاصد الشرع".

اقرأ/ي أيضًا: الإسلام المغربي.. تسييس وأصولية

إلا أن رأيه الديني أثار استياء المجلس الوطني لحقوق الإنسان، في تقريره الأولي حول الانتخابات التشريعية، إذ اعتبر المجلس أن الفتوى "تخلط بين عمل يدخل ضمن ممارسة حق سياسي وهو التصويت، وبين عمل يندرج ضمن حرية ممارسة الشؤون الدينية".

وأضاف المجلس أن "ضمان مصداقية الاقتراع وانتظامه وشفافيته واجب يقع على عاتق الإدارة المشرفة على الانتخابات والمترشحين وممثليهم في مكاتب التصويت.

رأي المجلس الوطني لحقوق الإنسان لم يرق لمحمد بولوز الذي علق في صفحته الشخصية على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، إذ قال: "عجبًا للمجلس الوطني لحقوق الإنسان، لم يتعرض للخطيب الذي حث على التصويت لحزب معين وتخويف من صوت لحزب معين، ويعرض برأيي في جواز تغيب أعضاء مكاتب التصويت ومندوبي الأحزاب عن خطبة الجمعة وأداء صلاتها أربعًا، حماية للصناديق من التلاعب والتزوير، ولم يتعرض للمس بالحياة الخاصة للناس في التنافس السياسي، فهكذا تكون حقوق الإنسان على المقاس وعلى الهوى والكيل بمكاييل عديدة".

 

ونشر محمد بولوز أيضًا بلاغًا حول رده لما جاء في تقرير المجلس الوطني لحقوق الإنسان، حيث قال إنه كان على هذا الأخير أن "يوسع نظاراته حتى يورد كثيرًا من الخروقات الحقيقية الأخرى التي أغفلها وأوردتها العديد من وسائل الإعلام، ويستمر في الدفاع عن حرية التعبير للناس عوض أن يضيق بآراء بعض المواطنين، ويترك أمر العلماء للعلماء".

وأضاف بولوز في بلاغ للرأي العام "أنه أبدى رأيًا ولم يصدر فتوى" كما جاء في تقرير المجلس الوطني لحقوق الإنسان، في قضية تهم الآلاف من الناس من أعضاء مكاتب التصويت وممثلي الأحزاب والمرشحين.

يتعامل الشارع المغربي مع كل ما يتصل بالتشريع الديني والإفتاء بحساسية بالغة تدور حول وسطيته بالأصل

واعتبر الواعظ الديني أن رأيه يهم رخصة التغيب عن صلاة الجمعة لأعضاء مكاتب التصويت وممثلي الأحزاب والمرشحين ومن في حكمهم، وليس التغيب عن الجمعة بسبب التصويت الذي يهم المغاربة المسجلين كما جاء في التقرير.

أحيانًا، تطفو إلى السطح فتاوى قد تكون غريبة على المغاربة، لتخلق الجدل سواء في وسائل الإعلام أو في مواقع التواصل. الراحل عبد الباري الزمزي، أبرز علماء المنهج الوسطي في المغرب، كان صاحب الفتوى الغريبة بالمغرب، إذ أجاز في فتوى للرجل ممارسة الجنس على جثة زوجته، وهي الفتوى التي أثارت ضجة كبيرة، واستنكارًا واسعًا شعبيًا وعلى مستوى المجتمع المدني آنذاك.

اقرأ/ي أيضًا: المغرب.. التيارات الفكرية وإشكالية المشروع 

فتوى أخرى أثارت الجدل، وهي لعبد الرحمان المغراوي، رئيس جمعية الدعوة إلى القرآن والسنة، حيث أصدر فتوى تبيح تزويج الفتاة في سن التاسعة. وعلى إثرها أقدمت وزارة الداخلية على إغلاق دار القرآن والسنة التي كان يديرها هذا الشيخ بمراكش وذلك بمقتضى حكم قضائي.

إذًا، علماء المغرب أمام سؤال يتعلق بمهامهم الاجتماعية أولًا، أي واجباتهم الدنيوية، فهل هم بصدد إثارة العجب والتعجب والزوبعات الإعلامية، أم الأولى الاعتناء بالقضايا الملحة أمامهم وأمام المواطن المغربي؟ كما أن الضجيج المصاحب لمثل هذه الفتاوى إنما يدلل على عمق الحساسيات المتعلقة بالكيفية التي ينظر للإسلام، بل وللتدين من أساسه، عبرها مغاربيًا.

اقرأ/ي أيضًا:

الدلالات السياسية لعودة المغرب للاتحاد الأفريقي

مناهج التربية الإسلامية في المغرب.. نحو المراجعة