غادر الرئيس اللبناني السابق ميشال عون، قصر بعبدا الجمهوري، في 30 تشرين أول/ أكتوبر الماضي، بعد 6 سنوات من ولايته الرئاسية، وبعد عهد اتسم بالأزمات الاقتصادية الضخمة التي هزت لبنان بما فيها انهيار العملة اللبنانية والنظام المالي والمصرفي، وانفجار بيروت في آب/ أغسطس 2020.
غادر الرئيس اللبناني السابق ميشال عون، قصر بعبدا الجمهوري، في 30 تشرين أول/ أكتوبر الماضي، بعد 6 سنوات من ولايته الرئاسية
وفشل مجلس النواب اللبناني بشكل متواصل في انتخاب رئيس يخلف ميشال عون، وذلك نتيجة عدم التوافق على مرشح رئاسي واحد يحصل على دعم النواب، مما يمكنه من الوصول إلى سدة الرئاسة.
وتتباين الاختيارات بين التيارات اللبنانية المتنازعة، وبينما تتوافق تقريبًا أحزاب التقدمي الاشتراكي برئاسة وليد جنبلاط والكتاب برئاسة سامي الجميّل والقوات اللبنانية برئاسة سمير جعجع وبعض النواب المستقلين على ميشال معوض ليكون مرشحها لرئاسة لبنان، تختلف أحزاب العهد الحالي في ما بينها، ورغم أن هذه الأحزاب لم تطرح مرشحًا حتى الآن، إلّا أنّه من المفهوم الآن دعم حركة أمل لسليمان فرنجية رئيس تيار المردة، بالإضافة إلى حزب الله، فيما يعارض جبران باسيل الترشيح. هذا وحدد رئيس مجلس النواب نبيه بري، يوم الخميس القادم، موعدًا جديدًا لانتخاب رئيس الجمهورية للمرة السابعة.
أمّا المشهد الثابت في مغادرة عون للقصر الرئاسي، هو غياب الرئيس القادم الذي يفترض أن يتسلم الحكم من بعده، فقد خرج عون تجاه مكان إقامته وسط حشدٍ من مؤيديه، دون أن يُقابل أو يعرف من الذي سيليه في الحكم.
الفراغ الرئاسي الذي تركه عون، لم يكن سابقةً في تاريخ لبنان، وتحديدًا ما بعد اتفاق الطائف، الذي وضع حدًا للحرب الأهلية اللبنانية. فعون نفسه جاء بعد فراغ رئاسي قارب على الثلاث سنوات، كان التعطيل سمته الأساسية. والفراغ الرئاسي الحالي، هو الثالث منذ اتفاق الطائف، والرابع في تاريخ لبنان الحديث، والمفارقة كانت، أن فترة الفراغ الرئاسي الأولى، حدثت في عهد عون عندما كان قائدًا للجيش اللبناني.
أول فراغ رئاسي عرفه لبنان، كان بعد انتهاء حكم الرئيس اللبناني السابق أمين الجميل، الذي انتهت ولايته في 22 أيلول/ سبتمبر 1988، وخلفه في حينه قائد الجيش اللبناني وقتها ميشال عون، واستمر في الحكم حتى 13 تشرين أول/ نوفمبر 1990، وفي حنيه خرج عون منفيًا إلى فرنسا، بعد هزيمته في حرب الإلغاء التي وقعت بين الجيش اللبناني بقيادته والقوات اللبنانية بقيادة جعجع، ودخل الجيش السوري إليها، معتقلًا جعجع ونافيًا عون.
بعد ذلك، خلفه رئيس الوزراء سليم الحص بحكم الواقع في الرئاسة، لأشهر، ليأتي رينه معوض لأيام ويعود الحص مرة أخرى، قبل تأمين انتخاب إلياس الهراوي، ليتسلم المنصب وينهي فترة الفراغ الرئاسي التي بدأت منذ ترك الجميّل منصبه في 22 أيلول/ سبتمبر 1988.
وما بعد اتفاق الطائف، تولى رئاسة لبنان أربعة أشخاص، حدث الفراغ الرئاسي في نهاية فترات ثلاثة منهم. حيث جاء إميل لحود رئيسًا للبنان في 24 تشرين ثاني/ نوفمبر 1998، واستمر في منصبه حتى 23 تشرين ثاني/ نوفمبر 2007، قبل أن يغادر المنصب دون أن يسلم العهدة إلى الرئيس الذي يليه، واستمر الفراغ الرئاسي، حتى انتخاب قائد الجيش اللبناني ميشال سليمان في 25 أيار/ مايو 2008.
البلد الذي يمتلك الرؤساء الثلاث، أي رئاسة الدولة والوزراء والمجلس النيابي، وهي المحاصصة التي تراعي التقسيمة الطائفية في لبنان، عاد للفراغ الرئاسي مرةً أخرى فور انتهاء ولاية ميشال سليمان التي استمرت 6 أعوام، وانتهت في 24 أيار/ مايو 2014.
الفراغ الرئاسي الأكبر في لبنان، جاء تحديدًا في الفترة التي تلت انتهاء ولاية سليمان وحتى تسلم عون، واستمرت حتى 31 تشرين أول/ أكتوبر 2016، وهي الفترة التي تم فيها انتخاب عون رئيسًا للبنان، ليكون الرئيس 13 لها، بدعم أساسي من حزب الله وحركة أمل حلفاء التيار الوطني الحر، وكذلك سعد الحريري وتيار المستقبل. وذلك بعد التوصل إلى تفاهم معراب الذي حصل بين جبران باسيل وسمير جعجع، والذي تم بموجبه تقاسم المناصب الوزارية والوصول إلى دعم طموح عون في رئاسة لبنان.
غادر عون منصبه تاركًا لبنان في حالة فراغٍ رئاسي، كما وصل إليه، مع انقسامات عميقة وطاغية، وأزمات كبير ومستعصية، تبدو أكبر مما كانت عليه عند تسلمه المنصب.