16-يناير-2020

وقفة احتجاجية ضد اعتقال الصحفي عمر الراضي (أ.ف.ب)

منذ سنة 2008 رفع المغرب شعار "حرية التعبير أولًا"، والذي تعزز بعد 2011 وموجة الانتفاضات العربية التي مس المغرب منها نفحة دفعت لإجراء إصلاحات سياسية ودستورية، وأعلن العاهل المغربي عن عدم تفعيل الفصل 179 من القانون الجنائي في وجه المواطنين الذين ينتقدونه.

في آخر عامين، وخاصة في 2019، زادت في المغرب الاعتقالات والمتابعات القضائية بسبب آراء عبر عنها أصحابها

لكن آخر عامين كان لهما رأي آخر، وخاصة السنة المنصرمة، 2019، حيث عادت المتابعات القضائية بسبب آراء عبر عنها أصحابها، باختلاف وسائل وأماكن التعبير، فكانت التدوينات ومقاطع الفيديو والإبداعات الفنية، سببًا في دخول أصحابها إلى السجن، ومتابعتهم بتهم ثقيلة وعقوبات سالبة للحرية.

اقرأ/ي أيضًا: العقلية البوليسية تدير المغرب مجددًا

اختلفت التهم، لكنها في أغلبها لم تخرج عن دائرة "السب والقذف والتحريض والإهانة والمس بالمقدسات"، بالإضافة إلى إعادة الفصل 179 من القانون الجنائي إلى الواجهة مرة أخرى.

وتزامنًا مع ذكرى الاستقلال، وعلى هامش سلسلة الاعتقالات، أطلق عشرات النشطاء والفاعلين الحقوقيين، حملة للتوقيع على وثيقة وطنية، للمطالبة بإطلاق سراح كافة المعتقلين السياسيين ومعتقلي الرأي، تحت شعار "2020 مغرب بدون اعتقال سياسي ومعتقلي الرأي".

حكاية عمر الراضي

عمر الراضي صحفي مغربي معروف في الوسط الإعلامي المغربي، نشر تغريدة على حسابه بتويتر، انتقد فيها الحكم القضائي الصادر ضد معتقلي حراك الريف، فكانت سببًا لاتهامه بـ"إهانة القضاء وازدراء المحكمة"، رغم أنه حذفها بعد استدعائه أمنيًا أول مرة.

ثم في كانون الأول/ديسمبر 2019، اعتقل الراضي ثم أطلق سراحه بعد أيام، إذ عقدت أولى جلسات محاكمته في حالة اعتقال، قبل أن تحسم الغرفة الجنحية قرار متابعته في حالة سراح، رغم قرار القاضي برفض طلب هيئة الدفاع.

عمر الراضي
الصحفي المتابع قضائيًا عمر الراضي

وقبل اعتقاله، كان الراضي قد أنجز تحقيقًا حول الاقتصاد الريعي في المغرب، إلا أن اعتقاله جاء بعد مرور أشهر عديدة على نشر التغريدة، في الوقت الذي كان فيه عائدًا من الجزائر بعد مشاركته في نشاط حقوقي هناك.

"بودا".. حكاية ثائر

اسمه عبد العالي باحماد ويحمل لقلب "غسان بودا" وهو ناشط حقوقي اعتقلته السلطات في الـ18 من كانون الأول/ديسمبر الماضي، وتوبع قضائيًا وهو في حالة اعتقال، وذلك بسبب نشر تدوينات عبر فيسبوك تطرق فيها لموضوع إحراق العلم الوطني في مسيرة نظمت بالعاصمة الفرنسية باريس.

والأسبوع الماضي، أدانته المحكمة الابتدائية بمدينة الخنفيرة بالسجن سنتين وغرامة مالية قدرها 10 آلاف درهم (ألف دولار أمريكي)، وذلك بتهمة "التحريض على إهانة علم المملكة ورموزها، والتحريض على الوحدة الوطنية"، وذلك بعد تدوينات إحراق العلم الوطني.

