10-مارس-2020

من الكتاب

وقعت بين يدي إحدى الصفحات لقصة من قصص الأطفال (4-8 سنوات) بعنوان: "المختار وقصة الأخذ بالثأر"، لمؤلفها محمد نور الدين، الصادرة عن دار المحجة البيضاء عام 2000. تصور القصة حادثة تاريخية دينية تتجلى بانتقام المختار الثقفي من قاتلي الحسين بن علي أحد أئمة الشيعة وأهل بيت الرسول.

ما يلفت في القصة، إن من الناحية الشكلية أو الضمنية، الصور لأعضاء الجسم المبتورة والسيوف والسكاكين وقطع الأيدي والأرجل والدماء والرؤوس المقطعة، وأما مفرداتها فهي على سبيل المثال لا الحصر: "أيها الجزار اقطع يديه ورجليه، ثم جاؤوا بالحطب وأضرموا النار فيها، وأمرهم المختار الثقفي بأن يلقوا هذا اللعين فيها حتى يحترق".

في أغلب المشهديات صور للسيوف والعنف "ضع السيف تحت رأسه"، وتكبيل اليدين والربط واللعن، وثم "تركه ينزف دمًا حتى مات لعنة الله عليه"، والفرسان الأبطال يحملون رؤوس الأعداء المجرمين بعد "الإقتصاص" منهم على فعلتهم.

أبعاد خفية

وبعد التواصل مع إدارة "دار المحجة البيضاء" في لبنان للاستفسار عن القصة قال مدير الدار أحمد علي: "لاقت القصة ترحيبًا في أوساط من يفهم أبعاد هذه القصة وحقيقتها والسبب من وراء هذه الأفعال، فهي تتحدث عن الثأر من قتلة الإمام الحسين وأولاده وأهل بيته وأصحابه. والانتقام ممن قاموا بقطع الرؤوس ورفعها على الرماح ومن سبوا نساء أهل البيت وروعوا الأطفال".

إن كنا نريد إفهام الطفل بشاعة السرقة أو القتل أو الكذب، لا يمكننا أن نبين ذلك من خلال أن العقاب هو قطع يد السارق أو إعدام القاتل

وأضاف: "قام مختار الثقفي بالانتقام من القاتلين بعينهم وفعل بهم ما فعلوه بأهل البيت، ولشدّة حب الناس للإمام الحسين فإن هذا الفعل بهؤلاء القتلة لم يشف غليلهم ولم يقلل من حقد الناس على هؤلاء، طبعًا مع الفارق الكبير بما يمثل الإمام الحسين وما يمثل هؤلاء المجرمين".

اقرأ/ي أيضًا: أدب الأطفال.. الأسئلة والسياق

برأيه، القصة لا تحرض على أي لون من الكراهية أو القتل، فهي تتحدث عن حادثة تاريخية حصلت فعلًا، فالقصة صورت حالة انتقامية من شخص بمفرده، وهي مخصصة لمن يفهم أبعادها وأهدافها، فهي تطفي الغضب وتؤجج النزعة إلى الحق عند الطفل/الإنسان حسب قوله.

وأشار إلى أن هذه القصة "لم تلاق أي اعتراض من أحد لولا معاودة أبناء وأحفاد هؤلاء القتلة من جديد بصورة داعش وكرروا أفعال أساتذتهم ومعلميهم"، لكنه بعد اتهامه للمعترضين على هذه القصة بأنهم أبناء داعش، يضيف صاحب الدار "هذا ليس نهجًا في ثقافتنا ولا هو من تعاليم ديننا، فاليوم أبناء الحسين لم يعاملوا أحفاد يزيد بالمثل، وهم الذين قطعوا الرؤوس وأحرقوا الخيام. لكن أبناء مدرسة الحسين أكبر من هذه الأفعال وما يفعله هؤلاء المجرمين".

لكن من هم أبناء داعش وأحفاد يزيد الذين يتحدث عنهم دون تحديدهم تحديد واضح، بعد مضي أكثر من 1400 سنة على واقعة كربلاء؟ وما علاقة هذا الحدث التاريخي بقصة للأطفال من عمر 4 - 8 سنوات؟ ولماذا حشر هذا الإشكال التاريخي في قصص الأطفال؟

رؤية أهل البيت التربوية

يعتبر وفق رؤيته التي يعارضها بشدة مختصو التربية والتعليم والعلاج النفسي والإرشاد الاجتماعي، أنه "إذا كنا نربي طفلًا على نبذ العصبية والكراهية، فلا أعتقد أن هذا قد يؤثر على عقل وسلامة وقلب وفكر هذا الطفل، بل هو يؤسس لأفكار ووقائع حقيقية وصادقة".

