27-فبراير-2020

تم توظيف انتشار فيروس كورونا سياسيًا من قبل أحزاب اليمين (Getty)

بعد أن اجتاحت صور الانتفاضات المطلبية حول العالم المشهد السياسي من هونج كونج إلى تشيلي وما بينهما، وخصوصًا بلدان العالم العربي، جاءت هبة عالمية من نوع آخر، مصدرها هذه المرة الخوف والهلع من تفشي فيروس كورونا الذي تعتبر الصين مسقط رأسه.

إن عددًا متزايدًا من المسؤولين الأوروبيين المناصرين للانفتاح على مسألة اللاجئين، يعتقدون أن "كورونا" يمثل ما يشبه نكسة لجهودهم، لأنه يتيح للشعبويين فرصة  للتأكيد على أهمية فرض ضوابط حدودية

وإذا كانت نظرية المؤامرة تجانب الصواب في استنتاجاتها التعسفية والطفولية غالبًا، فإن التأمل في الاستثمار السياسي وغير السياسي في هذه الظاهرة التي تثير الرعب والهلع على مستوى العالم لا بد منه، ويستوجب التوقف والتدقيق، خصوصًا في الدول التي حط الفيروس رحاله فيها اليوم.

اقرأ/ي أيضًا: ماذا تعرف عن فيروس كورونا الجديد؟.. 10 أسئلة تشرح لك

بدايات بطعم المهزلة

في نهاية شهر كانون الأول/ديسمبر، قام طبيب العيون "لي وينغ ليانغ" بتنبيه زملائه إلى انتشار فيروس كورونا الجديد في ووهان. الأمر الذي دفع السلطات الصينية إلى استدعائه وإدانته بتهمة  "نشر الشائعات". ثم اضطر الدكتور لي إلى توقيع نقد ذاتي وعد فيه بعدم ارتكاب أي "أفعال مخالفة للقانون". لكن ملامح المهزلة الصينية لم تتضح إلا بعد أن صار الطبيب الذي حذر من الفيروس واحدًا من أول ضحاياه، الأمر الذي أثار موجة من الاستياء العام على وسائل التواصل الاجتماعي، مما دفع السلطات الصينية إلى اعتباره "بطلًا وطنيًا"، بالإضافة إلى سبعة أطباء أخرين كانوا أول من بادر إلى اتخاذ إجراءات احترازية.

تكتمل ملامح الصورة الهزلية في نهاية شهر كانون الثاني/يناير، عندما أشار عمدة ووهان تشو شيان وانغ خلال مقابلة مع التلفزيون الصيني إلى أنه تخلف عن نشر المعلومات عن فيروس كورونا، لأنه لم يتلق إذنًا من الدولة المركزية. لكن وعلى ما يبدو فإن هذا الأخير لم يدرك أي مسؤولية للتأخير في اتخاذ الإجراءات الضرورية في بداية تفشي المرض، مفضلًا التزامه بالتعليمات التي تأتيه من السلطة المركزية. 

وبمعزل عن مقدمات المرض وطريقة تعاطي السلطات الصينية مع الوباء، بات العالم اليوم أمام أمر واقع، ليس فقط من ناحية الخطر الذي يشكله الفيروس على سلامة المصاب وحياته، بل لما تبعه من استثمار سياسي وبروبغاندا وتضخيم.

كورونا في السجال الأمريكي

كعادته عبر منصة تويتر، وفي إحدى خرجاته المثيرة للجدل، علق الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، على ما يحدثه فيروس كورونا من هلع في الرأي العام، بالقول إن الحزب الديمقراطي وبعض وسائل الإعلام المحسوبة عليه، يتعمد إثارة الخوف العام، للتأثير بشكل سلبي على الأسواق. واتهم الرئيس الأمريكي وسائل إعلام كبرى مثل "سي إن إن" بالتسبب بخسائر اقتصادية وتعطيل الأسواق، بسبب تغطياتها لأخبار الفيروس. كما قال ترامب إن الديمقراطيين "يتحدثون كثيرًا من دون أن يفعلوا شيئًا"، وأعلن أنه سيخصص مليارين ونصف دولار للقيام بإجراءات تتعلق بالمرض.

في المقابل، فقد رد الديمقراطيون معتبرين تصريح ترامب معيبًا وضعيفًا، على حد وصف رئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي. بينما انتقد نواب آخرون أداء الإدارة الأمريكية، ووصفوه بأنه دون المستوى ولا يتناسب مع الحالة الطارئة. ويبدو أن ترامب يخشى أن يؤثر موضوع انتشار الفيروس على فرصه في الانتخابات التي صارت قريبة، ما يدفعه للتقليل من شأن ومخاطر المرض، والتأكيد أنه تحت السيطرة.

