01-نوفمبر-2016

رجل يمني يحمل مساعدات غذائية يقدمها برنامج الغذاء العالمي (محمد حواش/أ ف ب)

يبدو اليمن منسيًا من حسابات التعاطف الساقطة من جدول متابعات القارئ العربي، رغم أن الجرائم المرتكبة فيه لا تقل فظاعة عما تمارسه قوات الأسد والقوات الروسية وداعش، وكل من حمل سلاحًا في العالم فيها.

الحقيقة أن قراءتي المتواضعة في الملف اليمني تجعلني أقارنه لا إراديًا بما حدث ويحدث في سوريا، فكلاهما بلدان باعتهما الطغمة الحاكمة لحلفائها ظنًا منها أن الحلفاء يسلمون بعضهم مقاليد "الرئاسة" في النهاية (جماعة الحوثي التي تسيطر على صنعاء اليوم وعلى مضيق باب المندب وعلى أهم موانىء اليمن، وهو ميناء الحُديدة) سهل تحركها، وفتح الأبواب أمامها للرئيس السابق صالح، وحليفه في الرئاسة اليوم عبد ربه منصور هادي. وقد كان رد الجميل في النهاية من الحوثيين بتحديد إقامة الرئيس اليمني.

تحول اليمن وسوريا إلى ساحة للحرب بالوكالة بين الدول الإقليمية كإيران والسعودية

اليمن وسوريا كذلك تحولتا – للأسف – إلى ساحة للحرب بالوكالة بين الدول الإقليمية كإيران والسعودية. المجازر التي يركتبها الطرفان بحق اليمن المنهك أصلًا من الحروب الأهلية منذ استقلاله في الستينات تبدو وكأنها بلا نهاية.

ما بات يهمني الآن ليس اللعبة السياسية في اليمن، بل حظه التعيس من التعاطف العالمي الذي لا يجد صدى حقيقيًا مثلما تجد سوريا والعراق.

اقرأ/ي أيضًا: ثم مات المعزون جميعًا

والحقيقة أنني أفهم كون طبيعة اليمن الجغرافية والقبلية تجعله بلدًا عصيًا على الاختراق والدخول مثل سوريا، وهو بلد لا يحتله عدو تقليدي صريح مثل داعش، رغم تواجد القاعدة فيه، والتي باتت تمثل العدو القوي الوحيد الآن أمام الحوثيين.

إنسانيًا، فقد نشرت البي بي سي تقريرًا حول الأوضاع الإنسانية في اليمن شديدة البؤس، تقول فيه نقلًا عن برنامج الغذاء العالمي: "إن الوضع الإنساني باليمن في غاية السوء، مع تواصل معدلات سوء التغذية بين الأطفال في الإرتفاع إلى أكثر من 30 بالمئة، وأعرب البرنامج عن القلق المتنامي بشأن تدهور الأمن الغذائي وارتفاع معدلات سوء التغذية بين الأطفال، وخاصة في المناطق التي يصعب الوصول إليها، بعد أن زار فريق رفيع المستوى من البرنامج أحياء فقيرة في اليمن مؤخرًا".

الجوع بات عدوًا ثالثًا لليمنيين، يهددهم في ظل توقف الرواتب وعدم وصول المساعدات إلى المناطق النائية ووقوع الأطفال والنساء بين فكي الجوع. مجاعات بالفعل أصبحت تفتك بالأطفال الذين أصبحوا هدفها الأول، هذا كله بالإضافة إلى انتشار الكوليرا.

أما على مستوى جرائم الحرب فحدث ولا حرج، ففي أكتوبر الماضي قصفت طائرات التحالف العربي دار عزاء في الصالة الكبرى، وهو مجلس عزاء أقامه اللواء الروشان تأبينًا لوالده الذي كان يحظى باحترام عدة أطراف متصارعة في اليمن، حتى منصور نفسه، وكان المكان يغض بالمدنيين من اليمنيين.

فلماذا كان القصف الذي أودى بحياة أكثر من 700 شخص جاءوا يقدمون واجب العزاء؟ ربما كان الهدف من ذلك هو أن يطال القصف أشخاصًا ذوي ثقل في المكان، وكأن ذلك يبرر المذبحة. ولكن لماذا يُقصف مجمع أمني ويُقتل عشرات المحتجزين لينهار المبنى فوق السجناء؟

أسئلة الحرب تبدو ساذجة، لأن حسابات الكبار هي اللغة الوحيدة التي تفك شفرة القتل في اليمن، أما الجوع والموت الذي يكاد يقضي على جيل بأكمله ويمحوه محوًا من التاريخ، فهو قصة التاريخ الأبدي في مناطق الصراع.

اقرأ/ي أيضًا: صالح: سوقيٌّ بدرجة رئيس جمهورية

لا بد لطفل أن يموت هنا لأنه لم يجد حليبًا، أو خبزًا، كانت مضايا في سوريا فاجعة فاضحة للتحيزات ضد الإنسانية في العالم، فكان الواحد منا يرى طفلًا فقد وجنتيه، وغارت عيناه من الجوع، وآخر شامت يضع على وسائل التواصل الاجتماعي جنبًا إلى جنب صورًا لموائد طعام محتشدة تسخر من جوع مضايا.

وحدها حسابات اللاعبين الكبار هي اللغة الوحيدة التي تفك شفرة القتل في اليمن

الإيمان بالإنسانية يخبو ويتضاءل لينسحب إلى الظل في المشهد العبثي باليمن وسوريا وغيرها، غير أن اليمن التعس منسي بالفعل.

حتى أن هآرتس الإسرائيلية ذكرت في تحليل لها في 22 آب/أغسطس الماضي: أن الحرب المنسية في اليمن تجعل نصف مليون شخص على حافة المجاعة. وأشارت بأسئلة منطقية عن مدى استمرار الحرب هناك، وعن التغييب الإعلامي للحرب الذي جعلها تسقط من أجندة التعاطف الدولي.

تغييب التعاطف عن اليمن في رأيي سلاح جديد من نوعه، تستخدمه أطراف هناك من مصلحتها أن يبقى ألم اليمن مطويًا وكأنه ينزف إلى ما لا نهاية. نافيًا أسطورة اليمن السعيد إلى الأبد!

اقرأ/ي أيضًا:
الحوثيون وصالح: الرياض بعيدة.. تعز أقرب!
أشتم إكرامًا للمنطق