تجربته الشخصية كما يشرحها وفق مدرسة أهل البيت التربوية "نحن نقدم فعل حصل، وردة الفعل على الفعل"، وأما الخلاصة فهي "لا تفعل هكذا فعل حتى لا يفعل بك نفس الفعل".

وفي إجابته على سؤال حول رقابة الدولة والحق والحرية الممنوحة من قبل الدولة والوزارات المعنية، وحول السماح بنشر هكذا قصص لما فيه من مصلحة الطفل وحمايته، يجيب أن "ليس من وصاية لأحد على أي شخص ليعطي للآخر حق أو حرية بتوجيه وتربية أبنائه، فأنت وأنا وكل فرد مسؤول عن رعيته وأهل بيته، وللإنسان حق ليختار طريق حياته".

القصة تباع للعموم ومتاحة للجميع دون رقابة من الدولة في لبنان! لكن مدير دار يتدارك المسألة في هذا الصدد ويقول: "وإن كنا نحن لم ننتبه إلى عدم وضع هذه الصور للقتل، فلقد تم تدارك الأمر في الطبعة الجديدة وحذفنا كل هذه المشاهد كي لا ينسب لنا تبني أفعال القتل".

ويختم بقوله إن "دار المحجة البيضاء حرة مستقلة بفكرها، وهي بيت للكاتب لأي فكر حر انتمى إليه ويحترم آراء الأخرين، لأن الحق هو الله وعند الله، والحق لا يوجد عند شخص في هذه الدنيا، إلا من نعتقد بهم وهم الأنبياء والرسل والأئمة من أهل البيت عليهم السلام أجمعين".

أسلوب القصة الجيد

يجب أن يكون جو القصة جميلًا، فمعالجة موضوع معين لا تعني معالجته بطريقة قبيحة، بل يجدر أن يكون الأسلوب ممتعًا، وأن يتم استخدام المفردات والجمل البسيطة القريبة من الطفل.

 تحديد إيجابية أم سلبية القصة، وتأثيرها على الصحة النفسية للأطفال، يتم عبر ملاحظة سلوكيات الطفل التي تنبثق من الإسقاط الذي يقوم به الطفل بعد القراءة

وبحسب الدكتور أنطوان شرتوني، المختص بالأمراض النفسية والتحليل النفسي والباحث في الإختبارات الإسقاطية: "إن كنا نريد إفهام الطفل بشاعة السرقة أو القتل أو الكذب، لا يمكننا مثلًا أن نبين من خلال القصة أن العقاب هو قطع يد السارق أو إعدام القاتل، أو وضع اللبن على لسان الكاذب لتأكله الجرذان أو قص لسان الكاذب".

اقرأ/ي أيضًا: "طفولة حزيران".. مطاردة سوسيولوجية للهزيمة في أدب الطفل العربي

ويضيف في حديثة لـ"ألتراصوت": "يجب إيصال الفكرة من خلال القول إن السارق يؤذي غيره ويضر بنفسه وهو سلوك غير محبذ، وبأن السارق يصبح شخص غير محبوب وليس لديه أصدقاء والناس يبتعدون عنه".

ويشدد على ضرورة أن تنتهي القصة نهاية إيجابية حيث إن السارق، كما في المثال السابق، قد تعلم الصح من الخطأ، وقام بتعديل سلوكه وتوقف عن السرقة لأنه أصبح واعيًا لبشاعة السرقة. برأيه "فالسلوكيات السلبية التي يمكن أن يتعرض لها الطفل يجب تفسيرها من منطلق إيجابي وعدم تخويف الطفل بل حثه على تعديل أو تغيير هذه السلوكيات السلبية".

خطورة الرموز في القصة؟

وأما من الناحية السيكولوجية لقصص الأطفال، فيرى الشرتوني وهو كاتب لأكثر من 130 قصة تربوية هادفة للأطفال: "يجب أن تتضمن عناصر نفسية هي "الأنا- الهو- الأنا الأعلى" ويجب انتصار الأنا الأعلى بما تمثل من رمزية للقانون والضوابط الاجتماعية والأخلاقية، فيما تكمن الخطورة في انتصار عنصر "الهو" بكل ما يمثله من رغبات وسلوكيات جامحة وسلوك بدائي".