المشكلة هي  فتح الحدود

كان فيروس كورونا في أوروبا أيضًا، أرضية خصبة للاستثمار والاشتباك السياسي بين اليمين المتشدد، وبين المناوئين له في الحكومات الأوروبية. هكذا، كان الحل السحري لدى ماتيو سالفيني لمعضلة كوكبية بيولوجية، هو إغلاق الحدود في وجه الوافدين، وتحميله الحكومة الإيطالية الحالية المسؤولية عن انتقال المرض إلى البلاد، حيث أعلنت إيطاليا يوم السبت 22 شباط/فبراير، العزلة لمدة أسبوعين لعشرات المدن الشمالية، بعد اكتشاف أكثر من 150 حالة إصابة بفيروس كورونا الجديد، وثلاث حالات وفاة.

 وحرصًا على وقف انتشار الفيروس، اختارت السلطات إنهاء كرنفال البندقية الشهير قبل الأوان. وحذر المحللون من أن انتشار المرض، الذي يتركز في الأراضي الصناعية والمالية في البلاد، يمكن أن يحول الاقتصاد الهش في إيطاليا إلى الركود الرابع خلال 12 عامًا. وهبطت الأسهم في إيطاليا بنسبة 4.68 بالمئة يوم 24 شباط/فبراير، مع تعرض معظم الشركات لخطر التراجع الأسوأ. فقد خسرت مجموعة المدفوعات الإلكترونية NEXI أكثر من6.7 بالمئة في أسواق البورصة، في حين تراجعت مجموعة الطرق السريعة والمطارات بالتجزئة Autogrill  بنسبة 12.5 بالمئة.

أما في فرنسا فقد عبرت زعيمة التجمع الوطني مارين لوبان عن اتجاه مماثل من خلال مطالبتها بإغلاق الحدود مع الجارة إيطاليا ووقف العمل باتفاقية شنغن. فقد صرحت يوم الأحد، 23 شباط/فبراير، أن "اليوم أو غدًا، قد تكون مراقبة الحدود ضرورية (...) يجب أن تكون الحكومة قادرة على التنبؤ بها"، كما أضافت قائلة: "لا نفعل ما يكفي، لا سيما من خلال السماح برحلات جوية من الصين". وردًا على سؤال حول ما إذا كانت طلبت من الحكومة استعادة الضوابط، أجابت لوبان: "نعم سيكون من الضروري إذا كان الوباء خارجًا عن السيطرة في إيطاليا". بينما دعا إريك سيوتي، وهو برلماني فرنسي وعضو في الحزب الجمهوري اليميني، إلى تعزيز مراقبة الحدود "قبل أن يفوت الأوان".

اقرأ/ي أيضًا: آثار الهلع: ما هو فيروس كورونا الجديد؟ وما هي أعراضه وسبل الوقاية منه؟

في سويسرا، التي ليست عضوًا في الاتحاد الأوروبي ولكنها تشارك في اتفاقية فتح الحدود، دعت لورينزو كوادري من الجناح اليميني إلى فرض سياسة "الأبواب المغلقة".

وحسب تقرير بعنوان "ضحية كورونا القادمة؟ ربما تكون حدود أوروبا المفتوحة"، نشرته صحيفة نيويورك تايمز يوم الأربعاء، فإن عددًا متزايدًا من المسؤولين الأوروبيين المناصرين للانفتاح على مسألة اللاجئين، يعتقدون أن الفيروس يمثل ما يشبه نكسة لجهودهم، لأنه يتيح للشعبويين فرصة أخرى للتأكيد على أهمية فرض ضوابط حدودية.

كان فيروس كورونا في أوروبا أيضًا، أرضية خصبة للاستثمار والاشتباك السياسي بين اليمين المتشدد، وبين المناوئين له في الحكومات الأوروبية

اليوم وعلى وقع هذا التهديد الوبائي الذي يجتاح بلدان العالم، أمست صور الأطباء الصينين المنهكين جراء جهودهم لتطويق الفيروس تجتاح الفضاء الإلكتروني، بعد أن كانت الاحتجاجات قد شغلت وسائل الإعلام. بينما تتصدر الوجوه اليمينية نفسها الواجهة، في توظيف مستمر لأي جديد، من أجل تطوير مقولاتهم المعادية للآخر.