غسان بودا
الناشط الحقوقي غسان بودا

إدانة "بودا" لم تكن بسبب "التحريض على الوحدة الوطنية" فقط، وإنما أيضًا بسبب تدوينة أخرى كتب فيها "إذا جاع الفقراء فإن الأغنياء لن يستطيعوا النوم"، والتي اعتبرتها النيابة العامة عبارة مسيئة ومحرضة للمجتمع. ووجهت له في الأخير تهمة "المس بالمقدسات وإهانة العلم الوطني"، على خلفية مجموعة من التدوينات المنشورة على حسابه بفيسبوك.

"مول الكاسكيطة" و"مول الحانوت"

لا تختلف حكايته عن بودا والراضي. هو محمد السكاكي والمعروف بـ"مول الكاسكيطة". اعتقل وحكم عليه بالسجن أربع سنوات بسبب انتقاده للملك، بعد متابعته بالفصل 179 من القانون الجنائي المغربي، والذي يؤطر الأفعال المرتكبة في حق العاهل المغربي.

ورغم توجيهه اعتذارًا للملك والشعب، وقوله إنه لم يكن يقصد الشتم والسب والإهانة، "بالعكس أهدف للانتقاد البناء"، على حد تعبيره، إلا أنه اعتقل في مدينة السطات حيث يقطن، وتوبع قضائيًا.

ولم يكن محمد السكاكي الوحيد المتابع بالفصل 179 المثير للجدل، بل أُصدر أيضًا حكم بالسجن ثلاث سنوات وغرامة 20 ألف درهم (ألفي دولار أمريكي)، على حمد بودوح المعروف إعلاميا بـ"مول الحانوت"، وذلك بعد إدانته بتهم مختلقة تتضمن أيضًا المس بالمؤسسات الدستورية.

ونشر بودوح مقاطع فيديو على فيسبوك، تتضمن اتهامات لشخصيات معينة تم ذكرها بالاسم وانتقادات حادة للسلطات المغربية وأيضًا للملك، فتوبع قضائيًا بمجموعة من التهم، بينها "السب والقذف العلني، والتحريض على القيام بجنح وجنايات، والتبليغ عن جرائم خيالية يعلم بعدم حدوثها، والتحريض على القيام بجنح وجنايات، والإساءة للمؤسسات الدستورية ورموز المملكة وثوابتها، وإهانة هيئات ينظمها القانون، والتحريض على الكراهية، وإهانة هيئات منظمة".

قصة أخرى غير بعيدة عما سبق، هي قصة التلميذ أيوب محفوظ، البالغ من العمر 18 سنة، الذي بثّ على فيسبوك مقطعًا من أغنية "عاش الشعب" لمغني الراب ولد الكرية، الأمر الذي اعتبرته السلطات سببًا كافيًا لاعتقاله ومتابعته بالفصل 179 من القانون الجنائي، وأيضًا المادتين 263 و265. ووجهت له تهم تتعلق بـ"إهانة الهيئات الدستورية، وإهانة هيئات ينظمها القانون، وإهانة موظف عمومي".

حُكم على أيوب بالسجن ثلاث سنوات وغرامة مالية قدرها خمسة آلاف درهم (500 دولار أمريكي)، مع مصادرة هاتفه الخاص لفائدة إدارة أملاك الدولة، رغم الأصوات الحقوقية التي طالبت بالإفراج عنه، وأيضًا الدفاع الذي أعد ملفًا للترافع، ملتمسًا مراعاة ظروف سنه وأنه ما زال تلميذًا مدرسيًا، قبل أن تنطلق أولى فصول محاكمته في الشق الاستئنافي، وسط دعوات متكررة للإفراج عن أيوب.

عودة عهد القمع

وتعليقًا على كم الأحكام الصادرة بسبب التعبير عن الرأي، قالت خديجة الرياضي، الناشطة الحقوقية وعضو الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، في تصريح لـ"الترا صوت"، إنه "على الدولة أن تلبي مطالب المواطنين عوض قمعهم واعتقالهم بسبب وسائل التواصل الاجتماعي، الأمر الذي يضرب المكانة الحقوقية للبلد، خاصة وأن الملك قال على لسان وزير حقوق الإنسان، مصطفى الرميد إن لديه رغبة في عدم متابعة من يوجهون له اللوم، لأنه يريد التقرب من الشعب".