أما العناصر الواجب تجنبها في قصص الأطفال فهي: العداونية، والأفكار الجنسية، والأفكار التي تخص عالم الراشد، والتلذذ بالشر. كما يجب التنبه إلى الأعراف العربية المنبثق منها مجتمعنا، فمثلًا: في قصص الأطفال في الغرب بدأ الترويج لقصص تضم أسرة فيها زوجين من النساء أو زوجين من الرجال. وذلك مما يتوافق مع النظرة الغربية لكن لا يتناسب مع أعراف البيئة العربية.

يذكّر الشرتوني بأهمية تجنب تعليم الطفل سلوكيات غير مناسبة، مثلًا: ألا تتضمن القصة طفلًا يضع مقصًا داخل الكهرباء مما يؤدي إلى تهديد سلامته الشخصية. فالطفل يشبه الإسفنجة يتشرب كل ما يقرأه ويشاهده وينتقل إلى حالة الفعل لما قرأه وشاهده.

الطفل الحاكم الأول

إن تحديد إيجابية أم سلبية القصة وتأثيرها على الصحة النفسية للأطفال يتم عبر ملاحظة سلوكيات الطفل التي تنبثق من الإسقاط الذي يقوم به الطفل بعد قراءته للقصة. الطفل يمكن أن يتقمص شخصيات القصة أو يأخذ الصور والمشاهد من الخيال القصصي إلى الواقع المعاش.

فالطفل ينفر من القصص السلبية بينما يكرر طلبه للقصص الإيجابية. فالطفل هو الحاكم الأول في تحديد قيمة القصة وفائدتها، دون نسيان دور الأم والأب والمدرسة ودور النشر والمعلمات في فحص عناصر القصة.

بطبيعة الحال فالقصص تعالج كل المواضيع النفسية والاجتماعية والعائلية والدينية وغيرها، لكن الأهم، كيف تعالج هذه القضايا؟ لا يمكن معالجة القصة بالسلبية والخوف، ففي النهاية الطفل يريد أن يستمتع وينتظر القصة للشعور بالمتعة، وعن طريق المتعة يمكن له أن يتعلم.

سيف ذو حدين

الطفل يخاف من مشاهد الضرب والقتل وقطع الأطراف، وهي قصص غير مناسبة للسرد على مسمع الأطفال. فالقصة سيف ذو حدين ولها انعكاسات على الصحة النفسية للأطفال، وعلى تحديد توازن الشخصية عند الطفل. ويأسف الشرتوني أن "هناك من يستغل هكذا قصص لتعليم الطفل بعض الدروس الدينية أو الأفكار أو الأحداث التاريخية، ولا أعتبرها مفيدة للطفل أو للمجتمع أو للدين أو للإنسان بشكل عام".

الطفل يخاف من مشاهد الضرب والقتل وقطع الأطراف، وهي قصص غير مناسبة للسرد على مسمع الأطفال

على الصعيد الشخصي يقول الشرتوني: "نشرت قصص دينية في مجلة هللويا المسيحية، ولكن هناك أسلوبًا محببًا يجب اتباعه بعيدًا عن الأساليب السلبية المؤذية". ويشدّد على أن "هذه قصة المختار الثقفي تتضمن فكرة دينية لكن من كتبها لم يعي إمكانية أن يتعلم الطفل من خلالها العدوانية والخوف".

اقرأ/ي أيضًا: كواليس رولد دال.. أحد أشهر كتاب قصص الأطفال في العالم

ويفضل الشرتوني عدم استخدامها مع الأطفال لأنها مؤذية ومؤلمة على نفسية الطفل. وتداعياتها على المدى القصير والبعيد هي الخوف وعدم تقبل الآخر، وتطبيق العدوانية على نفسه وعلى الآخرين، والحكم المسبق على الآخر بدلًا من تعليمه السلوكيات الحسنة كالحب والمحبة وتبادل الاحترام والحوار، وعدم الانجرار وراء العنف وغيرها من السلوكيات، حسب ما يشير المختص.

 

اقرأ/ي أيضًا:

جلوريا فورينتس.. 99 عامًا من الطفولة

دحو فرّوج: لنحرّرْ مسرح الطفل من سذاجتنا