22-أبريل-2017

لقطة من الفيلم

عادة ما يُشاع بين أوساط مشاهدي الأفلام -غير المتخصصين- بأن السينما الأوروبية ما هى إلا تلك الأفلام ذات الإيقاع الرتيب الذي يحتوي على مجموعة من الأفكار الفلسفية، التى يتم طرحها بشكل جامد وغامض دون أن يهتم بالجانب الأكثر أهمية -من وجهة نظرهم- وهو المتعة والتسلية!

ذلك الأمر الذى يجعل المشاهد قد يتخذ موقفًا سلبيًا من بعض الأفلام قبل أن يشاهدها من الأساس، وذلك بحجة أن الفيلم ناطق بلغة أخرى غير الإنجليزية -لغة الأفلام الهوليودية- المعتادة للمشاهد، ولكن ما رأيك عزيزي القارئ إذا وجدت فيلمًا على رغم أنه ناطق بالفرنسية إلا أنه قد حقق نجاحًا غير مسبوق، بين أوساط المشاهدين حول العالم بمن فيهم المشاهدون العرب؟

حظي فيلم إيميلي عام 2002 بـ4 جوائز César، إضافة لهيمنته على جوائز مهرجان الأفلام الأوروبية آنذاك بحصده جائزة أفضل فيلم أوروبي

ففيلم "المصير الخرافي لإيميلي بولان" وبالفرنسية (Le Fabuleux Destin d'Amélie Poulain) والمعروف اختصارًا باسم "إيميلي" هو رائعة المخرج الفرنسى جان بيير جونيه، والكاتب جيوم لوران، وهو ذلك الفيلم الذي أصبح إحدى أيقونات السينما الحديثة التى يختلط فيها الواقع بالخيال، وهذا ما جعله واحدًا من أكثر الأفلام التي يؤخذ منها لقطات على مواقع التواصل الاجتماعى وكأنها "لوحات مستقلة" تحث على حب الحياة، وواحدًا من بين أجمل الأفلام الأجنبية والعالمية على الإطلاق. 

تدور أحداث الفيلم حول شخصية "إيميلي بولان" والتي تجسدها الممثلة "أودري تاتو"، تلك الفتاة العشرينية التي عاشت منذ طفولتها حياة غريبة الأطوار بسبب قلق أهلها عليها، نتيجة تشخيص طبي خاطئ من والدها رافييل بولان "روفوس"، ذلك الطبيب المتقاعد الذى يحيا حياة في غاية الرتابة، خوفًا من التعرض إلى أي أحداث مفاجئة ومأساوية وذلك بسبب وفاة زوجته ماندين بولان "لوريلا كرافوتا" بطريقة مباغتة وغير متوقعة، لتبدأ أحداث الفيلم فعليًا عندما تنتقل "إيميلى" إلى باريس لتعيش حياة مستقلة (كنادلة فى إحدى المقاهي) بعيدًا عن تحكمات والدها.

على الرغم من أن فيلم إيميلي لا يحتوي "عقدة" درامية -واحدة- أساسية بشكلها المعتاد، حيث أنه يتكون من مجموعة من الخطوط الدرامية القصيرة جدًا، التى يتم نسجها منذ بداية الفيلم من خلال تركيبة الشخصية المحورية به وهى شخصية "إيميلي"، إلا أن المشاهد منذ اللحظة الأولى يندمج فى الأحداث بشكل انسيابي كبير بعيد تمام البعد عن التشتت الذى يمكن أن يتعرض له في فيلم يحتوي على ذلك الكم الكبير من الخطوط الدرامية، وهذا ما جعل فيلم إيميلي أشبه بلوحة ضخمة من "الموزاييك" المليئة بالتفاصيل المستقلة في ذاتها، وفي نفس الوقت المكونة للكيان الأكبر وهو العمل الفني كعمل متكامل، فإيميلي ما هي إلا شخصية عفوية بسيطة تريد أن تصبح "رسول المحبة والسلام" في جميع أنحاء العالم، وذلك من خلال تغييرها في حياة كل من حولها - سواء كانوا يعرفونها أو لا – وذلك لنشر الحب والسعادة فى حياتهم.

يغلب على فيلم إيميلي الطابع الكاريكاتيري الحالم بشكل كبير، سواء على مستوى بناء الشخصيات وتركيباتها، التي يمكن أن تتوقع منها أن تفعل أي شيء، أو حتى على المستوى البصري من حيث الكادرات والألوان الزاهية التي لعبت دور هام في بناء الفيلم، وهذا ما جعل المخرج قادرًا على استخدام بعض المشاهد التي تمتزج بين ما هو واقعي وماهو كرتوني، كما أن لموسيقى "يان تريسيان" تأثيرًا واضحًا في نقل ذلك العالم الخيالي الساحر، الذي يقدمه الفيلم إلى أذن المشاهد بالإضافة إلى بصره.

اقرأ/ي أيضًا: أطلس السينما: نيويورك سكورسيزي (1)

فمن أكثر الأمور التى جعلت المشاهد يشعر بحالة شديدة من القرب إلى فيلم إيميلي بطريقة أو بأخرى، هي أن الفيلم يرصد مجموعة من الأحداث اليومية التي نقوم بها بشكل عفوي دون أن نتخذ حيزًا فاصلًا بين فعلها ومشاهدتها، ذلك الأمر الذي يخلق حالة متفردة من "كوميديا الموقف" التي تبتعد عن "كوميديا الأفيه" التي تتسم به الكوميديا الأمريكية، فكوميديا الموقف هي الكوميديا التي تتناسب مع المشاهد في جميع أنحاء العالم دون النظر إلى تركيبته ومرجعيته الثقافية. ذلك الأمر جعل المخرج المصري سامح عبد العزيز يقتبس فى فيلمه "حد سامع حاجة؟ " مجموعة من المشاهد من فيلم "إيميلي" دون أن يشعر المشاهد بأي أختلاف ثقافي بين السينما المصرية والسينما الفرنسية.

"إيميلي"، فيلم يختلط  فيه الواقع بالخيال، وهذا ما جعله واحدًا من أكثر الأفلام التي يؤخذ منها لقطات على مواقع التواصل الاجتماعي

الجدير بالذكر أنه على الرغم من رفض القائمين على مهرجان كان السينمائي الدولي عرض فيلم إيميلي ضمن فعالياتهم عام 2001 - ما شكل صدمة في الأوساط السينمائية والصحفية والشعبية الفرنسية بسبب الضجة الواسعة التي حققها الفيلم والنجاح الكبير الذي حظي به رغم إطلاقه المحدود نسبيًا حول العالم - لكن ذلك لم يشكل عائقا ً أمام الفيلم للنجاح في التظاهرات السينمائية الكبرى الأخرى، حيث حظي الفيلم عام 2002 بأربع جوائز César، وعلى رأسها أفضل فيلم وأفضل إخراج، إضافة لهيمنته على جوائز مهرجان الأفلام الأوروبية آنذاك بحصده جائزة أفضل فيلم أوروبي، إضافة لنيله جائزة الجمهور في مهرجان تورنتو الدولي، وترشيحه لخمس جوائز أوسكار بينها أفضل فيلم أجنبي، دون أن ننسى دخوله أهم القوائم السينمائية المتخصصة، حيث أدرجته صحيفة "نيويورك تايمز" - على سبيل المثال - في قائمتها لأفضل ألف فيلم عبر التاريخ.

 

اقرأ/ي أيضًا:
فيلم "Mountains May Depart" هو نفس الحب وأكتر
4 أفلام لبنانية مميزة عليك مشاهدتها