وأضافت الناشطة الحقوقية أن محاكمة المواطنين بسبب تعبيرهم عن آرائهم، هي "ردة حقوقية، كان المغرب قد تخلى عنها، قبل العودة إليها بمحاصرة الحق في التعبير والتظاهر والتجمع السلمي، وأيضًا بخنق الصحافة المستقلة، ووضع عدد من الصحفيين في السجون".

واعتبرت المتحدثة أن التضييق لم يكتفِ بالواقع، بل انتقل أيضًا إلى الفضاء الرقمي الذي أصبح منصة لانتقاد الوضع بحرية بهدف التغيير، على عكس الإعلام العمومي. "هذا الانتقاد الموجه بشكل كبير، خاصة لملك البلاد، يواجه بالقمع والحصار"، تقول خديجة، مضيفةً أن "القمع لم يكن أبدًا حل، لأن رؤساء في دول كبيرة يتم رميهم بحبات الخضر ولا يتم متابعة الفاعلين، باستثناء غرامات قليلة ربما".

وصنفت خديجة الرياضي، المواطنين المتابعين من طرف السلطات المغربية بسبب الفضاء الرقمي، إلى ثلاثة أقسام: 

1. الصنف الأول: يتعلق بالمعتقلين والمحاكمين بسبب تدويناتهم على فيسبوك أو منشوراتهم الرقمية عمومًا، على اعتبار أنهم تجاوزا الخطوط الحمراء في نظر السلطات، على غرار تلميذ مكناس الذي نشر مقطعًا من أغنية "عاش الشعب" .

2. الصنف الثاني: يتعلق بأشخاص تم القبض عليهم بسبب تدويناتهم، لكن الهدف الرئيسي هو أنشطتهم ومواقفهم التي تزعج السلطات، كالصحفي عمر الراضي الذي كان السبب الحقيقي في اعتقاله هو تحقيقاته الصحفية، وأيضًا عبد العالي باحماد المعروف بـ"بودا غسان"، فأنشطة الأخير بمنطقة خنيفرة وبني ملال، أزعجت السلطات وليس تدوينته حول إحراق العلم الوطني، بحسب الرياضي.

3. الصنف الثالث: يتعلق بمعتقلين بسبب تدوينات أو إنتاجات فنية تحمل انتقادات لاذعة. لكن اعتقالهم، رسميًا، جاء بسبب مخالف تمامًا ومغاير، رغم أن الكل يعلم أن السبب الرئيسي لاعتقالهم غير ذلك، مثل حالة الكناوي، الذي أصدر أغنية "عاش الشعب"، لكن محاكمته لا علاقة لها بالأغنية المذكورة.

للطرف الآخر رأي آخر

بعد الانتقادات الكبيرة التي وجهها حقوقيون حول حملات الاعتقال وسلسلة المحاكمات، خرج محمد عبدالنباوي، النائب العام، في مؤتمر صحفي، ليدافع عن هذه المحاكمات، قائلًا إنها "تتم في إطار احترام القانون".

وقال النائب العام، إن "من ينتقدون قرارات النيابة العامة التي تحرك المتابعة في حق المدونين، عليهم التأكد أولًا، هل هذه القرارات مطابقة للقانون أم لا، وعليهم أن يعرفوا ما هي مهام النيابة العامة، لأنه حين يكون هناك فعل ما مجرمٌ بمقتضى القانون، ويصل إلى علم النيابة العامة تحرك فيه المتابعة، في إطار المساطر الجارية على المحاكم"، حسبما قال.

لم يكتفِ التضييق في المغرب على الواقع بل انتقل أيضًا إلى الفضاء الرقمي الذي أصبح منصة لانتقاد الوضع بحرية بهدف التغيير

واعتبر النائب العام، أن المتابعات "ليس فيها أي تجاوز أو تعد على الحقوق"، قائلًا إن النيابة العامة "تُطبق القانون فقط. حينما يكتب مدون كلامًا يتجاوز الحدود، ويعتبر تهديدًا أو قذفًا أو مسًا بالكرامة وبحرمة الأشخاص. وتتحرك النيابة العامة للمتابعة، فلا يجب أن نعتبر ذلك تعديًا على الحقوق".

 

اقرأ/ي أيضًا:

السلطات المغربية تعتقل الصحفية هاجر الريسوني بـ"طريقة بوليوودية"!

اعتقال عمر الراضي يختم 2019.. حصاد سنة "صعبة" على الصحافة في المغرب